10 ابريل 2019
التطبيع مع إسرائيل ومقاومته
هدير نزعات التطبيع مع إسرائيل، من بعد سبات عميق، وتحوله إلى انفعال مفاجئ، يحاول إزالة تهمة التكيّف على وجود إسرائيل في قلب الشرق الأوسط. المقاومة الآن تعبّر عن رفض واقع قائم ومعترف به، يُراد إرجاع الناس عنه إلى الجادّة. وفي الحالة العربية، فهي أشبه بنداء الاغتسال من دنس الهرولة نحو العدو الصهيوني. وفي حدّه الأدنى، هو مقاومة للعلاقات مع الكيان الصهيوني. وعلى المستوى الإقليمي، لم تصل بعد إلى الدعوة إلى مقاطعته، باعتباره دولة احتلال وأبارتهايد. كما أنّها لم ترتقِ إلى الدعوة إلى إنهاء الاحتلال منذ 1967، بما في ذلك إزالة المستعمرات والجدار، وإنهاء نظام التمييز العنصري القائم في أراضي 1948 ضد جزء من الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وعودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية التي شردوا منها. وليست هي مقاطعة لكل مؤسسات إسرائيل الأكاديمية والثقافية، وكل الفعاليات والمهرجانات والمؤتمرات التي تنظمها أو بالتعاون معها.
عاد هذا الموقف إلى الحياة بعد أخبار ذاعت عن اتصالات دول عربية مع إسرائيل، فصعدت تيارات معارضة شعبية واسعة في هذه الدول، وعملت على إثارة الوعي لمواطنيها، وتعريفهم بمخاطر التطبيع، وما يمكن أن يحيق بالفلسطينيين جرّاء إقامة العلاقات مع الاحتلال، وما يمكن أن تصل إليه الدول العربية، بل ما سيقود إليه المشروع الصهيوني، كمشروع للشرق الأوسط الكبير الذي يحتوي هذا الوجود بداخله.
ما بادر إليه رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، في أعمال مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الـ137 في سان بطرسبرغ، يعيد إلى الأذهان ما كانت تقوم به الحركة الوطنية
الفلسطينية في الستينيات والسبعينيات، بحرصها على دخول كل المحافل والمنظمات الدولية، وعدم تحاشي الوجود الإسرائيلي، بل كانت تزهو وتفخر بمساجلة مندوبي إسرائيل، حتى يغادروا القاعات، مثلما غادر مندوب إسرائيل في لقاء البرلمانات. وبالنظر إلى الفارق الزمني، وما تطورت إليه آليات المقاومة في كلّ مكان، يبدو أنّه لزامٌ على المدافعين عن القضية الفلسطينية أن يطوّروا آلياتهم أيضاً. ففي الستينيات والسبعينيات، كانت حدود إسرائيل معلومة وجرأتها محدودة، وللاءات العرب صدىً يشقّ الآفاق، فمجرد طردها من قاعة يعني هذا نذير بعدم الرغبة في وجودها جملة واحدة. الآن، تغيّر هذا كله، حيث تمدّدت إسرائيل، وازدادت جرأتها، ولم تعد للعرب لاءات ناهيك عن قوتها. ولكن، هل يختلف ذاك السيناريو حقاً عما نكابده اليوم؟
أياً كانت الأهمية التي اكتسبتها كلمة البرلماني الكويتي، والتي لم تتجاوز 45 ثانية، يظلّ هذا التعبير عن الغضب محدوداً، وغير ذي أثر، حتى وإن تناقلته وسائل الإعلام. فالانتشار الواسع هنا لموقف عفوي تحوّل إلى استحسان شعبي، وعلى نطاق واسع، فالغانم لم يذهب إلى هذا اللقاء، ولديه خطة عمل واضحة من ضمنها طرد الوفد الإسرائيلي، ولم يقدّم تصوّراً لمندوبي البرلمانات، يعكس فيها معاناة الشعوب العربية التي تمثّلها هذه البرلمانات مع حكوماتهم، في قضايا عديدة، ومن ضمنها وقوفهم مع القضية الفلسطينية مقابل انبطاح حكوماتهم. وبالنظر إلى هذا الواقع، لا يقدّم طرد مندوبي إسرائيل من القاعة للقضية شيئاً، بل قد تؤخّر مثل هذه الروح الهتافية من النظر الجاد فيما يمكن فعله على أرض الواقع. وذلك بوضع الاعتبار أنّ دولة إسرائيل قامت وتفعل ما تفعل على أساس أنّها أمرٌ واقع، تفترض من الجميع تقبّلها، ومن لم يفعل ينتظر عقابه بالعصا الأميركية. إذن، المطلوب هو مواقف أصيلة تعبّر صراحة عن رفض التطبيع من منطلقاتٍ دينية وقومية، والوقوف ضد الممارسات العدوانية الإسرائيلية على الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية.
