أكثر من ثلاثة أشهر قضاها المغرب والاتحاد الأوروبي في مفاوضات من أجل تجديد اتفاق الصيد البحري بينهما، إلا أن المفاوضات لم تفض إلى نتائج، الأمر الذي يقلق شركات الصيد الأوروبية، لا سيما الإسبانية التي تعدّ المتضرر الأكبر من توقف أعمالها.
وبدت قضية الصحراء حاضرة في المفاوضات، إذ يتمسك المغرب بعدم استثناء شواطئ الصحراء من أي تفاهم جديد، بينما كانت محكمة العدل الأوروبية قد أصدرت في فبراير/ شباط الماضي قراراً ينص على أن "اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي ساري المفعول، ما لم يشمل إقليم الصحراء ومياهه الإقليمية".
وتسمح الاتفاقية للسفن الأوروبية بدخول منطقة الصيد الأطلسية للمغرب، مقابل 30 مليون يورو سنوياً يدفعها الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى 10 ملايين يورو مساهمة من أصحاب السفن.
وتهم الاتفاقية نحو 120 سفينة صيد، 80% منها إسبانية، تمثل 11 دولة أوروبية، وهي: إسبانيا، البرتغال، إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، ليتوانيا، ولاتفيا، هولندا، أيرلندا، بولونيا، بريطانيا.
وشهدت الأسابيع الأخيرة تكثيفاً للمفاوضات، التي تنقلت بين الرباط وبروكسل، إذ عقدت نحو ست جولات آخرها الإثنين الماضي في العاصمة البلجيكية.
وعبرت الكونفدرالية الإسبانية للصيد عن أسفها لعدم التوصل إلى أي توافق من أجل تجديد الاتفاق، ودعت المسؤولين الأوروبيين إلى تسريع المفاوضات.
وأعرب خافيير كارات، الأمين العام للكونفدرالية الإسبانية للصيد، عن أسفه لعدم توصل المفاوضات إلى اتفاق قبل الرابع عشر من يوليو/ تموز، من أجل الحيلولة دون مغادرة الأسطول الأوروبي المياه المغربية.
وطالبت الكونفدرالية التي تدافع عن مصالح الفاعلين في قطاع الصيد بتقديم الدعم للصيادين، الذي سيتضررون من التوقف المؤقت لأسطول الصيد البحري.
ويعبر المغرب عن تطلعه إلى تفاق لا يتجاوز ما يصفه الخطوط الحمراء، المتمثلة في عدم استثناء الصحراء التي تشهد نزاعاً مع البوليساريو من أي تفاهم جديد، مشددا على احترام وحدة ترابه، إذ نبه إلى أنها لا يمكن أن تكون موضوع مفاوضات أو توافقات خلال التباحث حول تجديد اتفاق الصيد البحري.
وأكدت الحكومة المغربية، في تصريحات سابقة، أن المغرب لن يبرم أي اتفاق لا يُراعي فيه الثوابت الوطنية، إذ رأى مسؤولون مغاربة أن قرار محكمة العدل الأوروبية لم يشر إلى أن اتفاق الصيد غير قانوني، بل لفت إلى أنه يتوجب تحديد المجال الجغرافي للاتفاق.
وكانت البوليساريو قد طعنت أمام محكمة العدل الأوروبية، في قرار المجلس الأوروبي، الذي سمح للمفوضية الأوروبية بإعادة التفاوض حول اتفاق الصيد البحري مع المغرب، بينما يعتبر المغرب أن لجوء البوليساريو للمحكمة الأوروبية لن يكون له أي أثر قانوني، على اعتبار أنه لا يمكن الطعن في قرارات المجلس الأوروبي، التي تحمل تكليفا بإجراء مفاوضات.
وتطالب جبهة البوليساريو بأن تكون طرفاً في مفاوضات الصيد، وهو ما لم يستجب له الاتحاد الأوروبي، الذي يكتفي بالتفاوض مع المملكة من أجل تجديد الاتفاق.
