يدفع قطاع الفوسفات في تونس ثمناً باهظاً منذ تسع سنوات جراء تعطيل العمل بأشكال عدّة فيما تُفاقم أعمال التخريب التي تطاول معدات الإنتاج خسائر الدولة التي فقدت واحداً من أبرز قطاعاتها الخارجية المدرة للعملة الصعبة.
ويوم الجمعة، أتت النيران على قاطرة جديدة كانت رابضة بمغسلة المظيلة والتي تستعملها شركة فوسفات قفصة لجرّ العربات المخصصة لنقل الفوسفات التجاري في اتجاه محطّة الارتال الواقعة بدورها في محيط مغسلة الفوسفات، وذلك على مسافة كيلومترين.
قالت شركة فوسفات قفصة أول من أمس إنّ المعاينات الفنّية الأوّلية التي قامت بها مصالح السلامة التابعة لها حول احتراق إحدى قاطرات شحن الفوسفات لتجاري بمغسلة المظيلة، كشفت أن هناك قرائن قويّة تدعم شبهة الفعل الإجرامي المتعمّد لهذه القاطرة.
وأكد مدير إقليم شركة فوسفات قفصة في منطقة المظيلة (يوفر 40 بالمائة من إنتاج الفوسفات)، خالد الورغي، أن التهديدات بأعمال تخريبية أخرى تطاول معدات الفوسفات لا تزال قائمة مشيرة إلى أن الشركة كثفت الحراسة على كافة مغاسلها لضمان استمرارية الإنتاج.
وأضاف الورغي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القاطرة التي تعرضت لعملية الحرق دخلت مؤخراً حيز الاستغلال حيث تبلغ تكلفة القاطرة الواحدة قرابة 5 ملايين دينار.
وقال إن الحريق أتى على كل القاطرة وطاول معدات أخرى في محيطها، وإن هذه المعدات المهمة في نقل الفوسفات الخام لم تعد صالحة للاستعمال، وهو ما سينجر عنه نقص في عدد القاطرات المخصصة لنقل العربات المحملة بالمواد الأولية بحسب قوله.
وإزاء تفاقم خسائر الفوسفات طالب برلمانيون بعسكرة مناطق الإنتاج وتكليف الجيش بنقل المواد الخام من مغاسل الإنتاج إلى وحدات التحويل.
وأول من أمس، وجّه عضو البرلمان، ياسين العياري، مراسلة إلى وزير الدفاع الوطني طلب منه فيها نقل الفوسفات من طرف الجيش التونسي.
وأوضح العياري أن طلبه يأتي على خلفية العملية التخريبية التي طاولت قاطرة لنقل الفوسفات تم اقتناؤها في الأشهر الماضية وبهدف قطع الطريق أمام مثل هذه العمليات مستقبلاً.
ومؤخراً اشترت الدولة قاطرات جديدة عدة لسحب قوافل الخام. لكن هذه القطارات لم تكن قادرة على القيام بسلسلة من الرحلات على التوالي، ما يبطئ نقل المواد الأولية إلى مصانع التحويل.
وكانت حكومة تونس تعوّل هذا العام على استعادة قطاع الفوسفات بإنتاج ما لا يقل عن 5 ملايين طن، قبل أن تنسف جائحة كورونا وأعمال التخريب والاحتجاجات جهود إعادة وضع القطار المتعثر على السكة مجدداً.
رجّح المدير العام للمجمع الكيمائي التونسي، عبد الرزاق الوناسي، أن تتراجع كميات الفوسفات المحوّلة خلال العام الحالي إلى أكثر من 50 بالمائة نتيجة تباطؤ استخراج المواد الأولية والتحويل بسبب جائحة كورونا، مشيراً إلى أن الشركة ستضطر إلى الاقتراض لمواجهة المصاريف والخسائر التي ستترتب على تراجع نشاطها.
وقال الوناسي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن المجمع كان يتوقّع هذا العام أن ترتفع الكميات المحوّلة إلى حدود 5 ملايين طن، مؤكداً أن الإنتاج هذا العام بعد التطورات الأخيرة لن يتجاوز 2.6 مليون طنّ.
وأضاف أن المجمع الكيمائي كان ينوي تحويل 5 ملايين طن من الفوسفات هذا العام معوّلاً على مخزونات من الفوسفات مقدرة بـ3 ملايين، طن زيادة على الكميات التي ستوفرها المغاسل، غير أن تباطؤ الإنتاج بسبب فيروس كورونا قد ينزل بالإنتاج إلى النصف وفق تأكيده.
وأشار الوناسي إلى أن إنتاج وتحويل الفوسفات كان في اتجاه التعافي بعد تحقيق نتائج إيجابية في الربع الأخير من العام الماضي والشهر الأول من السنة الحالية، قبل أن تغّير كورونا المنحى التصاعدي للإنتاج والتحويل ما يهدد القطاع بالعودة إلى نقطة البداية.
وتقاوم شركة فوسفات قفصة خسائرها السنوية وثقل المصاريف المترتبة على كتلة الأجور عبر القروض البنكية من الداخل والخارج.
وكشفت وثيقة رسمية عن توقف بنوك أوروبية عن تمويل قطاع الفوسفات في تونس، وأفادت الوثيقة الصادرة عن المجمع الكيميائي التونسي، والتي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، بأن البنك الأوروبي جمّد نهاية 2019 صرف أقساط قرض بقيمة 84 مليون يورو.
وقال الخبير الاقتصادي مراد سعد الله إن قطاع الفوسفات يواجه مصيراً مجهولاً ومهدداً بالانهيار التام، مستبعداً إمكانية صموده لفترة طويلة بسبب تعمّق مشاكله وتراكم ديونه.
وأفاد سعد الله، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن تونس بصدد فقدان أعمدة القطاع الخارجي نتيجة جائحة كورونا وأسباب أخرى، مرجحاً أن يؤثر الوضع على مخزونات البلاد من العملة الصعبة التي تتأتى من السياحة والفوسفات وتحويلات التونسيين بالخارج.