في نهاية كلّ أسبوع، يحاولُ آلاف الشباب والشابّات من مختلف أنحاء العالم، الدخولَ إلى المكان اللغز. خطُّ الانتظار أمام الباب يصير أحياناً بطول كيلومترين، ويحتاج المرء أحياناً لانتظارٍ يدوم أكثر من ساعتين، كي يصبح أمام الباب، ليتمّ البتّ بشأنه إن كان سيدخل أم لا. لا يهمّ إن كان الطقس جميلاً أم صعباً، ماطرًا أم مثلجاً. ترى المشهد من بعيد، وتتساءل بينك وبين نفسك فعلاً، لماذا يضيّع هؤلاء الشباب وقتهم، وينتظرون كي يدخلوا إلى أكثر الأمكنة غموضاً وإثارةً للجدل في العاصمة الألمانيّة برلين (أكثر من 60 بالمئة لا يدخلون بحسب صحيفة Die Welt الألمانيَّة). الجواب عن هذا السؤال ليس بالأمر السهل. لأنّ النادي الليلي، أو “كلوب” البيرغهاين، في برلين، صار موضعًا للنقاش ليس في أوساط الشباب فحسب، بل انتقل إلى صلب الحياة السياسيّة الألمانيَّة، وصار مادّة للتساؤل، ونقطة خلاف بين المحافظين والتقدميين، بين اليسار واليمين، بين المؤمنين بالحريات الفرديّة بشكل مطلق، والمتحفّظين عليها، بين داعمي المثليّة الجنسية وكارهيها.
الـ "بيرغهاين" أو Berghain، هو نادٍ ليلي، ومؤسسة ثقافيَّة تقوم بصناعة موسيقى الـ Hard Techno، نال شهرة عالميّة واسعة، وصار رمزًا من رموز برلين. ليس رمزًا سياحياً عابرًا، بل دلالة عميقةً على نمط حياة خاص، ودليلاً على انتشارِ مجموعة من الأفكار والقيم والتصوّرات في الحياة الغربيّة الحديثة، وخصوصاً بعد الثورات الطلابيّة التي جرت في أوروبا في النصف الثاني من القرن العشرين. فما هو "البيرغهاين" بالضبط، ولم لا توجد، حتّى الآن، صور مسرّبة من داخل المكان، ولم يحاول الآلاف كل أسبوع دخوله، فيما ينجح المئات فقط؟
افتتح كلوب البيرغهاين عام 2003 في القسم الشرقي من المدينة. والبيرغهاين ليس مكاناً مجرّداً تجارياً بالمعنى التقليدي للكلمة. إذ ثمة استطالة اجتماعيّة وقاعدة شعبيّة و”بنية تحتيّة” جماهيريّة، تشكّل الأساس القيمي والأخلاقي له. يتأسس البيرغهاين من ثلاثة خطوط متداخلة بين بعضها بعضاً. أوّلاً، نظام الصوت الاستثنائي والخارق فعلاً، والذي استغرق تصميمه فقط حوالى 6 شهور قبيل افتتاحه، من قبل أهم مهندسي الصوت في العالم. نقاوة الصوت وقوّته داخل المكان المعتم المغلق الذي كان مصنع طاقة سابقاً، تجعلك لا تستطيع أن تحدد بدقة مصدر الصوت. وفي الساعات الأخيرة من الحفلة، تشعر بموجات الصوت تخترق جلدك، وكأنك تتعرّض لتدليك خفيف. ثانياً، يشكل المكان مساحة خاصّة وحرة ومطلقة للأقليات الجنسيّة. إذ إنّه داخل الكلوب، يستطيع أصحاب الهويات الجنسيّة المثلية أو المتحوّلة أن يقوموا بكل شيء. بالحرف، كل شيء، وهم يشكّلون القاعدة الاجتماعيّة الأكثر تأثيرًا للبيرغهاين، لذلك التصوير ممنوع منعاً باتاً داخل المكان، ويصادر موبايل من يحاول ويطرد فوراً. ثالثاً، الحرية الجنسية المطلقة، والدرجة العالية من الجنسانية، مقابل انعدام التحرّش الجنسي أو الذكورية العنيفة.
ولكن، لماذا يرفض أصحاب المكان غالبيّة من يحاولون الدخول؟ حتّى الآن، لا جواب دقيقاً عن هذا التساؤل. يُقال إنهم يحدقون بكلّ من يحاول، ليقرروا إن كان مناسباً للجو في الداخل. السياح غير محببين لأنهم ضعيفو الانتماء، وهم عابرون وربّما يفسدون الجو لكل أصيل يأتي كلّ أسبوع. المراهقون ممنوعون لأنّه المكان الوحيد في العالم الذي تستطيع أن تأخذ فيه المخدّرات بشكل علني. من يرتدون ثياباً باهظة، شباباً وشابات، ويظهر على هيئتهم أي دمغة طبقية، يمنعون أيضاً من الدخول لأنّه المكان الذي يجب أن يشعر فيه الجميع بالتساوي. على كلّ من يحاول، أن يراقب عين صاحب المكان الواقف أمام الباب. الرجل الصامت المشهور في برلين، ربما أكثر من أنغيلاً ميركل نفسها، سفين ماركو آردت، والذي يقرّر من سيدخل، ويتحكّم بمصير كلّ شباب المدينة. سفين مصوّر فوتوغرافي مشهور في برلين، وناشط في مجال دعم حقوق المرأة والمثليين واللاجئين ومناهض شديد للعنصرية.
