التجارة في غزّة.. الدَّين ممنوع والعتب مرفوع

09 ابريل 2014
ركود في أسواق غزة
+ الخط -

كثرت الأزمات التي يمر بها قطاع غزّة، من بينها تأخُر صرف الرواتب وزيادة البطالة، الأمر الذي دفع الكثير من التجار لوقف البيع بالدَّين للمستهلكين، وهو ما تضرر منه الكثير من المواطنين بل والتاجر الذي تتوقف دورة رأسماله مع مرور الوقت.

وقد كان الشراء بالدَّين شائعاً وخاصة في الأحياء الشعبية، فعائلة الموظف أو العامل كانت تشتري من صاحب "البقالة" وهو يسجل حساباته على دفتر الدين، في حين يتم الدفع والتسديد بعد تقاضي المرتب الشهري.

أما الذين ليست لهم مرتبات دورية، مثل أصحاب المهن الحرة، فهم يدفعون حسب "التساهيل" وهذا ما يجعل أصحاب المحلات لا يحبذون مداينتهم لأنهم لا يريدون بعثرة رؤوس أموالهم لآجال طويلة وغير محددة.

أزمة الرواتب

أكد مجدي مهنا، صاحب بقالة لـ "العربي الجديد"، إنه كان بالفعل يفضل البيع بالديّن للموظفين سابقاً، لأنه كان يضمن دخلاً جيداً في نهاية كل شهر، لكن الوضع في ظل تأخر رواتب الموظفين جعله يعيد حساباته ويرفض البيع بطريقة الدّين لأنها تسبب له أعباء مالية، على حد وصفه.

وأضاف: عندما تتعامل مع خمسين شخصاً بالدّين وكل واحد يشتري بمبلغ 1000 شيكل ـ عملة الكيان الصهيوني ـ (289 دولاراً) شهرياً، فهذا يعني أن مجموع الديَّن في نهاية الشهر، سيكون 50 ألف شيكل(14451 دولاراً) على الأقل، نسبة الأرباح من هذه المبالغ قليلة، والباقي يجب أن أسدده للتجار.

وأوضح مهنا أن تأخر الرواتب يؤثر على كل نواحي الحياة، وعلى جميع فئات المجتمع.

"يمنع الدَّين إلا لمن تجاوز عمره التسعين، شرط أن يحضر معه أباه"، لافتة تهكمية وضعها محمد اليازجي على أحد جدران دكانته للمواد غذائية، ويشير اليها بإصبعه لكل زبون يطلب بضاعته بالديَّن مبرراً: "إذا كنت سأداين الناس كلها من أين لي بالمال لأسد احتياجات عائلتي وأطفالي؟"

وقال: أفضل البيع النقدي عن "الفقدي"، فالأوضاع الاقتصادية دفعتني للتعامل بهذا الأسلوب، لأن أغلب الزبائن يتوسلون إليك أن تبيعهم بالدين ويتفقون على السداد في موعد محدد، لكنك تفاجأ بأن أغلبهم يخلفون وعودهم وإن دفعوا؛ فلا يسددون ثمن نصف ما أخذوه، والحُجّة: لم نتقاض الرواتب".

بين المطرقة والسندان

المواطن مصطفى حسن، أعرب عن انزعاجه من منع الدين في أغلب محلات السوبر ماركت، قائلاً: جميعنا نعيش في ظل الأزمة، فإذا لم نساند بعضاً ونلتمس الأعذار لبعضنا البعض فمن سيفعل؟.

وأكد حسن أن من حق أي مواطن أن يعيش بكرامة وأن تتوفر له ولعائلته حاجياتهم الأساسية.

وقال مواطن آخر – خالد الريس – الموظف الحكومي: "مرت شهور على آخر راتب كامل تقاضيته، ونصف الراتب الذي نتقاضاه حالياً لا يكفي لشيء".

واستطرد الريس: ماذا يمكن أن تغطي الــ(1000) شيكل(289 دولاراً)، من فواتير المياه والكهرباء أو المواصلات وحاجيات المنزل، فما إن ينتهي الأسبوع الأول من الشهر حتى "يتبخر" المرتب ومعه أحلام الادخار أيضًا.

أما "محمود فيصل" مواطن في الثلاثينيات من عمره، لديه أسرة مكونة من ستة أفراد، ويعمل تحت بند البطالة في إحدى الوزارات الحكومية، يرى أن وقف الدين في المحال التجارية يعد مشكلة كبيرة بالنسبة له.