وكان المغرب قد أوقف في 25 فبراير/ شباط 2016 الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي، ردا على حكم أولي لمحكمة العدل الأوربية في ديسمبر/ كانون الأول 2015 بإلغاء اتفاقية تبادل المنتجات الزراعية والصيد البحري بين الجانبين. ويعود سبب الإلغاء إلى تضمن الاتفاقية منتجات إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المملكة والبوليساريو. ثم قررت الرباط في الشهر التالي استئناف الاتصالات مع بروكسل، بعدما تلقت المملكة تطمينات بإعادة الأمور إلى نصابها.
ولم تكن قضية احترام سيادة المغرب على مياهه الوحيدة الحاضرة على طاولة المفاوضات، وفق مصادر مغربية، فقد تناولت جوانب أخرى ذات صلة بالكمية المسموح بها ونوعية شباك الصيد، بالإضافة إلى المقابل المالي، الذي يطالب المغرب بزيادته.
ولا يخفي مفاوضون أوروبيون تفاؤلهم حول التوصل إلى اتفاق جديد، خلال المفاوضات، التي ستتواصل الأسبوع المقبل في بروكسل، إلا أن هذا التفاؤل لا يستأصل قلق الصيادين الإسبان.
وسبق أن أعرب وزير الفلاحة والصيد البحري الإسباني، لويس بلاناس، أمام لجنة برلمانية إسبانية، الأسبوع الماضي، عن التوجه نحو إبرام اتفاق في الأيام القليلة المقبلة، مضيفاً بأن ذلك الاتفاق يمثل أولوية بالنسبة للأسطول الإسباني.
ويتطلع الأوروبيون، خاصة الإسبان، إلى عدم تكرار ما حدث في فترات سابقة، عندما جرى التوصل إلى اتفاق في 2011، غير أن البرلمان الأوروبي لم يصادق عليه في ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام.
ودفع ذلك الموقف المغرب إلى مطالبة الأسطول الأوروبي بمغادرة مياهه، إذ استمر التوقف بين 2012 و2014، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق انتهى سريانه يوم السبت الماضي.
ويضغط الجانب الإسباني من أجل تسريع المفاوضات، فهو يعلم أنه حتى في حال التوصل إلى اتفاق، يمكن أن يتأخر سريانه ستة أشهر أو عاماً كاملاً، إذا ما وجدت أصوات معارضة في البرلمان الأوروبي.
ويشير تقرير لمديرية الشؤون البحرية في الاتحاد الأوروبي إلى أن كل يورو يستثمره الأوربيون في الصيد مع المغرب يعود عليه بقيمة مضافة تصل إلى 2.78 يورو، ما يدفعه إلى تقديم توصية بضرورة تجديد الاتفاق.
ووفق التقرير فإن الاتفاق، الذي انتهى سريانه، ساهم في إحداث 180 فرصة عمل مباشرة بالمغرب وتحسين شروط عمل 59 ألف شخص، مشيرا إلى أن 75% من تأثيرات الاتفاق الاجتماعية والاقتصادية، تلاحظ في الأقاليم الصحراوية.
وكانت المفوضية الأوروبية قد ذكرت في بيان لها في مارس/ آذار الماضي، أن المغرب شريك قريب من الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن استمرارية اتفاقية الصيد البحري ستكون مفيدة للطرفين، إذ سيتم تقديم الدعم للمغرب في استراتيجيته الخاصة بالتنمية المستدامة لقطاع الصيد، بفضل المساهمات المالية المهمة التي سيتم رصدها بمقتضى الاتفاق.
ويقول إيمانويل ديبوي، رئيس معهد الاستشراف والأمن بأوروبا، إن الاتحاد الأوروبي يستورد من المغرب ما يعادل 1.2 مليار يورو من المنتجات السمكية، بينما لم يصدر سوى 135 مليون يورو في 2016.
ويشير ديبوي إلى أن السفن الأوروبية التي تلج المياه المغربية بموجب اتفاق الصيد، تصطاد سنوياً 80 ألف طن، وتحقّق أرباحاً تصل إلى 80 مليون يورو.
ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية "إيفي" قبل يومين عن محمد ناجي، الخبير المغربي في قطاع الصيد، قوله إن توقف العمل باتفاقية الصيد سيكون له تأثير سلبي أكبر على أسطول الصيد الإسباني، بينما لا يتكبد العاملون المغاربة على متنه خسائر كبيرة.