مساء أمس الثلاثاء، انهمك الفرنسيون بتناقل صور الانفجار الهائل في بيروت، وكأنه وقع للتو في إحدى المدن الفرنسية، فأطفأت أنوار برج إيفل، واحتلت أخبار الانفجار وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزيون، التي اختارت قطع تغطيتها لتقرير انتظره الفرنسيون بخوف وحذر صدر عن المجلس العلمي حول جائحة فيروس كورونا والتوصيات للفترة القصيرة المقبلة.
وعلى الفور، أعلن قصر الإليزيه توجيه مساعدات عاجلة إلى البلد المنكوب، وهو تحرك دعمته وسائل الإعلام في اليوم التالي للكارثة، إذ دعت معظم الصحف في افتتاحياتها، اليوم الأربعاء، إلى مساعدة لبنان والتعامل مع الكارثة بمسؤولية كبيرة، حيث وصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية ما حصل بـ"نهاية العالم في بلد منهك بالفعل ويجثو على ركبتيه".
هذا الاهتمام الفرنسي بقيادة جهود مساعدة لبنان بعد كارثة المرفأ، يبدو استكمالاً لتحركات دبلوماسية فرنسية تجاه هذا البلد لانتشاله من أزمته، إذ تنظر باريس إلى الأوضاع المتدهورة في لبنان بعين القلق، بعدما كانت قد أوفدت وزير الخارجية جان إيف لودريان في 25 تموز/ يوليو الماضي، في محاولة لإقناع السلطات اللبنانية بضرورة إتمام الإصلاحات التي وعدت بها من أجل إنقاذ الوضع الاقتصادي، لكن شيئاً لم يتغيّر منذ ذلك الوقت، بل ازداد الوضع سوءاً بعد الانفجار.
خيبة الأمل الفرنسية كان قد عبّر عنها وزير الخارجية بعد زيارته بشكل واضح، إذ قال في تصريحات صحافية لدى عودته إلى باريس إن "أكثر ما يذهلنا هو عدم استجابة سلطات هذا البلد" للأزمة الراهنة، وفي هذا السياق جدد اليوم الأربعاء، في اتصال مع نظيره اللبناني شربل وهبة، تضامن فرنسا مع لبنان واستعدادها للمساعدة.
ولعل حادثة انفجار المرفأ ستكون مناسبة جديدة وورقة ضغط إضافية بيد باريس على اللبنانيين، وعلى المجتمع الدولي على حد سواء، لتفكيك العقد التي فشل وزير الخارجية بحلها خلال زيارته الأخيرة، لكن هذه المرة سيتولى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنفسه هذه المهمة في زيارته الطارئة إلى لبنان غداً الخميس.
ويُتوقع أن يكرر ماكرون تحذيرات وزير خارجيته، على أمل أن يدفع الانفجار السياسيين إلى إبداء بعض الخجل أمام الرئيس الفرنسي والخوف من موجة غضب شعبية جديدة، فماكرون لن يحمل "شيكات فارغة" إلى قصر بعبدا، بل مطالبات واضحة بتنفيذ الإصلاحات من أجل الإفراج عن مساعدات مؤتمر سيدر، الذي نظم في باريس عام 2018، والبالغة 9.4 مليارات يورو.
يُتوقع أن يكرر ماكرون تحذيرات وزير خارجيته، على أمل أن يدفع الانفجار السياسيين إلى إبداء بعض الخجل أمام الرئيس الفرنسي والخوف من موجة غضب شعبية جديدة
وتبدو الرسالة الفرنسية مقروءة للغاية قبل وصول ماكرون؛ باريس ما تزال مستعدة لمساعدة لبنان، بحسب ما يؤكده الإليزيه، ورئاسة الوزراء، ووزارة الخارجية، وهي تبدي التضامن إلى جانب إظهار نفاد الصبر، كأقصى ما تسعى الدبلوماسية الفرنسية إلى اتباعه تجاه لبنان، لإنقاذ صداقة تاريخية والضغط على السلطات المحلية كطريقة وحيدة لاستعادة ثقة المانحين الدوليين ورؤية ضوء للخروج من الأزمة.
هذه الرسالة ستتزامن مع تحركات لوجستية فرنسية على الأرض، إذ توجّهت خلال الساعات الماضية 3 طائرات مساعدات إلى بيروت، في حين سيبدأ فريق إنقاذ فرنسي عمله على الأرض قبل أن يلتقي ماكرون نظيره اللبناني، كدليل على مدى الجدية الفرنسية في مساعي مساعدة لبنان، كما أن رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس سيعقد اجتماعاً طارئاً مساء اليوم للوزراء المعنيين من أجل تنظيم إرسال المساعدات إلى لبنان.
ومن المقرر أن يصل فريق الإنقاذ المؤلف من عشرات المسعفين والأطباء ورجال الدفاع المدني إلى مطار رفيق الحريري الدولي في السابعة مساء بتوقيت بيروت، وهو مزود بـ15 طناً من الأدوات الصحية والكلاب وطائرات بدون طيار.
وقبل إقلاع طائرة فريق الإنقاذ الفرنسي، اجتمع مسؤول التدريب العسكري للأمن المدني العقيد ستانيسلاس روكايرول بالفريق في مطار شارل ديغول، وقال مخاطباً رجال الإنقاذ: "مهمتكم بسيطة، وهي تقديم المساعدة للبنانيين. الضحايا كثر، والضرر كارثي".
وتابع روكايرول "فرنسا كانت دائماً صديقة مخلصة للبنان وهناك ستجسّدون هذه الصداقة القوية جداً بين بلدينا. ستقدمون المساعدة إلى هؤلاء السكان الذين يعانون من الصدمة والفقدان". وأضاف "عندما تصلون إلى بيروت، ستكون المدينة تقريباً أشبه بمنطقة حرب، لذا سيكون الوضع معقداً للغاية".