21 نوفمبر 2024
التحوّل الديمقراطي والتدخل الخارجي
نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قبل أيام، مؤتمره السنوي السابع حول قضايا الديمقراطية والتحوّل الديمقراطي، في تونس، خصص لدور العامل الخارجي في التحوّل الديمقراطي في البلدان العربية بعد ثورات 2011. وهو يندرج في سياق توسيع دائرة النظر إلى الإشكالات التي تطرحها قضايا التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، سواء في دينامياتها الداخلية المرتبطة بالتدافع السياسي والاجتماعي بين الفاعلين في الداخل، أو في امتداداتها الإقليمية والدولية، من خلال رصد أدوار القوى الكبرى في عملية التحوّل المعقدة.
خصصت بعض أوراق المؤتمر للإشكالات النظرية التي تطرحها العوامل الخارجية، ومدى الشرعية التي حازتها هذه العوامل في الجيل الجديد من أدبيات التحول الديمقراطي، خصوصا في ضوء ما طرحته الحالة العربية من إشكالات في هذا الصدد.
وتم تخصيص أوراقٍ أخرى لسياسات الولايات المتحدة تجاه الثورات العربية، وكيف تم توجيه هذه السياسات وفق الأجندة الأميركية في المنطقة، مع الأخذ بالاعتبار خصوصية كل بلد وموقعه داخل الاستراتيجية التي تحكم هذه السياسات. وانكبّ فيه مشاركون آخرون على مساءلة دور القوى الدولية الأخرى (فرنسا مثلا) وتأثيرها على عملية التحول الديمقراطي في بلدان المغرب العربي، فأبرزوا كيف عملت هذه القوى على التأثير في مسار الأحداث وتوجيهها وفق حساباتٍ يتداخل فيها الاقتصاد والأمن والسياسة. كما خصصت مداخلات لرصد دور
القوى الإقليمية (إيران والسعودية وروسيا وتركيا وإسرائيل) في منعرجات الثورات العربية، خصوصا في بلدان المشرق. ولم يفت بعض الأوراق أن تتصدّى للإفلاس الاقتصادي، ودوره في تهيئة الظروف أمام تدخل القوى الدولية الكبرى، والمؤسسات المالية المانحة، لحماية تحالف الاستبداد والفساد، ورهن مقدّرات الشعوب لصالح شبكات الرأسمال الدولي العابر للقارات.
وأسهم النقاش الذي رافق جلسات المؤتمر في تسليط الضوء على جوانب كثيرة من قضايا التحول الديمقراطي في المنطقة العربية. وإذا كان صعبا، إن لم نقل مستحيلا، إقصاء العوامل الخارجية في هذه القضايا، بحكم موقع المنطقة العربية في المعادلات الجيوسياسية الدولية، فإن أهمية العوامل الداخلية أساسية في هذا الصدد، فلا يمكن القفز على الدور الحاسم الذي تلعبه إرادة الفاعلين (السلطة، والنخب الحزبية والسياسية، وقوى المجتمع المدني) في تغذية التدافع السياسي والاجتماعي الكفيل بتهيئة الشروط الصحية لإنجاز تحول ديمقراطي بدون تكاليف كبيرة، سيما في ضوء سطوة التقليد وتجذّره في البنيات المجتمعية العربية، فضلا عن دور هؤلاء الفاعلين في الحد من الضغوط والتدخلات الخارجية في مسار الدمقرطة في الوطن العربي.
صحيحٌ أن الدور السلبي الذي تلعبه القوى الدولية الكبرى يبدو حاسما في المختبر السياسي العربي، لاعتباراتٍ تاريخية معروفة، لكن ذلك يجب أن يُنظر إليه، أيضا، من خلال ضعف النخب الحزبية وانقسامها، وعجزها عن بلورة مشروعٍ متوازنٍ للتحوّل الديمقراطي، يستوعب الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بمعنى أنه، بقدر ما يُبدي الفاعلون في الداخل استعدادا حقيقيا لخوض اختبار التحول الديمقراطي المعقد، بقدر ما يأخذ الفاعلون في الخارج ذلك بالاعتبار، ويستندون إليه في تعاطيهم مع هذه الحالة أو تلك.
وفي الوسع القول إن مسارات الثورات العربية، خصوصا بعد 2013، تمثل حافزا فتح قوسا آخر في أدبيّات التحوّل الديمقراطي، من حيث إعادة النظر في أدوار الفاعلين الإقليميين
والدوليين، ورصد مواقفهم وسياساتهم إزاء قضايا التحول بكل تعقيداتها. فلا يمكن القفز على الأدوار التي لعبها هؤلاء، سواء فيما يتعلق بإعادة بناء قوى الثورة المضادّة، وتمكينها من إعادة إنتاج الأنظمة التي أسقطتها الثورات الشعبية (حالة مصر تحديدا)، أو في الإسهام في تفكيك أسس التوافق الوطني وخلط الأوراق، كما هو الشأن بالنسبة للحالتين اليمنية والليبية. هذا من دون إغفال الحالة السورية التي تحوّلت، بعد انطلاقة ثورية رفيعة، إلى حلبة مفتوحة لصراع القوى الإقليمية والدولية وشبكات التنظيمات المسلحة المختلفة، وأدت إلى قتل آلاف وتهجير ملايين من المواطنين السوريين، فضلاً عن الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الباهظة للحرب وتداعياتها على المدى البعيد.