وقال: "نعيش في أوضاع اقتصادية مريرة، وفي حال غاب شعور مساندة أفراد المجتمع لبعضهم فإن هذا سينتج عنه مشاكل اجتماعية كبيرة".

وأوضح أنه بات يتخذ طريقاً آخر للوصول إلى منزله، هرباً من المعاتبات والمساءلة التي يكيلها عليه صاحب المحل التجاري مطالباً إياه بسداد الديَّن.

 وتابع "بالرغم من أن صاحب المحل على حق، إلا أنني أعجز عن الرد، والأولى أن تكون الحكومة هي المسؤولة عن الرد على تساؤلات صاحب المحل".

رؤوس الأموال في خطر

وللوقوف على آراء المتخصصين كان لنا لقاء مع الخبير الاقتصادي مازن العجلة الذي علق قائلاً: إن الاقتصاد في غزة يعيش حالة غير مسبوقة من الركود بسبب غياب القوة الشرائية لدى المواطن، وأشار إلى أن ذلك يعود لتركز المشكلات وتراكمها في قطاع غزة.

وأضاف: لدى أغلب الموظفين التزامات مالية على هيئة قروض أو جمعيات أو شراء بالتقسيط، مما أرهق الموظف، فبعد التسديد الشهري المستحق لا يتبقى من راتبه ما يكفي لإعالة أسرته طيلة الشهر.

وأوضح أن مشكلة الدين هي نتيجة تراكم خلال السنوات الماضية، وأشار إلى أن أزمة "حكومة حماس" المالية وتأخرها في دفع رواتب موظفيها ساهمت في تعميق المشكلة ووصولها إلى هذا المنحدر، على حد وصفه.

وأكد العجلة إجماع التجار الفلسطينيين على أن السوق الفلسطينية لم تشهد حالة من الركود كالحالة القائمة هذه الأيام، وأوضح أن عدم توفر السيولة الكافية للموظف هو أبرز العوامل التي تساهم في تعزيز المشكلة.

وأشار إلى أنه ومنذ اليوم الأول من تقاضي الراتب قد لا يتبقى أكثر من  500 شيقل(144 دولاراً)، بعد دفع المستحقات وتسديد الأقساط، الأمر الذي يدفعه للاستدانة.

وذكر العجلة أن التعامل بالدين لم يقتصر على محلات البقالة بل طالت الصيدليات، وأكد أن الكثير من الصيادلة لديهم دفاتر يسجلون فيها ديون المواطنين.

وقال: "تتلخص الفكرة في أن التاجر إن لم يتعامل بالديَّن مع زبائنه فلن يبيع، وستتراكم البضائع  في محله". وأكد أنه سيكون لامتناع بعض الباعة عن المداينة مؤشرات سلبية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، في ظل غياب أفق انتهاء الأزمة حسب إجماع خبراء الاقتصاد، وفق تصريح العجلة.

وقال العجلة: عندما يشتري المواطن بـ 300 شيكل(87 دولاراً)، ويقوم بدفع 150 شيكلاً(43 دولاراً) فقط للبائع، ويتكرر الأمر مع عشرات المشترين فإن المحصلة هي خسارة البائع وعدم قدرته على توفير المواد التموينية، الأمر الذي دفع بعض الباعة للامتناع قطعاً عن المداينة".

كسر الدورة الاقتصادية

وشدد العجلة على أن المداينة معمول بها منذ زمن، حيث كان يتم التسديد في مواعيد محددة، غالباً ما تكون في مطلع كل شهر عند الحصول على الراتب، وبذلك يكون الديَّن مستوفياً لشروطه، فيقوم أصحاب المحلات بتسديد المستحقات لتجار الجملة، والتجار يسددون للوكيل وبذلك تكون الدورة الاقتصادية كاملة، بالتزام مواعيد التسديد.

واستدرك: "أما الآن؛ فقد انكسرت الدورة الاقتصادية بغياب حلقة مهمة تتمثل في مواعيد التسديد"، وأكد على أن الأوضاع تنذر بأزمة خانقة.

وأوضح العجلة أنه يمكن الحد من الأزمة عن طريق التسديد عبر أقساط شهرية حتى إن كانت قليلة، مؤكداً على أنه لا يمكن إيجاد دخل آخر للمواطنين، في ظل عدم توفر وظائف للخريجين وأصحاب المؤهلات.

وناشد الأغنياء بضرورة إخراج الزكاة في موعدها، إلى جانب تغيير ثقافة التوزيع، "فالموظف من المستحقين للزكاة كونه يندرج تحت بند "المسكين" وهو الذي راتبه لا يكفي لإعالة أسرته".

 

المساهمون