لم يكن أكثر المتفائلين من مؤسسي الكيان الصهيوني يحلمون بأن تصير العلاقات مع الدول العربية، وخصوصا مصر عدوتها التاريخية، بهذه الحميمية التي أصبحت عليه تلك العلاقة في عهد عبدالفتاح السيسي.
منذ بداية العلاقات المصرية الإسرائيلية، بعد زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى الكنيست ثم توقيع اتفاقية كامب ديفيد، تطورت هذا العلاقات بشكل متسارع جداً وخاصة خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، حتى أصبحت "علاقات أخوية" قدم خلالها مبارك الكثير للكيان الصهيوني اقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً، حتى استطاعت إسرائيل من خلال تلك العلاقة، استنزاف مخزون مصر من الغاز الطبيعي بسعر بخس، تسبب في خسارة قدرها 10 مليارات دولار خلال 5 سنوات، وحظيت بصمت تام على الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي والمقدسات والأرواح الفلسطينية، فيما تم قمع كل الأصوات المناهضة لإسرائيل في مصر وتكريم دعاة التطبيع والاحتفاء بهم، ما جعل بنيامين بن آليعازر وزير الدفاع الإسرائيلي، يصف مبارك بعبارته الشهيرة "مبارك هو كنز إسرائيل الاستراتيجي".
لكن تطبيع عصر مبارك، يختلف كثيراً عن تطبيع نظام السيسي، والذي انتقل بالتطبيع إلى مرحلة "الحميمية" وخاصة على الجانب الأمني والعسكري، الذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، لتعبر صحيفة جورزاليم بوست عن ما وصلت إليه تلك العلاقة قائلة "عبدالفتاح السيسي هدية الشعب المصري لإسرائيل".
اقرأ أيضا: فشل حكم الجنرال.. هل انتهى نظام السيسي؟
التوأمة العسكرية
استطاعت إسرائيل خلال الـ 42 عاماً الماضية، أن تتحول من العدو الأول والخطر الأكبر على مصر، إلى الحليف الأهم عسكرياً وسياسياً، فبعد أن كانت العلاقة بين الدولتين حالة حرب ومواجهة عسكرية مباشرة، أصبح التنسيق العسكري والأمني بينهما يفوق كل التوقعات كما وصفت القناة العاشرة الإسرائيلية، حتى صارت العمليات العسكرية المصرية في سيناء تتم بناءً على المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، بالرغم من أنه ومنذ فترة وجيزة كان هناك رفض إسرائيلي قاطع لدخول أية معدات حربية لسيناء ومطالبة صارمة من الجيش المصري بإخراج دبابته من سيناء، بل وأصبح الجيش الإسرائيلي نفسه يقوم بعمليات عسكرية داخل الأراضي المصرية.
"كثيراً ما تقوم طائرات بدون طيار، تابعة لإسرائيل بعمليات قصف في سيناء، ويطلق عليها الأهالي اسم الزنانة الإسرائيلية، من دون أي تعليق من الحكومة المصرية" وفق شهادة أحد الصحافيين السيناويين لـ"العربي الجديد"، وهو ما تؤكده بعض الأخبار المنشورة عن عمليات عسكرية إسرائيلية على الأراضي المصرية.
اقرأ أيضا: سر انقلاب السيسي على برهامي
التقارب السياسي والدبلوماسي
كان تصويت مصر لصالح إسرائيل بشأن انضمامها لعضوية لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي التابعة للأمم المتحدة خير معبر عما وصلت إليه العلاقات المصرية الإسرائيلية، فتلك هي المرة الأولى في التاريخ الذي تصوت مصر لصالح إسرائيل، "وهو فعل له معان رمزية واسعة تتخطى عملية التصويت ذاتها، إذ إن الدول المترشحة كانت واثقة من دخول هذه اللجنة، وهو ما كان يمكن أن تستخدمه الحكومة المصرية، كبديل سهل لا يكلف شيئا لعدم التصويت لإسرائيل، عير الغياب عن الجلسة أو الامتناع عن التصويت، ناهيك عن بديل الرفض" كما يقول محمد المنشاوي الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية في مقال له بجريدة الشروق المصرية، أورد فيه شكوى مسؤول أميركي من تجاهل الحكومتين المصرية والإسرائيلية لبلاده وإبقائها بعيدة عن تفاصيل التعاون الأمني المتزايد بين الدولتين. ويمكن تفهم الشكوى الأميركية على خلفية إيمانها، منذ هندستها لاتفاقية السلام بين الدولتين، بأن علاقات القاهرة بتل أبيب تمر حتما عبر واشنطن، إلا أنه يبدو أن الحكومة المصرية اختارت واقعاً جديد لعلاقاتها بإسرائيل يقوم على تحييد واشنطن عن بعض ملفات علاقاتها الحميمة مع تل أبيب، كما يقول المنشاوي.