لا تزال للعرب فرصة للاستفادة من تناقض إسرائيل، ما يؤسس لعدم قبولها، فبالإضافة إلى أنّها دولة عنصرية واستعمارية منغلقة، وغير معترفة بالآخر، فإنّها، بحكم تركيز العقيدة الأمنية في
تكوينها السياسي والاجتماعي والثقافي على ترويج الخطر الوجودي المتأتي من الخارج، ما لا يستقيم مع السلام مع هذا الخارج. كما أنّها، بتكوينها الذي جاء نتيجة خطأ تاريخي وأخلاقي ظالم تحمله الفلسطينيون، تخشى فقدان خاصيتها لصالح هذه الأغلبية. إذن، ما تريده إسرائيل هو تأييد وتطبيع رسمي من الدول يعني، فيما يعني، الاعتراف بوجودها والتسليم به، وعدم الاعتراض على ما تقوم به داخل حدود الدولة، والتي تمتد بين حين وآخر لتحريك قطع الشطرنج على رقعة الشرق الأوسط الكبير لصالحها، ومن دون أن تتحرّك من مكانها.
الصراع في الأساس عربي صهيوني، وليس صراعاً فلسطينياً صهيونياً، حسبما إشاعة هذا الفهم في العقود الثلاثة الأخيرة، كمحاولة للتنصل عن المقاومة. وتركّز في أدبيات تلك المرحلة ما مفاده انتماء الدول المهرولة الآن للأمة العربية ودفاعها عن القضية العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين. تم تغييب الشعوب العربية لصالح أجندة دولها، ولكن لا بد من إحياء الموقف العربي الشعبي من وجود الكيان الصهيوني، والذي يختلف جذرياً عن أغلب مواقف الحكومات العربية التي تتنافس في الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتحاول معه اقتصادياً وتجارياً وعسكرياً.
نحتار دوماً في الإجابة على هذا السؤال: تُرى، ماذا سيكون مصير إسرائيل، لو أنّها قامت في بقعة أخرى غير العالم العربي؟ وهل كانت ستجد كل هذه الطمأنينة والراحة التي تجدها الآن، على الرغم من أنّ الدول المحيطة بها في غالبيتها أنظمة ديكتاتورية تذيق شعوبها الأمرّيْن، بينما تقف عاجزةً عن كيفية التعبير والاعتراض على هذا الجوار الإجباري؟ ربما نكتشف هذا متأخراً عن اكتشافات الكاتب الروسي، أنطون تشيخوف، وذلك أنّ السلام بأي ثمن لا يكون سلاماً بالمرة.
