نقلت مذكرة التفاهم الموقّعة بين حكومة الوفاق وتركيا الشهر الماضي، الملف الليبي من الساحة الإقليمية إلى الدولية، ما يدفع إلى التكهن بأن توسّع مساحة التجاذب الإقليمي والدولي قد يفضي إلى حقائق جديدة على الأرض.
وزادت وتيرة سرعة التحرك في الملف الليبي، بانتقال الحديث عن الاتفاق البحري الموقّع بين الحكومتين في أنقرة وليبيا إلى الحديث عن الاتفاق الأمني، خصوصاً بعد تأهب تركيا لإرسال جنودها إلى ليبيا، والذي تمّ تأكيده بعد انطلاق مشاورات بين أنقرة وموسكو، بدأت بزيارة وفد تركي إلى موسكو، الاثنين الماضي.
ويرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، أن تصريحات قادة روسيا تبدي حماسة تجاه الملف الليبي، لكنها في ذات الوقت لا تعبّر عن موقف واضح، معتبراً أن روسيا هي الدولة التي سيكون إعلان موقفها هو الأكثر تأثيراً في تحديد ملامح المرحلة المقبلة، خصوصاً إذا نجحت تركيا في إحداث مقاربة معها، وإقناعها بوقف دعمها لحفتر.
وفي وقت أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زيارة عاجلة إلى تونس، جاءت فيما يبدو لتبديد مخاوف دول الجوار الليبي المغاربي من إمكانية انجراف ليبيا إلى ما يشبه السيناريو السوري، يقول البرق لـ"العربي الجديد"، إن "الزيارة تجاوز تأثيرها تونس، إلى دول الجوار المغاربي، فقد شجعت دول المغرب العربي، مثل الجزائر، على بناء موقف متماسك لرفض الحلّ العسكري الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر وتدعمه دول عربية"، لافتاً إلى أن الموقف المغربي الداعم لحكومة الوفاق حدا بالجارة مصر، إلى التحرك في أكثر من اتجاه، أبرزته الاتصالات الكثيفة التي أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بنظيريه الأميركي دونالد ترامب، الخميس الماضي، والروسي فلاديمير بوتين، أمس الجمعة، في محاولة لإعاقة هذا التقارب الجديد بين أنقرة وطرابلس.
وفي مقابل الإصرار التركي على إنفاذ الاتفاق مع طرابلس، تبدو أنقرة مهتمة بالموقفين الأوروبي والروسي، فقد كشف دبلوماسي ليبي رفيع المستوى أن الحكومة سعت، عبر وزير خارجيتها محمد سيالة، إلى تشجيع حلفائها الأوروبيين على دعم الاتفاق الموقّع بينها وبين تركيا.
وقال الدبلوماسي الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة تسعى إلى تقوية صلتها بموسكو، تماهياً مع السعي التركي للتأثير على الموقف الروسي في الملف الليبي"، مشيراً إلى أن الحكومة تحاول إغراء موسكو بعقود استثمار كبيرة في ليبيا، لا سيما في برامج إعادة البناء والتعمير.
وعن سعيها لدى الأوروبيين، أشار الدبلوماسي الليبي إلى أنها فشلت بالفعل في تبديد مخاوف الإيطاليين، وأن الدور اليوناني الساعي إلى عرقلة تنفيذ الاتفاقات بين الحكومة وتركيا كان أكثر تأثيراً في الأوساط الأوروبية، لافتاً إلى أن سيالة على تواصل كثيف مع الاتحاد الأوروبي، الذي يستعد لتشكيل لجنة لزيارة ليبيا على علاقة بالمشاورات الدائرة في برلين حول القمة التي تعدّ لعقدها مطلع السنة المقبلة.
وكانت نائبة وزير الخارجية الإيطالي، مارينا سيريني، أكدت، أمس الجمعة، أن "الوضع في ليبيا مقلق جداً"، وفيما شددت على أن "ليبيا هي الملف الدولي الرئيسي لإيطاليا"، حذرت من أي تصعيد عسكري جديد، وعلى وجه الخصوص حول طرابلس، بحسب وكالة "آكي" الإيطالية.
ويرغب فائز السراج وفريقه الحكومي، بحسب الدبلوماسي، في استثمار الموقف الأميركي الذي يبدي ميلاً إلى حكومة الوفاق، في التأثير على المواقف الأوروبية المنقسمة بشأن حلّ الأزمة في ليبيا، والقلقة في ذات الوقت من التقارب التركي مع حكومة الوفاق.
وعلى الرغم من أن الناطق باسم الرئيس التركي، فخر الدين التون، أكد في تغريدة على "تويتر" أمس الجمعة، أن حكومة الوفاق طلبت مساعدة عسكرية من أنقرة، إلا أن الدبلوماسي الليبي يؤكد أن الحكومة لا تزال متخوفة من تداعيات إعلانها عن طلبها دعماً تركياً عسكرياً، على الرغم من وصول أسلحة تركية إلى ليبيا، وبدء تدريبات لعناصر ليبية على تلك الأسلحة، موضحاً أن الحكومة باتت مطمئنة لمواقف دول الجوار الليبي المغاربي من وصول دعم تركي عسكري، لكنها لا تزال قلقة من المواقف الروسية والأوروبية.
لكنّ المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب، يؤكد أن تركيا نجحت في جذب أنظار العالم للملف الليبي، وإجبار الداعمين لحفتر على تغيير سياساتهم، بعد أن أعلنت استعدادهم لإرسال جنودها لطرابلس، مرجحاً أن بناء قاعدة عسكرية تركية في طرابلس أمر سيتأخر، بسبب غياب الظروف الملائمة لذلك.
لكن ذويب يرى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "إرغام تركيا للمجتمع الدولي، خصوصاً أوروبا، على الاندفاع بثقلها في الملف الليبي، وقطع مراحل في اتجاه الحلّ في ليبيا، أكسبها وحليفها في طرابلس، موقفاً قوياً ومركزاً في أي تفاوض قد ترعاه الأمم المتحدة، سواء في برلين أو غيرها"، معتبراً أنه سبب بحث حكومة الوفاق عن دعم أوروبي.