يبدو أن أزمة اللاجئين في ألمانيا، في ظلّ تزايد أعداد الوافدين إليها، بدأت تأخذ منحىً مختلفاً عمّا كانت عليه في الفترة الأولى لتدفّق هؤلاء. وجاءت اعتداءات باريس لتحزّ السكّين في الجرح المفتوح أساساً. بعدما استقبل عدد من المدن الألمانية آلاف اللاجئين بتظاهرات الترحيب، وبادرت جمعيات ومتطوعين إلى تقديم الخدمات والمساعدات اللازمة لتوفير مقوّمات الحد الأدنى للاستقرار، فاق تزايد الأعداد التوقّعات، ما أتاح للمتطرّفين فرصة الاستفادة من الجوّ غير السليم هذا، فنزلوا إلى الساحات وأعربوا عن غضبهم. وعملت الأحزاب المعادية للأجانب، على غرار حزب "البديل من أجل ألمانيا"، والحزب القومي الديمقراطي، وحركة "بيغيدا"، على تجييش الشارع لكسب المزيد من المؤيدين والمناصرين، مستغلّة هذا الطوفان من البشر لاستعادة حضورها على الساحة، معترضة على سياسة الأذرع المفتوحة التي تتبعها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بهدف تحقيق مكاسب انتخابية.
هذا التأثير بدأ يظهر في المجتمعات الألمانية من خلال تصريحات وتظاهرات حركة "بيغيدا"، وقد استطاعت حشد آلاف المتظاهرين الذين أعربوا عن مشاعرهم حيال اللاجئين والأجانب من حقدٍ وكراهية وعنصرية، وحملوا لافتات تدعوهم إلى العودةِ من حيث أتوا. وأدّت عدائيّتهم حيال الصحافيين إلى المواجهة مع الشرطة، بعدما كانت حركتهم ترتكز أساساً على الدعوة إلى عدم أسلمة الغرب.
عداء
يرى مراقبون أن استعداء الأجانب واللاجئين بشكل خاص، يرتبط بحالة عدم الاستقرار المادية والمعنوية التي يعيشها هؤلاء المتطرّفون، وتقوقعهم داخل بيئاتهم، ما أدى إلى رفضهم تقبل الآخر الذي لا يشبههم في الثقافة واللغة واللون والدين. بالتالي، أصبحت لديهم صعوبة في التعامل والتواصل مع هذه الفئات، فعمدوا إلى الاستفادة من الزيادة المطردة في عدد اللاجئين، وصوّبوا سهامهم وعداءهم للأجانب لكسب أكبر عدد من المناصرين، مستفيدين من حالة الضياع لدى السياسيين الألمان في التعامل مع أزمة اللاجئين. تجلّى هذا الأمر بالحضور والمشاركة في تظاهراتهم في شرق البلاد، حيث الثقل الرئيسي لهذه الأحزاب، في المقابل، يرى آخرون أن هناك انعدام ثقة حيال اللاجئين أولاً، كون المسلمين يشكلون 70 في المائة من الوافدين، بالإضافة إلى وجود تحفظات من قبلهم في ما يتعلق بتصريحات عدد من المسؤولين الألمان، وقولهم إن الإسلام جزء من ألمانيا، والسماح ببناء مساجد والترخيص لجمعيات إسلامية، بالإضافة إلى نظرة المتطرفين الدونية للحجاب لدى المرأة.
جرائم
وفقاً لوزارة الداخلية الألمانية، ارتفع عدد الاعتداءات على مراكز إقامة اللاجئين إلى نحو ثلاثة أضعاف بالمقارنة مع العام الماضي، لتصل إلى 689 حالة اعتداء، وتشمل الحرق المتعمد والعنف وغيرها. وكان مكتب مكافحة الجريمة قد نشر تقريراً أشار فيه إلى أن غالبية الجرائم حصلت في شهر أغسطس/آب، وتحديداً في ولاية شمال راين ستفاليا بمعدل 121 اعتداء، تليها ولاية سكسونيا (57 اعتداء). وأوضح أن معظم المعتدين باتوا معروفين من قبل الشرطة، لافتاً إلى أن الأكثرية من أبناء الأحياء القريبة من أماكن اللجوء، وتتراوح أعمارهم ما بين 20 و25 عاماً.
وكان وزير العدل الألماني هيكو ماس قد لفت إلى أن زيادة نسبة العنف ضد الأجانب لأمر مخجل بالنسبة لألمانيا، كما شدّد بعد اعتداءات باريس على أنه "لا ينبغي التحريض على اللاجئين المسالمين في بلادنا". وشهدت الفترة الأخيرة أيضاً عداء ضد السياسيين، تجلى من خلال التصريحات الإعلامية للأحزاب اليمينية، واستخدامهم الملصقات والكتابات على الجدران في عدد من المدن الألمانية. كذلك، لم تكتف إحدى تظاهرات "بيغيدا" بترداد العبارات التي تنم عن كراهية للاجئين والأجانب، بل عمدت إلى نصب مشانق رمزية للمستشارة ونائبها سيغمار غابرييل، وكتبوا عليها عبارة "محجوزة لميركل وغابريال"، وأخرى تطالبها بالرحيل. أمر اعتبره البعض بمثابة تهديد صريح لهما، الأمر الذي دفع نائب المستشارة إلى الإعراب عن سخطه حيال اليمين المتطرف، قائلاً إنه يجب ألّا نسمح بأن يصبح القتلة من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قادرين على تحريض اليمين المتطرف ضد اللاجئين المسلمين.
