التطرّف اليساري في السودان: السياق والمنبع

07 يوليو 2016
(تصوير: أنتوني أسيل)
+ الخط -

ترجع جذور القطيعة والخصام بين اليسار السوداني وجماعات الإسلام السياسي، إلى حادثتين مهمتين في تاريخ السودان السياسي الحديث؛ أولهما حادثة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في عام 1965، حيث قام الإخوان المسلمون بقيادة حملة ضد الحزب الشيوعي على خلفية حديث لطالب منسوب للحزب الشيوعي بمعهد المعلمين العالي أساء فيه إلى الدين الإسلامي، وبعدها تم تجييش الشارع ضد الحزب الشيوعي.

واتخذت الجمعية التأسيسية في جلستها بتاريخ 25/11/1965، قراراً بحل الحزب الشيوعي، وتعديل الدستور لطرد نوابه من البرلمان. وبعد عام، أعلن رئيس المحكمة العليا، القاضي صلاح حسن، بطلان قرار الجمعية التأسيسية بحل الحزب الشيوعي، لكن قادة أحزاب الأمة والاتحادي والإخوان المسلمين رفضوا قرار المحكمة العليا، الأمر الذي خلق حالة احتقان سياسي وغبن عجّلت بقيام انقلاب العقيد جعفر نميري في 1969.

وترجع الحادثة الثانية، إلى أول أحداث عنف منظم شهدتها الجامعات السودانية في عام 1968 في جامعة الخرطوم، وذلك عندما هاجم طلاب مسلحون يتبعون لتنظيم "الاتجاه الإسلامي" عرضا لرقصة تراثية تسمى "رقصة العجكو"، كان يشرف على تقديمها تنظيم "الجبهة الديمقراطية"، الذراع الطلابي للحزب الشيوعي، ومنها بدأ النزوع إلى التشدد والميل إلى تبني الاتجاهات المتطرفة من كلا الفريقين.

يرجع الناشط والماركسي محمد بابكر إشكالية التطرف وسط القوى اليسارية إلى كونها نابعة من التوجه الأيديولوجي الذي يؤسس ويفترض أن هنالك حالة هوية كاملة يجب حمايتها وصيانتها، ويؤكد بأن ذلك هو المنبع الأول للتطرف من قبل اليمين أو اليسار، على حدٍ سواء.

ويضيف بأنه إذا كانت الأحزاب ذات توجهات برامجية تقل بالتالي النزعات المتطرفة والعكس صحيح، لأن الأيديولوجيا هي التي تصوِّر لهؤلاء الشباب أن الحقيقة في جانبهم فقط، وتقطع لهم بعدم وجود آخر يستحق أي حقوق أو مميزات، مهما كانت ديمقراطية، ولذا نجد أن مجموعة كبيرة من الناشطين الحقوقيين من ذوي الخلفيات اليسارية يلوذون بالصمت عندما يطاول التنكيل أو يد القمع منتسبي تيارات وحركات الإسلام السياسي.

على خلاف محمد بابكر، يرى المحامي حافظ عبد الله جوهر، أن التنكيل الذي تم بقوى اليسار والعلمانيين من قبل الحكومة الإسلامية في السودان منذ عام 1989، والذي لم يخل من حوادث تعذيب وقتل، أدى إلى خلق تيار عريض متشدد تجاه كافة حركات الإسلام السياسي، وليس المتدينين، حيث يولي عدد كبير من العلمانيين والشيوعيين السودانيين اعتبارا كبيراً لمؤسسة الصوفية السودانية باختلاف مشاربها، وهي تمثل بالنسبة لهم حائط الصد الأول لتيارات التشدد وجماعات الإسلام السياسي. ويشير حافظ إلى أن أساس التشدد اليساري يكمن في تبني الرؤية الأحادية والمنظور الأحادي نحو العالم والأشياء.

ويقطع بأن بعض اليساريين يستثنون منتسبي تيارات الإسلام السياسي من أي حقوق أو امتيازات ديمقراطية، لعدم إيمان جماعات الإسلام السياسي – نفسها - بقواعد العملية الديمقراطية، مشيرا إلى أن الشواهد كثيرة في السودان أو بمصر على المستوى الإقليمي، حيث تتخذ هذه الجماعات العملية الديمقراطية كسلم نحو أسلمة وتدجين المجتمع ككل، متى ما وصلت إلى السلطة.

ويقول الباحث ميسرة محمد صالح، إن طول سنوات العداء المستحكم بين الإسلاميين والعلمانيين واليساريين في السودان، أدى إلى إنتاج تيارات متطرفة كثيرة، حيث لا توجد مؤسسة تتبنى فكرا منفتحا على الآخر وطروحاته في مستوى غير مستويات الإدانة والتجريم.

ويقول إن الانفتاح بمعناه الخلاق، الذي يتحاور ويتواصل مع الآخر، أصبح مفقوداً منذ سنوات طويلة، أضف لذلك نشوء تيارات شبابية متطرفة في دول المهجر، رداً على العنف الذي يجدونه في دول العالم الأول وأوروبا، والنموذج هو الشباب الداعشي، والنموذج الثاني هو الشباب الذي ينشأ في المحاضن السلفية، وجميع هذه الخطابات تؤدي إلى رد فعل "متطرف" بالضرورة من الطرف الآخر، الذي هو بالضرورة يساري أو علماني أو ليبرالي، وذلك على الضد تماماً من النزعات العدمية التي يتبناها المتطرفون اليمينيون.

ويشير ميسرة إلى أن بعض جذور التطرف اليساري ترجع إلى سنوات الكفاح ضد الاستعمار، حيث تبنت بعض المجموعات أفكار الكفاح المسلح وبعض الأفكار الراديكالية الأشد تطرفاً، وهذه الرؤى انسحبت إلى الساحة وأثرت على عدد لا يستهان به من الشباب.

المساهمون