وقد مثّل الأفق الذي فتحته هذه الثورات أمام شعوب المنطقة، من حيث حقّها في إقامة أنظمة ديمقراطية منتخبة، وإعادة توزيع السلطة والثروة، والقضاء على الفساد، بالنسبة للغرب، هاجسا حقيقيا، على اعتبار أن تحول بلدان المنطقة إلى الديمقراطية قد يفضي إلى تشكّل أنظمة سياسية جديدة، قادرة على إعادة النظر في علاقة بلدانها بمحيطها الإقليمي والدولي، الشيء الذي قد يؤثر على شبكة مصالح هذا الغرب الممتدة على طول الجغرافيا العربية. وتلعب مراكز البحث والتفكير، في أحيان كثيرة، دورا حاسما في تقديم الخبرة العلمية بشأن البنيات الثقافية والاجتماعية، والثقافة السياسية للنخب، والتقاطبات القبلية والعشائرية والطائفية، وحجم الثروات الاقتصادية. وهي خبرةٌ يعرف رجال السياسة في الغرب كيف يوظفونها جيدا، ويستخلصون عوائدها السياسية والاقتصادية، بما يضمن لهم الاستمرار في التأثير على السياسة العربية وتوجيهها، ضمانا للاستقرار الذي يخدم مصالح بلدانهم.
خصصت بعض أوراق المؤتمر للإشكالات النظرية التي تطرحها العوامل الخارجية، ومدى الشرعية التي حازتها هذه العوامل في الجيل الجديد من أدبيات التحول الديمقراطي، خصوصا في ضوء ما طرحته الحالة العربية من إشكالات في هذا الصدد.
وتم تخصيص أوراقٍ أخرى لسياسات الولايات المتحدة تجاه الثورات العربية، وكيف تم توجيه هذه السياسات وفق الأجندة الأميركية في المنطقة، مع الأخذ بالاعتبار خصوصية كل بلد وموقعه داخل الاستراتيجية التي تحكم هذه السياسات. وانكبّ فيه مشاركون آخرون على مساءلة دور القوى الدولية الأخرى (فرنسا مثلا) وتأثيرها على عملية التحول الديمقراطي في بلدان المغرب العربي، فأبرزوا كيف عملت هذه القوى على التأثير في مسار الأحداث وتوجيهها وفق حساباتٍ يتداخل فيها الاقتصاد والأمن والسياسة. كما خصصت مداخلات لرصد دور
وأسهم النقاش الذي رافق جلسات المؤتمر في تسليط الضوء على جوانب كثيرة من قضايا التحول الديمقراطي في المنطقة العربية. وإذا كان صعبا، إن لم نقل مستحيلا، إقصاء العوامل الخارجية في هذه القضايا، بحكم موقع المنطقة العربية في المعادلات الجيوسياسية الدولية، فإن أهمية العوامل الداخلية أساسية في هذا الصدد، فلا يمكن القفز على الدور الحاسم الذي تلعبه إرادة الفاعلين (السلطة، والنخب الحزبية والسياسية، وقوى المجتمع المدني) في تغذية التدافع السياسي والاجتماعي الكفيل بتهيئة الشروط الصحية لإنجاز تحول ديمقراطي بدون تكاليف كبيرة، سيما في ضوء سطوة التقليد وتجذّره في البنيات المجتمعية العربية، فضلا عن دور هؤلاء الفاعلين في الحد من الضغوط والتدخلات الخارجية في مسار الدمقرطة في الوطن العربي.
صحيحٌ أن الدور السلبي الذي تلعبه القوى الدولية الكبرى يبدو حاسما في المختبر السياسي العربي، لاعتباراتٍ تاريخية معروفة، لكن ذلك يجب أن يُنظر إليه، أيضا، من خلال ضعف النخب الحزبية وانقسامها، وعجزها عن بلورة مشروعٍ متوازنٍ للتحوّل الديمقراطي، يستوعب الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بمعنى أنه، بقدر ما يُبدي الفاعلون في الداخل استعدادا حقيقيا لخوض اختبار التحول الديمقراطي المعقد، بقدر ما يأخذ الفاعلون في الخارج ذلك بالاعتبار، ويستندون إليه في تعاطيهم مع هذه الحالة أو تلك.
وفي الوسع القول إن مسارات الثورات العربية، خصوصا بعد 2013، تمثل حافزا فتح قوسا آخر في أدبيّات التحوّل الديمقراطي، من حيث إعادة النظر في أدوار الفاعلين الإقليميين
وقد مثّل الأفق الذي فتحته هذه الثورات أمام شعوب المنطقة، من حيث حقّها في إقامة أنظمة ديمقراطية منتخبة، وإعادة توزيع السلطة والثروة، والقضاء على الفساد، بالنسبة للغرب، هاجسا حقيقيا، على اعتبار أن تحول بلدان المنطقة إلى الديمقراطية قد يفضي إلى تشكّل أنظمة سياسية جديدة، قادرة على إعادة النظر في علاقة بلدانها بمحيطها الإقليمي والدولي، الشيء الذي قد يؤثر على شبكة مصالح هذا الغرب الممتدة على طول الجغرافيا العربية. وتلعب مراكز البحث والتفكير، في أحيان كثيرة، دورا حاسما في تقديم الخبرة العلمية بشأن البنيات الثقافية والاجتماعية، والثقافة السياسية للنخب، والتقاطبات القبلية والعشائرية والطائفية، وحجم الثروات الاقتصادية. وهي خبرةٌ يعرف رجال السياسة في الغرب كيف يوظفونها جيدا، ويستخلصون عوائدها السياسية والاقتصادية، بما يضمن لهم الاستمرار في التأثير على السياسة العربية وتوجيهها، ضمانا للاستقرار الذي يخدم مصالح بلدانهم.