إلا أن الاحتجاجات لم تقتصر عند هذا الحد، بل وصل الأمر بأحد المتطرفين إلى طعن العمدة الجديدة والمسؤولة عن ملف إيواء اللاجئين في مدينة كولن، هنريته ريكر، بسكين في رقبتها خلال جولة انتخابية لها الشهر الماضي. وبعد التحقيق، تبيّن للمدعي العام أن كره وخوف المعتدي من الأجانب كان وراء الحادثة.
عداء وكراهية
سعياً إلى زيادة العداء والكراهية حيال اللاجئين، عمد متطرفون يمينيّون ألمان إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة جديدة للتعبير عن حقدهم، من خلال فبركة الصور التي تظهرهم كمؤيدين للجماعات المتطرفة التي تحارب في سورية والعراق، على غرار الصورة التي انتشرت على موقع "فيسبوك"، وزعمت أن اللاجئ السوري أسامة عبد المحسن، الذي تعرضت له المصوّرة الصحافية لدى هروبه من عناصر الشرطة في المجر، هو من مناصري جبهة النصرة، قبل أن يتبين أنها مزورة. كذلك، عمدت إلى إظهار اللاجئين كأشخاص ميسوري الحال، من أجل التأثير بشكل سلبي على طريقة تعاطي المواطنين الألمان. وفي أحيانٍ أُخرى، لجأوا إلى مقارنة صور للاجئين يزعمون أنهم كانوا قد حملوا السلاح مع المتطرفين في دول النزاعات، وأنهم في طريقهم إلى ألمانيا لتنفيذ هجمات إرهابية، ليتبيّن لاحقاً أنها لشباب شاركوا في بداية الحرب مع الجيش السوري الحر، ولا علاقة لهم بالإسلاميين المتطرفين.
اقرأ أيضاً: مهاجرون بـ"إسلام غير مقاتل"
وكان للاشتراكيين في مدينة دريسدن حصة من تهديدات الناشطين والمتطرفين، كونهم لا يتفقون معهم بالسياسة العامة المتبعة مع اللاجئين، وقد هدّدوا المدعي العام بالقتل بالرصاص، قائلين إن يوم الحساب بات قريباً.
مضايقات وإهانات
وفي مدينة دريسدن (شرق)، يتعرّض الأجانب من المقيمين، والذين لا يشكلون سوى 2 في المائة من السكان، إلى مضايقات يومية من المتطرفين اليمينيين، الذين يتحدّرون أصلاً من الأرياف. ويخشى بعض الأجانب التحدّث بلغتهم الأم في الأماكن العامة، خشية التعرّض للإهانات، في وقت تبذل جمعيات من المجتمع المدني جهوداً من أجل المساعدة في عمليات الدعم للاجئين والأجانب المقيمين.
وتواجهُ السلطات في ولاية شمال الراين وستفاليا (غرب) صعوبة في إقناع المواطنين الألمان في بناء مراكز إيواء للاجئين، بحسب مسؤول في وزارة داخلية الولاية. وفي ولاية سكسونيا، حيث التواجد الأكبر للاجئين، يتعرّض عدد من النساء للشتم ومحاولة نزع الحجاب عن رؤوسهن، فيما يشكو آخرون من تعرّضهم للضرب ومحاولة الدهس بالسيارة.
إلى ذلك، ندّد كثيرون بتصرّفات المتطرفين، حتى أن المدعي العام في مدينة دريسدن (جنوب شرق) رفع دعوى قضائية ضد زعيم "بيغيدا" لوتس باخمان، بتهمة التحريض على الكراهية، هو الذي وصف الأجانب واللاجئين بـ "الحيوانات".
كذلك، دعا وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير المواطنين إلى الابتعاد عن حركة "بيغيدا" قائلاً إنها تنشر الكراهية في البلاد"، مضيفاً أن ما تقوم به بخالف أي نوع من الاتفاق الديمقراطي، وقد وصفوا السياسيين بالخونة واللاجئين بالمجرمين.
وبهدف العمل على تغيير هذا السلوك الممنهج ضد اللاجئين والتطرف، طالب المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا بالتغلب على حالة الاشتباه العام باللاجئين والمسلمين، واعتبارهم شركاء في مكافحة التطرف.
وكان مؤتمر الإسلام الذي انعقد في برلين في النصف الأول من هذا الشهر، قد قرّر المساهمة في زيادة المساعدة للاجئين وخصوصاً الشباب، مخافة استغلال المتطرفين لهم. وينتظر دعم المؤسسات الإسلامية مالياً من الموازنة العامة بدءاً من العام المقبل.
وعمدت بعض المعاهد إلى فتح صفوف مجانية لتعليم اللغة الألمانية، بهدف تسهيل دمج اللاجئين في أسرع وقت ممكن وتحويلهم من أفراد يشكلون عبئاً على المجتمع إلى طاقة منتجة عبر إثبات قدراتهم، وتأهيلهم للانخراط بشكل جدي لحصولهم على فرصة عمل مناسبة، وخصوصاً أن ثلث اللاجئين هم من الشباب الذين يملكون المهارات وبعض الخبرات، والتي يمكن الاستفادة منها في العديد من القطاعات كالزراعة والخدمات والطب والصناعة.
اقرأ أيضاً: مرحباً بكم في ألمانيا