في كلّ سنة، يموت ناس داخل البيرغهاين تحت جرعات زائدة من المخدّرات. وقبل سنة، افتتحت عيادة طبيّة في الكلوب!، ولمّا حاولت الحكومة الألمانيّة التدخل، وربمّا فرض قيود على المكان، خرجت مظاهرة بالآلاف تقول: “لكم كل برلين ولنا البيرغهاين”.
الـ "بيرغهاين" أو Berghain، هو نادٍ ليلي، ومؤسسة ثقافيَّة تقوم بصناعة موسيقى الـ Hard Techno، نال شهرة عالميّة واسعة، وصار رمزًا من رموز برلين. ليس رمزًا سياحياً عابرًا، بل دلالة عميقةً على نمط حياة خاص، ودليلاً على انتشارِ مجموعة من الأفكار والقيم والتصوّرات في الحياة الغربيّة الحديثة، وخصوصاً بعد الثورات الطلابيّة التي جرت في أوروبا في النصف الثاني من القرن العشرين. فما هو "البيرغهاين" بالضبط، ولم لا توجد، حتّى الآن، صور مسرّبة من داخل المكان، ولم يحاول الآلاف كل أسبوع دخوله، فيما ينجح المئات فقط؟
افتتح كلوب البيرغهاين عام 2003 في القسم الشرقي من المدينة. والبيرغهاين ليس مكاناً مجرّداً تجارياً بالمعنى التقليدي للكلمة. إذ ثمة استطالة اجتماعيّة وقاعدة شعبيّة و”بنية تحتيّة” جماهيريّة، تشكّل الأساس القيمي والأخلاقي له. يتأسس البيرغهاين من ثلاثة خطوط متداخلة بين بعضها بعضاً. أوّلاً، نظام الصوت الاستثنائي والخارق فعلاً، والذي استغرق تصميمه فقط حوالى 6 شهور قبيل افتتاحه، من قبل أهم مهندسي الصوت في العالم. نقاوة الصوت وقوّته داخل المكان المعتم المغلق الذي كان مصنع طاقة سابقاً، تجعلك لا تستطيع أن تحدد بدقة مصدر الصوت. وفي الساعات الأخيرة من الحفلة، تشعر بموجات الصوت تخترق جلدك، وكأنك تتعرّض لتدليك خفيف. ثانياً، يشكل المكان مساحة خاصّة وحرة ومطلقة للأقليات الجنسيّة. إذ إنّه داخل الكلوب، يستطيع أصحاب الهويات الجنسيّة المثلية أو المتحوّلة أن يقوموا بكل شيء. بالحرف، كل شيء، وهم يشكّلون القاعدة الاجتماعيّة الأكثر تأثيرًا للبيرغهاين، لذلك التصوير ممنوع منعاً باتاً داخل المكان، ويصادر موبايل من يحاول ويطرد فوراً. ثالثاً، الحرية الجنسية المطلقة، والدرجة العالية من الجنسانية، مقابل انعدام التحرّش الجنسي أو الذكورية العنيفة.
ولكن، لماذا يرفض أصحاب المكان غالبيّة من يحاولون الدخول؟ حتّى الآن، لا جواب دقيقاً عن هذا التساؤل. يُقال إنهم يحدقون بكلّ من يحاول، ليقرروا إن كان مناسباً للجو في الداخل. السياح غير محببين لأنهم ضعيفو الانتماء، وهم عابرون وربّما يفسدون الجو لكل أصيل يأتي كلّ أسبوع. المراهقون ممنوعون لأنّه المكان الوحيد في العالم الذي تستطيع أن تأخذ فيه المخدّرات بشكل علني. من يرتدون ثياباً باهظة، شباباً وشابات، ويظهر على هيئتهم أي دمغة طبقية، يمنعون أيضاً من الدخول لأنّه المكان الذي يجب أن يشعر فيه الجميع بالتساوي. على كلّ من يحاول، أن يراقب عين صاحب المكان الواقف أمام الباب. الرجل الصامت المشهور في برلين، ربما أكثر من أنغيلاً ميركل نفسها، سفين ماركو آردت، والذي يقرّر من سيدخل، ويتحكّم بمصير كلّ شباب المدينة. سفين مصوّر فوتوغرافي مشهور في برلين، وناشط في مجال دعم حقوق المرأة والمثليين واللاجئين ومناهض شديد للعنصرية.
في كلّ سنة، يموت ناس داخل البيرغهاين تحت جرعات زائدة من المخدّرات. وقبل سنة، افتتحت عيادة طبيّة في الكلوب!، ولمّا حاولت الحكومة الألمانيّة التدخل، وربمّا فرض قيود على المكان، خرجت مظاهرة بالآلاف تقول: “لكم كل برلين ولنا البيرغهاين”.