عندما ترك هؤلاء المهاجرون بلدانهم، ظنّوا أن الأسوأ صار وراءهم، على الرغم من أنّهم يدركون جيداً أنّ رحلتهم غير شرعية. وفي كل محطة بلغوها، رأوا أنفسهم في تحدّ جديدٍ. في البوسنة والهرسك، لا تبدو أحوالهم اليوم أفضل ممّا كانت عليه.
بعد إغلاق طريق البلقان المؤدي إلى أوروبا، يحاول المهاجرون الهرب إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر طرق تمرّ بالبوسنة والهرسك وكرواتيا. ويومياً، يجري الإبلاغ عن زيادة حركة المهاجرين على طول طريق جنوب شرق أوروبا، في حين تفيد المفوضية الأوروبية بتحركات متزايدة عبر ألبانيا ومونتنيغرو والبوسنة والهرسك.
وتشير وسائل إعلامية إلى أنّه ووفقاً لمصادر رسمية بوسنية، وصل منذ بداية العام الجاري أكثر من خمسة آلاف و500 مهاجر بطرق غير قانونية إلى البلاد التي باتت نقطة محورية للهجرة غير الشرعية، وهذا يعني أكثر من خمسة أضعاف ما كان عليه الوضع خلال العام الماضي. أمّا هؤلاء بمعظمهم فأتوا من العراق وإيران وباكستان وشمال أفريقيا وسريلانكا والهند. وهم بأكثرهم موجودون في مدينتَين تقعان شمال غربي البلاد على مقربة من الحدود مع كرواتيا حيث تغيب المساعدة والرقابة التنظيمية، الأولى في بيهاتش والثانية فيليكا كلادوشا.
ويحتل المهاجرون في المدينتَين مساكن قديمة شاغرة كانت قد شهدت على الحرب التي عرفتها البلاد، تفتقر إلى أدنى معايير السكن اللائق. لا أبواب ولا نوافذ، وتفوح منها الروائح الكريهة، والغرف أشبه بكهوف تغطي القمامة أرضها. وعلى الرغم من ذلك، يفرش الواصلون أرضها بأكياس النوم والبطانيات، في حين أنّ المساحات الخارجية مغطاة بالخيم البلاستيكية الصغيرة التي تخترقها الشمس الحارقة بسهولة، وكلّ ذلك في غياب تام للكهرباء.
ويتحدث هؤلاء المهاجرون عن معاناتهم مع موجة الحرّ التي تسيطر على أوروبا حالياً، والشحّ الحاد في المياه، وغياب المرافق الصحية النظيفة، والخوف من انتشار الأمراض المعدية، عدا عن النقص في الوجبات الغذائية المقدّمة من المنظمات الإغاثية. وما يزيد الوضع الإنساني سوءاً هو أنّ البوسنة والهرسك ترفض كل تنسيق وتحمل أيّ مسؤولية لإنقاذ المهاجرين من هذا الوضع، بحسب ما يفيد أعضاء في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وما يعزّي المهاجرين هو حصولهم على بعض تقديمات من السكان في المدينتَين، في حين أنّهم في العاصمة سراييفو يقيمون داخل خيم في الحدائق والشوارع وسط المدينة منذ أسابيع.
من جهتها، تتحدّث السلطات في البوسنة والهرسك عن وصول ما بين 80 و150 شخصاً يومياً منذ منتصف مايو/ أيار الماضي، ومنها يحاولون عبور الحدود للوصول إلى كرواتيا. وهؤلاء كانوا قد بقوا عالقين لشهور طويلة في صربيا، قبل أن يكتشفوا أخيراً طرقات جديدة خطيرة وصعبة اجتذبتهم إذ إنّها المخرج. ويتحيّنون الفرصة للوصول إلى سلوفانيا وعبر نهر كولبا، فهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ومنها يأملون الوصول إلى الشمال الأوروبي من دون أيّ قيود.
وكان وزير الأمن البوسني دراغان ميكيتش قد اتهم دول الجوار بعدم القيام بما يكفي لمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين، مشككاً بمصداقية تعاملهم بمهنية وصرامة في ظل تدفق عدد كبير منهم إلى بلاده. يُذكر أنّ المهاجرين يحاولون الانتقال من البوسنة والهرسك إلى كرواتيا عبر المنطقة الحدودية الجبلية ونهر كورانا الحدودي، حيث تصعب مراقبة الحدود.
