يتساءل شاب مصري، لماذا لم يقع ذات التعاطف الإنساني الواسع مع ضحايا هجمات باريس، مع ضحايا مذبحة رابعة في مصر؟ لماذا لم تثر مذبحة رابعة، التي تجاوزت تفجيرات باريس، من حيث عدد الضحايا والمصابين ذات التعاطف الإنساني، الذي تجلى في تنديد الحكومات والهيئات الرسمية بأحداث باريس، وفي شجب الشعوب والمؤسسات الأهلية المدنية، عبر العالم لهذه الاعتداءات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتقديم العزاء في مقرات سفارات الجمهورية الفرنسية، وفي إصدار العديد من الأئمة والوعاظ في العالم الإسلامي الرسميين وغير الرسميين، للفتاوى والبيانات التي تؤثّم فاعل هذه الاعتداءات، على نحو ما أصدره الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، من بيان أدان فيه بشدة الهجمات والتفجيرات الإرهابية في باريس، ووصفها بالإجرامية، مقدما التعازي للجمهورية الفرنسية، ولأسر الضحايا الأبرياء، وكذالك مؤسسة الفاتيكان التي اعتبرت الهجمات في باريس هي اعتداء على سلام كامل الإنسانية.
اقرأ أيضا: مصر: الاغتصاب سلاح الاستبداد لتعذيب المعتقلات
سيناريوهان للإجابة
السؤال السابق منطقي ومعقول، وهناك طريقتان للإجابة عليه، الأولى سهلة وميسورة وهي أن الغرب متآمر ويحارب العرب والمسلمين، ولديه عنصرية تجاه الشعوب العربية، فحقوق الإنسان هي فقط للأوروبيين دون الناس أجمعين.
أما الإجابة الثانية، فتحتاج إلى تفكير وتبصّر وتقليب نظر وإعمال فكر، وهذا ما نتناوله في الأسطر التالية، ولكن ينبغي أولاً أن نفرّق بين التعاطف الشعبي الجماهيري وبين المواقف الدولية الرسمية على مستوى الحكومات والمنظمات السياسية العالمية؛ إذ نركز على زاوية التعاطف الشعبي المدني غير الرسمي مع الأحداث، وبالتالي يصبح سؤالنا هو "لماذا تضامت الشعوب والمجتمعات مع أحداث باريس أكثر من تعاطفها مع ضحايا مذبحة رابعة العدوية؟".
اقرأ أيضا: خليجيون في ذكرى يناير..حكم السيسي لن يعمر مثل مبارك
يرجع هذا إلى ستة عوامل رئيسة كالتالي:
أولاً: ضخامة التغطية الإعلامية لأحداث باريس، على كافة الفضائيات الكبرى غير الفرنسية وبكل اللغات المعروفة، وفي وقت متزامن وبشكل محترف ومتضامن مع الضحايا، بمعنى أن هناك رواية إعلامية واحدة، وهي أن هناك اعتداءً إرهابيا ضخما على مدنيين مسالمين في المسارح وملاعب كرة القدم والمطاعم بدون سابق إنذار وبشكل وحشي، وهذه التغطية الإعلامية بهذا الشكل الموضّح سابقا لم تكن متوفرة للأحداث التي وقعت في ميدان رابعة العدوية، والتي بُثّت أحداثها فقط على قنوات معظمها محلية، وبعد روايات إعلامية متضاربة، وبالتالي بالكاد وصلت قصة رابعة العدوية إلى الفضاء الإعلامي والشعبي العربي.
ثانيا: الأحداث الإرهابية والكوارث البشرية الضخمة، أمر قليل الحدوث والتكرار في الفضاء الاجتماعي الأوربي والأميركي، لذلك عندما تقع بعض الأحداث التي يسقط فيها ضحايا ودماء تجد الوجدان الشعبي والجماهيري هناك مستنفر بشكل كبير، عكس الحالة الوجدانية العربية الآن، التي تُعاني من ضخامة وكثافة الأحداث والأخبار التي تدور يوميا حول القتل والقصف والكوارث الطبيعة، لذلك تجد حساسيتها الجماهيرية تجاه قضايا امتهان الكرامة الإنسانية يبدو ضعيفا وخافتاً.
ثالثا: وجود وسائط اجتماعية وثقافية سريعة للتعاطف والتضامن مع أحداث باريس، جعل دائرة التعاطف والتضامن الشعبي العالمي تتسع؛ فقد وفر موقع فيسبوك العديد من آليات التضامن مع الضحايا والتواصل مع الأصدقاء للاطمئنان عليهم بكل سهولة وبدون جهد وعناء، في حين أن التضامن الوحيد المتاح وقت وقوع أحداث مذبحة رابعة العدوية كان هو النزول في تظاهرات وسط العاصمة المصرية القاهرة والتعرض للقمع والقتل المباشر؛ يمكن القول إن عدم توفر وسائل سريعة وعالمية وبكل اللغات جعلت التضامن والتعاطف مع أحداث رابعة العدوية يبدو ضعيفاً.
رابعاً: أحداث مذبحة رابعة العدوية قدمت للرأي العام العالمي من باب السياسة وليس من نافذة الإنسانية؛ فالاحتشاد والتجمع في الميدان، تم التركيز عليه إعلاميا من الجهات المُنظمة له باعتباره حشدا سياسيا تم التهديد فيه بممارسة العنف ضد السلطة، وعادة الشعوب والجماهير لا تتعاطف مع ضحايا الصراعات السياسية الداخلية في الدول؛ مثلا من العرب مَن أبدى تعاطفه مع ضحايا نمور التاميل في سيرلانكا الذين سقط منهم قتلى بالآلاف على مدار ثلاثين عاماً من القتال ضد السلطة والجيش.
خامساً: الأحداث الإرهابية، العابرة للجغرافيا والحدود، تحظى عادة باهتمام كبير من الإعلام والرأي العام العالمي عكس القضايا الداخلية؛ فأحداث باريس لها علاقة بمستقبل ملايين المسلمين في أوروبا وعلى تماس بالقضية السورية وستُؤثر على التحالفات الإقليمية العالمية، وهذا ما لم يتوفر في أحداث ميداني رابعة العدوية الذي بدا للناس والرأي العام أنه شأن مصري داخلي.
سادساً: سياسياً هناك قناعة عامة شعبية في المنطقة العربية والفضاء الأوروبي الاجتماعي بأن الدولة والسلطة من حقها استخدام العنف ضد الآخرين الذين يهددون أمن وأستقرار الدولة؛ وأحد تعريفات الدولة الحديثة أنها الجهة الوحيدة المسموح لها باستخدام العنف والإكراه ضد المخالفين، هذه القناعة تقف حائلاً بين التعاطف الشعبي المحلي والعالمي مع ضحايا الصراع السياسي مع الدولة، وما يزيد من تعقيد هذه المسألة هو ترويج الإعلام الرسمي للدولة والعديد من الجهات الإعلامية الداعمة لها عالمياً بأن المعارضين لها يستخدمون العنف والإرهاب؛ فيصبح لدى المواطن تردد وعدم وضوح رؤية للأحداث، وساعتها يتلاشى التعاطف ويندثر التضامن.
في الختام، يجب علينا ألا نفقد الثقة في المجتمعات والجماهير، سواء على المستوى المحلي أو الأممي في دعم قضايانا العربية العادلة، عبر إنتاج وسائل للتواصل معها فاعلة وقوية، تتفهّم طبيعتها الوجدانية وسيكولوجيتها النفسية، بعيداً عن فكرة المؤامرة ومواقف الحكومات الرسمية.
-------
اقرأ أيضا:
كتب العرب المحرمة