ويصل مجموع الديون الخارجية إلى حوالي 18 ملياراً، والباقي هو ديون محلية على شكل سنداتٍ تصدرها الحكومة، وتستثمرها البنوك التجارية وتشتريها بعض المؤسسات المالية الأردنية.
وفي آخر تقييم صدر عن "ستاندارد أند بورز"، حصل الاردن على (B+). ووفقاً لهذا التصنيف، يتمتع الأردن بالقدرة على الاقتراض، ولكن تحديات ليست سهلة تواجهه، غير أنه قادر على تجاوزها.
وفي مؤتمر لندن الذي عُقِدَ أواخر شهر فبراير/ شباط الماضي، أعطي الأردن شهادة حسن سلوك من المنظمات والدول الأخرى.
وقد حصل الأردن نتيجة لذلك على 2500 مليون دولار على شكل قروضٍ ميسّرة ومساعدات أقل. وكان في مقدمة المساهمين كل من المملكة المتحدة، وفرنسا، واليابان، وبنك الإعمار الأوروبي. وسوف تقدم هذه المساعدة على فترة خمس سنوات، أو بمعدل خمسمائة مليون دولار كل سنة.
ومع أن الأردن سوف يواجه هذا العام أعباء متزايدة بسبب القروض المطلوب سدادها (في حدود ملياري دولار) وفوائد بمقدار 1200مليون دولار، إلا أن وزير المالية، عز الدين كناكرية، يبدو غير منزعج بقدرة وزارته على الوفاء بهذا الالتزام.
ويقول إن العامين المقبلين حتى نهاية 2021 سيشهدان قمة السداد، ولكن الأمور بعد ذلك مرشحة للتحسن. ويقدّر أن يزيد عجز الموازنة خلال عام 2019 قليلاً عن المليار دولار.
ومع أن من المبكر الحكم على حجم العجز في الموازنة حالياً، إلا أن إحصاءات الربع الأول تُظهِر زيادةً في الصادرات الأردنية، وارتفاعاً في أرباح الشركات الكبرى والمصارف، ما قد ينعكس على أداء الاقتصاد إيجابياً. وإذا تمكّن الأردن من كسر حاجز النمو، وهو 2.5% هذا العام، سيبدأ التفاؤل في التسلل إلى قلوب الناس ونظرتهم للمستقبل.
وفي المقابل، يعاني الأردن من أزمات في الاقتصاد الحقيقي، بسبب ارتفاع نسبة البطالة (حوالي 19%) وخصوصا بين الشباب (25%)، وأكثر من (30%) بين الشابات الراغبات في العمل والباحثات عنه.
ويتزامن بالطبع مع هذا الرقم ارتفاع نسبة الفقر في الأرياف والمدن والمخيمات. وهنالك بوادر على أن الأسر التي بدأت تتكيف مع زيادة الضرائب وكُلَف الكهرباء والمياه والأدوية صارت تقلل من إنفاقها على الملابس والأثاث والسيارات الجديدة، وحتى المستخدمة وشراء الشقق والعقار. ولذلك، شهدت هذه القطاعات تراجعاتٍ خاصة لدى المحلات الصغيرة والمتوسطة.
أمام هذه الحقائق، يسأل أردنيون كثيرون: ما سبب إحجام الدول العربية عن المساعدة والغوث، خصوصا وأن الأردن تجمعه بها علاقات وثيقة وحميمة؟ ويعلم الجميع أن ما يواجهه الأردن من تحديات مدفوع بأجندات سياسية تريد من الأردن أن يقبل صفقة القرن، وأن يقبل بإعادة توطين اللاجئين، ويقبل القادمين الجدد من الضفة الغربية المحتلة، وأن يتنازل عن الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدّسات في القدس.
وقد التقى الملك عبدالله الثاني يوم 20 مارس/ آذار الماضي مع جمهور من أهل مدينة الزرقاء 30 كيلو متراً شرق عمّان). وفي اليوم التالي، كان بالبزة العسكرية للقوات الخاصة، والتقى مع أركان الجيش الأردني. وفي اللقائين، أكد على رفض المطالب الثلاثة، واعتبارها خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه مهما كان الثمن، وأقر بالفم المليء أنه والأردن يتعرّضان لضغوطٍ هو يرفضها من منطلق إرثه الهاشمي المصطفوي.
وبهذا الموقف، استطاع الملك عبدالله الثاني أن يعيد اصطفاف الشعب الأردني خلفه ومعه. وفي العادة، يختلف الأردنيون ويتجادلون حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكنهم عندما تلم بهم أزمة طارئة، سرعان ما يطرحون الجدل جانباً، ويقفون وراء الملك صفاً مرصوصاً.
ولا يُقال هذا الكلام من باب الإنشاء أو المفاخرة، ولكنه ينبع من تجارب طويلة بدءاً من حادثة الشهيد معاذ الكساسبة على يد إرهابيين من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقبلها حوادث التفجير التي جرت في الأردن عام 2005، وقبلها حالات كثيرة خلال حكم الراحل الملك الحسين، وخصوصا معركة الكرامة عام 1968 وغيرها.
اقتصادياً، ليس الأمر سهلاً على الأردن، خصوصا في الظروف الحالية. ولكن للأردن موقعاً استراتيجياً مهما، ولا يريد أحد أن تعم حالة من عدم الاستقرار في الأردن، لما في ذلك من أثر واضح على أمن فلسطين وإسرائيل، وعلى أمن جنوب سورية. ولذلك، للضغوط على الأردن في المدة المنظورة حدودٌ لن يتجاوزها.
ويقول أردنيون من أصحاب النظريات التراجيدية إن "صفقة القرن" سوف تمر، وأنه ليس للأردن، في ظل الوضعين، العربي الحالي والدولي، من يقدر على منع ذلك. فلماذا لا يقبل الأردن بها، ويحسّن أوضاعه؟ هذه النظرية يرفضها الملك عبدالله الثاني بإباء في الوقت الراهن. وهو رجلٌ حصيفٌ وحريص، ويحسب كثيراً قبل أن يُقبِل على أي خطوة.
ومن الواضح أنه يعطي إشاراتٍ قوية لمن يهمهم الأمر بأن لحم الأردنيين مرّ، وأن الشعب بجناحيه متماسك، على الرغم من محاولات الدس. وإذا كانت الشعوب تمر بامتحاناتٍ عسيرة، فهذا هو الامتحان الأصعب، والأردن جاهز لمواجهته، بغض النظر عن الثمن.