وفي حادث مؤسف وقع أخيراً، فتحت الشرطة الكرواتية النار على حافلة صغيرة تقل 29 مهاجراً، من بينهم 15 طفلاً، في بلدة قريبة من حدود بين البوسنة والهرسك وكرواتيا، الأمر الذي أسفر عن إصابة طفلين بجروح طفيفة. ويلفت المهاجرون إلى أنّ محاولات العبور تكون عادة خلال الليل، في حين يبقى الخوف سيّد الموقف بفعل المراقبة الدقيقة لتحركاتهم من خلال طائرات مسيّرة (درون) تتزوّد بها قوات حرس الحدود الكرواتية. وعندما يُلقى القبض على أحد المهاجرين، فإنّه يتعرض للضرب والإهانة ويُجرّد من أمواله ويُنتزع منه هاتفه ويُرمى في المياه وتجري إعادته إلى البوسنة والهرسك.
في السياق، يشتكي عاملون في إطار اللجنة الدولية للصليب الأحمر في شمال البوسنة والهرسك، من عدم توفّر أيّ دعم من قبل السلطات لرعاية المهاجرين، مع الإشارة إلى أنّ الاتحاد الأوروبي أقرّ أخيراً مساعدة بقيمة 1.5 مليون يورو لصالح هؤلاء. وقد ذكر مفوض شؤون المساعدات الإنسانية والأزمات في الاتحاد الأوروبي، كريستوس ستيليانيدس، أنّ عدد المهاجرين في ارتفاع على الأراضي البوسنية، والأمر يحتاج إلى تحرّك سريع، مؤكداً أنّ الأموال سوف تستخدم لتلبية الحاجات الأساسية من مراكز إيواء وطعام ورعاية صحية.
وخلال مؤتمر لوزراء داخلية دول البلقان عقد في سراييفو أخيراً، طالب مسؤولو أمن البلقان بمزيد من التعاون لمنع حدوث أزمة إنسانية. وفي ألمانيا، تشير السلطات إلى نحو 10 آلاف شخص يطلبون اللجوء شهرياً، وكثيرون منهم أتوا من غرب البلقان، متوقعة أن ترتفع الأعداد خلال الأسابيع المقبلة على الرغم من أنّه كان عليهم أن يقدّموا طلبهم للحماية بموجب اتفاقية دبلن في إحدى دول العبور التي سلكوها، وهي دول آمنة.
ويسود القلق في دول وسط أوروبا وشمالها من جرّاء التدفق الجديد للمهاجرين خلال الأشهر الماضية، لا سيّما النمسا التي دعا مستشارها سيباستيان كورتس كلّاً من ألبانيا وكوسوفو إلى إغلاق حدودهما. ويبدو أنّ فيينا التي تتولى ابتداءً من مطلع يوليو/ تموز المقبل الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، ملتزمة بتعزيز حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وفق ما جاء في تصريحات كورتس بعد لقائه في برلين وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر. وقد أُعلن عن توجّه ألماني نمساوي لإرسال عناصر شرطة إلى ألبانيا، إحدى دول العبور الجديدة في البلقان، وذلك بهدف الحدّ من تدفق المهاجرين إلى أراضيهما. وتشير تقارير إلى أنّ ألبانيا تجتذب بعض دول الاتحاد الأوروبي لتكون مركز استقبال للمهاجرين خارج الاتحاد.
ولم تقتصر المواجهة مع المهاجرين عند هذا الحد، فجاء عرض الحكومة المجرية أخيراً لمونتنيغرو، لدفع تكاليف 25 كيلومتراً من الأسلاك الشائكة لبناء سياج حدودي. يُذكر أنّ مهاجرين كثيرين يأتون كذلك من اليونان ويسافرون عبر ألبانيا إلى كوسوفو وصربيا أو مونتنيغرو، ومنها إلى البوسنة والهرسك ثمّ عبر كرواتيا وسلوفينيا إلى النمسا وإيطاليا وألمانيا.