التحقيقات الروسية في واشنطن: مهمة مولر تدخل محطة فاصلة

04 اغسطس 2017
مولر يستعين بهيئة محلفين (ساول لويب/فرانس برس)
+ الخط -


دخل ملف التحقيقات الروسية انعطافة حادة، بعد أن تبيّن، أمس الخميس، أن المحقق الخاص، روبرت مولر، يستعين، ومنذ فترة، بهيئة محلفين في المحكمة الفيدرالية بواشنطن.

تكمن أهمية هذه النقلة التي استحوذت على اهتمام واسع، في الساحتين السياسية والإعلامية، في أن الهيئة يجري اللجوء إليها فقط في القضايا الجرمية الكبيرة، وأنها تتمتع بصلاحيات واسعة غير تلك التي تملكها هيئة المحلفين في المحاكمات العادية. 

وإذا كان إدخال هيئة محلّفين على خط هذه القضية لا يعني بالضرورة أن الاتهامات والإدانات صارت على وشك الصدور، إلا أن التحول إليها يعزز من احتمال أن تسير التحقيقات في هذا الاتجاه، ومن هنا يسود الاعتقاد في أوساط الخبراء القانونيين بأن مثل هذا التطور "ليس بالخبر الجيد للبيت الأبيض"، كما قال جوناثان تورلي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الأميركية. 

والمقلق بالنسبة لجهة الدفاع، أن قرار المحقق بالعمل مع هذه الهيئة يعني أن دائرة التحقيق توسعت، بحيث باتت تشمل الجوانب المالية والصفقات التجارية واحتمالات حصول رشوة، وما إذا كانت قد جرت محاولات لعرقلة سير العدالة من قِبل البيت الأبيض، مع النظر بكل ما يتصل بالمشتبه بهم في حملة دونالد ترامب الانتخابية. ويشمل ذلك، استدعاء الشهود والاستماع إليهم بدون حدود، واستحضار الوثائق والقيود والبيانات، ومنها الضريبية التي رفض ترامب الكشف عنها أثناء الحملة، كما جرت العادة بالنسبة لمرشحي الرئاسة، فضلاً عن المطالبة بالكشف عن أي معلومات ومراسلات وتسجيلات وأوراق، وغير ذلك من وسائل الإثبات والاستبيان. 

وتتمتع الهيئة بقدرة خاصة على استكشاف الحقائق، إذ إن الإدلاء بشهادات كاذبة أمامها، ثمنها العقوبة بالسجن والمطالبة بعزل الرئيس لو جانب الحقيقة في إفادته أمامها. 

ومن غير المستبعد قانونياً، مثول ترامب أمامها لاستنطاقه حول هذا الملف، كما حصل للرئيس الأسبق، بيل كلينتون، في فضيحة مونيكا غيت.

والخشية لدى البيت الأبيض، أن مولر كمحقق خاص يملك السيطرة التامة على مهمة الهيئة وتسطير الاستدعاءات المتعلقة بالشهود والأدلة. وليس سراً أن البيت الأبيض يخشى هذه الصلاحيات، وقد أعرب، أكثر من مرة، عن رغبته في إقالة المحقق من باب أنه "منحاز"، لكن الكونغرس حذره من الإقدام على مثل هذه الخطوة. 

وفي الأيام الأخيرة، طرح عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، جمهوريين وديمقراطيين، مشاريع قوانين تحول أو تجعل من الصعب على الرئيس التخلص من مولر. 

وقد زادت هذه الخطوة من درجة الخشية لدى ترامب وفريقه القانوني، خاصة أن المحقق مولر اختار فريقاً من المحامين والمحققين من الطراز الأول للعمل معه، من بينهم من هو مختص بقضايا الرشوة والقضايا المالية ودهاليزها، وبذلك جمع بين الخبرة وبين هذه الهيئة، إلى جانب ما بحوزة التحقيقات من مواد كشفت عنها التسريبات، والمتوقع المزيد منها، بحيث صارت بيد مولر قضية دسمة، وفق توصيف أهل القانون.

حتى اللحظة، ما زال التحفظ سيد الساحة، فالهيئة بالنهاية ليست محكمة ولا تصدر الأحكام، لكنها تملك القدرة على تحويل القضية إلى المحاكمة، فهي تنظر في صلاحية ومشروعية التهم والمستمسكات، وبناء عليه، تقرر ما إذا كانت الإحالة إلى المحاكمة واجبة أم لا. 

ولا يتطلب قرارها الإجماع كما هي الحال بالنسبة لهيئة المحلفين في المحاكمات العادية، إذ يكفي الثلثان أو ثلاثة أرباع أعضائها، الذين لا يزيد عددهم عن 23 محلّفا، وفي ذلك أرجحية لغير صالح الدفاع، علماً بأن المحقق له الاستمرار في السعي إلى المحاكمة، حتى لو صوتت أكثرية الهيئة ضد الاتهام إذا "اعتقد بأن لديه قضية متماسكة". 

لقد دخلت القضية الآن، وبإحكام، في قفص القانون. الاعتقاد العام، ولو الحذر، بأن مولر يحكم قبضته على ملف تتوفر فيه العناصر القانونية الأولية اللازمة، يبقى عليه تعزيزها بالمزيد من الثبوتيات التي لا يستقيم الاتهام من دون توفرها. وهنا يكمن التحدي أمامه.