عاد هذا الموقف إلى الحياة بعد أخبار ذاعت عن اتصالات دول عربية مع إسرائيل، فصعدت تيارات معارضة شعبية واسعة في هذه الدول، وعملت على إثارة الوعي لمواطنيها، وتعريفهم بمخاطر التطبيع، وما يمكن أن يحيق بالفلسطينيين جرّاء إقامة العلاقات مع الاحتلال، وما يمكن أن تصل إليه الدول العربية، بل ما سيقود إليه المشروع الصهيوني، كمشروع للشرق الأوسط الكبير الذي يحتوي هذا الوجود بداخله.
ما بادر إليه رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، في أعمال مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الـ137 في سان بطرسبرغ، يعيد إلى الأذهان ما كانت تقوم به الحركة الوطنية
أياً كانت الأهمية التي اكتسبتها كلمة البرلماني الكويتي، والتي لم تتجاوز 45 ثانية، يظلّ هذا التعبير عن الغضب محدوداً، وغير ذي أثر، حتى وإن تناقلته وسائل الإعلام. فالانتشار الواسع هنا لموقف عفوي تحوّل إلى استحسان شعبي، وعلى نطاق واسع، فالغانم لم يذهب إلى هذا اللقاء، ولديه خطة عمل واضحة من ضمنها طرد الوفد الإسرائيلي، ولم يقدّم تصوّراً لمندوبي البرلمانات، يعكس فيها معاناة الشعوب العربية التي تمثّلها هذه البرلمانات مع حكوماتهم، في قضايا عديدة، ومن ضمنها وقوفهم مع القضية الفلسطينية مقابل انبطاح حكوماتهم. وبالنظر إلى هذا الواقع، لا يقدّم طرد مندوبي إسرائيل من القاعة للقضية شيئاً، بل قد تؤخّر مثل هذه الروح الهتافية من النظر الجاد فيما يمكن فعله على أرض الواقع. وذلك بوضع الاعتبار أنّ دولة إسرائيل قامت وتفعل ما تفعل على أساس أنّها أمرٌ واقع، تفترض من الجميع تقبّلها، ومن لم يفعل ينتظر عقابه بالعصا الأميركية. إذن، المطلوب هو مواقف أصيلة تعبّر صراحة عن رفض التطبيع من منطلقاتٍ دينية وقومية، والوقوف ضد الممارسات العدوانية الإسرائيلية على الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية.
لا تزال للعرب فرصة للاستفادة من تناقض إسرائيل، ما يؤسس لعدم قبولها، فبالإضافة إلى أنّها دولة عنصرية واستعمارية منغلقة، وغير معترفة بالآخر، فإنّها، بحكم تركيز العقيدة الأمنية في
الصراع في الأساس عربي صهيوني، وليس صراعاً فلسطينياً صهيونياً، حسبما إشاعة هذا الفهم في العقود الثلاثة الأخيرة، كمحاولة للتنصل عن المقاومة. وتركّز في أدبيات تلك المرحلة ما مفاده انتماء الدول المهرولة الآن للأمة العربية ودفاعها عن القضية العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين. تم تغييب الشعوب العربية لصالح أجندة دولها، ولكن لا بد من إحياء الموقف العربي الشعبي من وجود الكيان الصهيوني، والذي يختلف جذرياً عن أغلب مواقف الحكومات العربية التي تتنافس في الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتحاول معه اقتصادياً وتجارياً وعسكرياً.
نحتار دوماً في الإجابة على هذا السؤال: تُرى، ماذا سيكون مصير إسرائيل، لو أنّها قامت في بقعة أخرى غير العالم العربي؟ وهل كانت ستجد كل هذه الطمأنينة والراحة التي تجدها الآن، على الرغم من أنّ الدول المحيطة بها في غالبيتها أنظمة ديكتاتورية تذيق شعوبها الأمرّيْن، بينما تقف عاجزةً عن كيفية التعبير والاعتراض على هذا الجوار الإجباري؟ ربما نكتشف هذا متأخراً عن اكتشافات الكاتب الروسي، أنطون تشيخوف، وذلك أنّ السلام بأي ثمن لا يكون سلاماً بالمرة.