ليس أدل على التأزم في المشهد الفلسطيني مما جرى في ساحات رام الله قبل أسبوع، حين احتجت مجموعة من شباب "حركة المقاطعة الثقافية لإسرائيل"، على عرض لفرقة الرقص الهندية "كاتك" التي جاءت بدعوة من "وزارة الثقافة الفلسطينية"، وذلك على هامش "معرض فلسطين الدولي للكتاب".
الشباب الذين تعرضوا للضرب والاعتقال من قبل الشرطة الفلسطينية، هم من لبوا دعوة الوقفة الاحتجاجية التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعية، لأن الفرقة الهندية كانت قد قدمت العرض في تل أبيب قبل رام الله.
ذلك ليس بالجديد، فدائماً ما يكون هناك سجال، بعد كل عرض في فلسطين يحمل طابع التطبيع أو شبهته، خصوصاً بعد تعرض الوعي الفلسطيني، في السنوات الأخيرة، لما يشبه الهزة نتيجة هزيمة الانتفاضة الثانية، وانهيار الأداء السياسي العام لمختلف التنظيمات الفلسطينية.
المشترك الوحيد في تلك السجالات والوقفات الاحتجاجية، هو نقص المعلومات التي يعوزها الجمهور لبناء المواقف. ففي ظل غياب الرؤيا التي تحكم العمل الثقافي، كـ"معرض الكتاب" مثلاً، غالباً ما يقع المنظمون في أخطاء وخطايا. مثال ذلك استناد "وزارة الثقافة الفلسطينية" إلى بيان السفارة الهندية في صياغة موقفها النهائي، بعد أن نفضت "الوزارة" نفسها يدَها من الدعوة وألغت العرض المقرّر، بسبب تناقل خبر العرض في تل أبيب من قِبل النشطاء على "فيسبوك".
لكنها عادت وتراجعت عن قرار الإلغاء بعد بيان سفارة الهند الذي ادعى أنّ العرض "كان موجهاً للجالية الهندية في إسرائيل، ولم يكن موجهاً للجمهور الإسرائيلي"!
الشيء الآخر الذي لم ينتبه له منظموا معرض الكتاب، أن عرض "كاتك" جاء في مسرح عرف عنه تساهله في قضايا التطبيع، والذين يعرفون الوسط الثقافي في فلسطين يعرفون مسبقاً أن مسرح وسينما "القصبة" تعرّض، هو وأنشطته، في السنوات الأخيرة، إلى ما يشبه المقاطعة، وذلك لاتهامات بالتطبيع طالت المسرح وإدارته.
وهنا يمكن توجيه السؤال إلى الثقافة ووزارتها التي ألغت العرض أول الأمر، ثم ألغت الإلغاء، من خلال مقاصدها في اختيارها لهذا المكان بالتحديد.
هذا ما جرى أمام المسرح قبل العرض وبعده. أما بخصوص ما تعرض له شباب "حركة المقاطعة"، حسب الشهود المشاركين في الوقفة، الذين صوّروا ووثقّوا، فالأمر يتعدّى الضرب والاعتداء إلى استنساخ السلوك الأمني لدول الجوار، وحتى قوات الاحتلال، في التعامل مع مظاهر الاحتجاج. فسابقاً، في كل مرة كانت تحدث فيها محاولة لتمرير فكرة تطبيعية هنا أو هناك، كانت تُواجه بشتى طرق ووسائل المقاومة التي يتيحها الواقع الفلسطيني، أما الجديد الآن فهو إحالة المحتجين إلى القضاء.
العرض خرق معايير "حملة المقاطعة الثقافية لإسرائيل"، وعلى الرغم من الذرائع التي قدمتها "وزارة الثقافة" في تبريرها لما اعتُبر تطبيعاً؛ إلا أن تلك الذرائع جاءت، كالعادة، لتكون حجاباً على واقع فلسطيني يرزح تحت الاحتلال، كما أنها لا تعفي هذه الجهات من مسؤوليتها الأخلاقية، سواء في سوء العمل والتنظيم، أو في تضاؤل البعد الوطني عن العمل الثقافي.
أما "حركة المقاطعة الثقافية لإسرائيل" فعليها أن تجد معادلتها للعمل الميداني، بما يضمن التراكمية والاستمرارية، والجماهيرية أيضاً، وبما يبني خطاباً بديلاً عن خطاب التخوين الذي بات كأنه فلكلور فلسطيني.
* شاعر من فلسطين