البهارات والتوابل العربية: استحضار طعم البيوت

11 ديسمبر 2017
بهارات عربية (Getty)
+ الخط -

"ما في إله طعمة"، نقول للطعام غير المحمّل بروائح وأطعمة البهارات والتوابل، نستخدم المصطلح عادة لتحقير أو الاستهتار بأكلة ما، أو بطبيخ شخص، أو بالأكلة "الوطنيّة" لبلد ما. بإمكاننا، عندما نمرّ بجانب مطعم وأحيانًا بيت ما، تخرج منه رائحة أكل، أن نعرف موطن أصحابه، خاصّة في مدينة كبرلين، تعيش فيها روائح الأطعمة كلّها، من الشّرق إلى الغرب، مع الاختلاف والتنوّع.

بالرغم من خصوصيّة برلين كعاصمة أوروبيّة، ومع الوجود الكبير للعرب والحاضر في ثقافات الطعام، حيث تتوفّر البهارات والتوابل التي تُستخدم في المطابخ العربيّة بشكل أو بآخر، سواء في المحلات العربيّة أو التركيّة، إلّا أن البعض لا يزال يُحضر التوابل والبهارات من بلاده بطرق مختلفة، حيث أهميّة أطعمة وروائح البيوت في أماكن بعيدة عنها.

رشا شطّة، من سورية، ومقيمة اليوم في برلين بعد إقامتها في لندن، أخبرتني أنا وأصدقاء منذ أيام بانفعال عن وصول حقيبة البهارات من لندن إلى برلين. لا تشتري رشا من برلين إلّا الملح والفلفل الأسمر، كل ما عدا ذلك، تحضره من سورية، عن هذا تقول: "تركت سورية قبل الحرب، وكنت أحمل البهارات معي آنذاك، لكن بعد الحرب، صار للبهارات قيمة أكثر، على سبيل المثال، ظل أهلي يشترون دبس الفليفلة 30 عامًا من نفس المرأة في حلب. وبعد الحرب، استمرت هذه المرأة بصنع دبس الفليفلة، هذه القصة من الأشياء التي تربطني بالمكان، وأتذكر الستّ وحلب عند كل مرة أطبخ فيها. كما أن معظم حديثي مع العائلة هو عن الأكل، وأحبّ فكرة أننا نستخدم نفس البهارات وأنواعها، البهارات والأكل يقرّبنا من بعضنا البعض ومن بلادنا".

أكثر ما تحاول رشا جاهدة أن لا ينقص من مطبخها، هو دبس الفليفلة، حيث لا يمكنها الاستغناء عنه، تقول: "كنا نتواصل مع المرأة في فترات لم يكن لديها كهرباء والقصف فوق رأسها، وكانت تخبرنا بأنها ستعود إلى تجهيز الدبس بعد خمس شهور وتُرسله لنا، وهذا أيضًا نوع من الدعم على المستوى الشخصيّ، وهو الوجه الإنساني للحرب".

 

مع سفرها، تحضر أيضًا رشا معها البهارات، من الهند على سبيل المثال، ولديها مجموعة كبيرة من البهارات، تكتب على كل علبة اسم البهار الذي تحتويه، مع تاريخ شرائه والمكان. "شراء البهارات هو أيضًا حديث مع العطّارين، كل نوع بهار له قصّته ويذكرني بشخص ما. واليوم، عندما أجهز الطعام وأدعو أصدقائي، خاصّة أولئك الذين لم يذهبوا إلى سورية، أشعر بأني أقدّم لهم شيئًا من هناك، والطعام جزء من التراث الثّقافيّ، وهذه مساهمتي في الحفاظ على الذاكرة الجماعيّة"، تقول رشا.

ليل زهرة مرتضى، لبناني مقيم في برلين، له قصّة أيضًا مع البهارات، حيث أخبرني في لقاء ما بأن ما يملكه من أغراض هو ثيابه ومجموعة البهارات التي يحضرها من لبنان. يرى ليل أن علاقته مع البهارات هي بمثابة علاقته مع الطبخ، "حسب رأيي الطبخ هو أكثر ما يذكرنا بكيفية اهتمامنا بأنفسنا، أي الرعاية الذاتيّة، منها تنطلق علاقتي مع البهارات"، يقول ليل.

في حال عدم وجود بهارات معيّنة في بيته، يصاب ليل بحالة رعب، حسب تعبيره، بالأساس "خلطة السّبع بهارات اللبنانيّة"، ويضيف: "البهارات حاملة لذكريات العائلة وخاصّة أمّي، هذا لا علاقة له بالحنين إلى الوطن، هي علاقتي مع وطني الذي خلقته في رأسي، لبنان الذي بعقلي لا علاقة له بالذي على أرض الواقع. الشيء الوحيد الذي يمنحني إحساس الرّائحة والعودة إلى الأماكن، هي البهارات، الرائحة التي تعيدك إلى الحبيب والبحر ومدينتك. والبهارات هي أطعمة، وهي أيضًا زيارات إلى طفولتك وإلى روائح قديمة".

يرى ليل وزهرة مرتضى أيضًا أن للبهارات تأثيرا جسديّا، وذلك من الناحية الطبيّة والصحيّة وتغييرات حرارة الجسد، ويضيف: "وتذكرني بالحبّ والجنس. كما أنه تاريخيًا، اندلعت حروب بسبب تأثير البهارات على أجساد الناس. كل هذه الأسباب تشكّل داخلي علاقة خاصّة مع البهارات، لدرجة أنّني لا يمكن أن أغرم بشخص لا يتحمل البهارات أو التوابل، ولا أن أدعو شخصًا على العشاء لا يحب البهارات، من المفضل أن لا يأتي أصلًا".

تحضر عبير غطّاس، المقيمة في برلين، كلّ البهارات من لبنان، بالإضافة إلى الزيتون، الزعتر، المكدوس، الشنكليش، وكل ما تصنعه وتجهزه والدتها من بهارات، "أشعر أن البهارات التي هُنا، حتى التي تحمل نفس الاسم، لا تحمل نفس الأطعمة التي تعوّدنا عليها. كما أنّ والدتي تجهز "التحويجات"، خاصّة للكبّة أو للكفتة، وأنا بدوري تعوّدت على هذه الأطعمة وأريد أن أعيش معها كل الوقت، كما أنّ البهارات والأكل هي قناة أساسيّة ومستمرة للتواصل مع والدتي كل يوم تقريبًا، الحديث معها، الاستفسار عن البهارات التي يجب استخدامها، خاصّة لأنها تجهّز البهارات بدورها، مثل؛ السبع بهارات، البهارات الخاصّة بالكبّة، الزعتر والسّماق".

في كل مرة تزور عبير لبنان، وعند عودتها إلى برلين، تحضر معها البهارات التي تحتاجها، "تخفف البهارات شعور الشوق، في الغربة أشتاق لطعام أمّي وجدتي، أشتاق للأكل، وأحاول أن أخلق ما أشتاق له هنا، في برلين، لا ينجح الأمر دومًا، لكنه ممتع".

المساهمون