اقرأ أيضا: "عقيدة الصدمة".. عصا السيسي السحرية لتمرير قوانينه وقراراته
العلاقات الاقتصادية
يتضح أثر العلاقة الحميمة بين مصر وتل أبيب على الملفات الاقتصادية جلياً، عبر النظر إلى الحكم الذي صدر لصالح إسرائيل بتغريم مصر مليارا و700 مليون دولار تعويضاً عن توقف ضخ الغاز المصري لإسرائيل بعد ثورة يناير، وهو حكم غير قابل للطعن وفق أحد مكاتب التحكيم الدولي، وهي إحدى قضايا ثلاث على الأقل مرفوعة ضد مصر، وهو ما يراه الدكتور نائل الشافعي خبير الاتصالات والمحاضر بمعهد ماساتشوستس للتقنية، "محاولة لابتزاز لمصر مقابل التنازل عن شريط بحري لليونان يتيح مرور أنبوب إسرائيلي مباشرة إلى مياه تابعة للاتحاد الأوروبي بدون المرور على مياه مصرية، وتسهيلات وتنازلات لمد أنابيب أجنبية (لا تخضع للسيادة ولا للرسوم المصرية) إلى محطتي الإسالة في إدكو ودمياط، وإسالة الغاز الإسرائيلي والقبرصي في دمياط وإدكو بدون رقابة ولا رسوم ولا ضرائب على الإسالة وعلى سفن التصدير".
يضاف إلى هذا بدء مصر، مفاوضات استيراد الغاز من إسرائيل لمدة تتراوح بين 10 و15 عاما، بمقدار 4 مليارات متر مكعب سنوياً، وبالرغم من إعلان رئيس الوزراء توقف المفاوضات بعد حكم غرامة، إلا أنه من المتوقع أن تستأنف الصفقة من جديد بعد أن تهدأ الضجة الإعلامية، إذ إن مثل هذه الأحكام لا تؤثر على العلاقة مع إسرائيل، كما قال المتحدث باسم الحكومة عقب الحكم، بالإضافة إلى أنه يأتي تزامناً مع سعي مصري لتوسيع حجم التجارة مع إسرائيل، التي وصل حجم صادراتها إلى مصر العام الماضي، عبر اتفاقية الكويز، إلى 100 مليون دولار، والتي قال عنها مسؤول في وزارة التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد الإسرائيلي أن "اتفاقية الكويز تزداد، قوة مع مرور الوقت، كما أن التجارة مع مصر أقوى من أي وقت سبق"، وهو ما يوضح أن تلك العلاقة الحميمة دائماً ما تصُب في الصالح الإسرائيلي، دون أن تحصل مصر سوى على المزيد من الكوارث.
اقرأ أيضا: بالوثائق.. هكذا روّج السيسي نظامه في "كي ستريت"
تطبيع ثقافي وإعلامي
صاحب هذا التقارب الحميمي مع إسرائيل، خطاب إعلامي من عدد من المحسوبين على النخبة المصرية والإعلاميين المصريين، معاديًا لفلسطين والقضية الفلسطينية، ومقللاً من الخطر الصهيوني، إذ شنت الكاتبة لميس جابر هجومًا على الفلسطينيين مطالبة بطردهم من مصر ومصادرة أموالهم والقبض على المتعاطفين معهم واتهامهم بالخيانة العظمى، وإلغاء القضية الفلسطينية من المناهج والإعلام والصحف، بالإضافة إلى حالة الجدل، التي أثارها الكاتب يوسف زيدان بادعاءاته نحو المسجد الأقصى واصفاً إياه بأنه لعبة سياسية، في الوقت الذي وصف فيه دولة إسرائيل بالعدو العاقل، بالإضافة إلى الزج بحركة حماس في كل مشاكل مصر الداخلية، في الوقت الذي يتحدثون فيه هؤلاء عن إسرائيل بلهجة حميمية وودودة.
اقرأ أيضا: صراع الجيش والداخلية في مصر.. المعركة على النفوذ
الأثر الشعبي
كان لهذا النهج على مدار سنوات طوال تأثير على بعض القطاعات من المصريين، وهو ما يظهر في بعض التقارير والتحقيقات التي تبين مدى هذا التأثير، عبر ترويج أقاويل إعلامية عنصرية بحق الفلسطينيين، أو هجاء المقاومة من بين بعض المتأثرين بهذا الخطاب، إلا أنه وفق آخر استطلاع للرأي فإن الغالبية من المصريين لا يزالون مؤمنين بأن إسرائيل هي العدو الأول لمصر.
-------
اقرأ أيضا:
التجنيد الإجباري في مصر.. الخدمة في صالات الأفراح