البنك الدولي يرسم صورة سوداوية للأوضاع في مصر

16 فبراير 2014
+ الخط -
الوضع الاقتصادي والاجتماعي في مصر كارثي على كل المستويات.
هذا ما يمكن استخلاصه من تقرير البنك الدولي الصادر في 7 فبراير/شباط الجاري تحت عنوان "تباطؤ النمو الاقتصادي يُعزِّز الحاجة إلى إجراء إصلاحات".
وأبرز ما كان في التقرير هو المعلومات المتعلقة بحجم البطالة، إذ يؤكد البنك الدولي أن حوالي 30 ألف مصري أصبحوا عاطلين عن العمل بين يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول من العام 2013. وأن ما بين 700 ألف و800  ألف من الباحثين الجدد عن عمل يدخلون سوق العمل كل عام، وهو ما قد يزيد جزئيا من العدد الكبير بالفعل من العاطلين والبالغ 3.6 مليون شخص".

بداية، يقول تقرير البنك الدولي إنه "منذ أغسطس/آب 2013 ، أعلنت الحكومة المؤقتة المصرية عن حزمتي تحفيز اقتصادي بقيمة إجمالية 8.7  مليار دولار. وأُطلِقَت حزمة التحفيز الأولى في أغسطس/آب وكانت تعادل 1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي ( 4.3 مليار دولار).

ومن المقرر الإعلان عن الحزمة الثانية في أوائل فبراير/شباط 2014. وسيأتي تمويل هذه الإجراءات التحفيزية مما يتحقق من وفورات في الميزانية ومن المعونات التي تقدمها المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة".

ويضيف التقرير "تمثل الهدف من حزمتي التحفيز في توسيع النشاط الاقتصادي على الأمد القصير من خلال زيادة الاستثمارات العامة وأجور موظفي القطاع العام. ويهدف ذلك إلى زيادة معدل النمو إلى 3.5 في المئة في السنة  المالية الحالية التي تنتهي في يونيو/ حزيران 2014. وخفض عجز الميزانية من 13.7 إلى 9.1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

وجاءت حزمتا التحفيز ضمن خطة للتنمية (الرؤية التنموية الطويلة الأجل مصر 2022)، التي تستهدف تحقيق نمو مستدام وشامل للجميع على الأمد المتوسط من خلال الاستثمار في رأس المال البشري، ولا سيما التعليم والتدريب والرعاية الصحية والتكنولوجيا.

وفي إطار هذه الخطة، من المتوقع أن يرتفع معدل النمو إلى ما بين 5 و7 في المئة في الأمد المتوسط عن طريق زيادة استثمارات القطاع الخاص وتعزيز البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات".

إلا أن التقرير يلفت إلى "أن معدل النمو الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي في مصر ظل راكداً عند نحو 2 في المئة. ومن المتوقع أن يظل ضعيفا في عام 2014.

ويعود هذا في الأغلب إلى انخفاض الاستثمارات في السنة المالية 2012-2013 في مقارنة مع السنوات السابقة وذلك من جراء موقف الانتظار والترقب الذي اتخذه المستثمرون المحليون وكذلك الأجانب. وقد انخفض إجمالي الاستثمارات بنسبة 2 في المئة ليصل إلى 14.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في السنتين الماليتين 2010-2011 و2011-2012".

ويتابع التقرير: "لم تنتعش بعد الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مستويات ما قبل ثورة 25 يناير لكن هناك بعض العلامات على تحسنها. وتظهر البيانات الرسمية أن مصر اجتذبت ما مجموعه  9.2  مليارات دولار من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الأعوام الثلاثة الماضية ( 3 مليارات دولار في العام 2013). علما بأن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر بلغت في السابق نحو 9 مليارات دولار سنويا".

ويشير تقرير البنك الدولي إلى أنه "بسبب ضعف النمو الاقتصادي، ارتفعت معدلات البطالة لتصل إلى 13.4 في المئة في الربع الثالث لعام 2013 مسجلة زيادة قدرها 0.1 في المئة عن الربع السابق. ولا يشمل هذا الرقم سوى العمالة المسجلة، ولا يأخذ في الحسبان عدد العاطلين عن العمل في الاقتصاد غير الرسمي الذي يعتقد أنه أعلى من المعدل الرسمي.

 وشهدت الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول 2013 وحدها زيادة عدد المصريين العاطلين 30 ألفا من جراء استمرار عدم الاستقرار السياسي وتصاعد حدة العنف.

وتظهر البيانات الرسمية أن ما بين 700 ألف شخص و 800 ألفاً من الباحثين الجدد عن عمل يدخلون سوق العمل كل عام، وهو ما قد يزيد جزئيا من العدد الكبير بالفعل من العاطلين والبالغ 3.6 مليون شخص".

وتذهب تقديرات البنك الدولي إلى أنه "لكي ينخفض معدل البطالة بحلول عام 2020 ، يجب أن ينمو الاقتصاد سنويا بنسبة 6 في المئة على الأقل. وقد اتسعت بشدة الفجوة القائمة في معدلات البطالة بين النساء والرجال والتي تعود إلى ما قبل ثورة عام 2011 وبلغ معدل البطالة بين الرجال 9.8 في المئة في حين وصل المعدل بين النساء إلى25.1 في المئة في نهاية سبتمبر/أيلول 2013.

وتظهر بيانات من مسح استقصائي للقوى العاملة أجري مؤخراً في مصر أن قرابة 74 في المئة من العاطلين عن العمل تتراوح اعمارهم بين 15 و29 عاماً، وأن نسبة 42 في المئة منهم في الشريحة العمرية 20-24 عاما. كما تظهر أن أكثر من 76 في المئة من العاطلين عن العمل متعلمون، ويحمل 30 في المئة منهم درجات جامعية أو ما فوقها".

ويلفت البنك الدولي إلى أنه "لم تدع السياسة المالية التوسعية للحكومة مع الدين المحلي المتزايد خلال العامين الماضيين مجالا يذكر لتمويل القطاع الخاص.

وبسبب الدعم المتصاعد لأسعار المواد الغذائية ومنتجات الوقود (الذي بلغ إجمالا نحو 9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي و30 في المئة من الإنفاق الحكومي(، ارتفع عجز الميزانية العامة عما كان عليه من قبل ليصل إلى مستوى غير مسبوق قدره 13.7  في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عام  2013 بالمقارنة مع 11 في المئة في 2012.

وفضلا عن ذلك، فإن هذا الدعم كان مُوزَّعا بصورة غير متناسبة ويعود بالنفع على الأغنياء أكثر من الفقراء. وعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة للبنك الدولي أنه في المناطق الريفية بصعيد مصر يزيد ما يحصل عليه أغنى 20 في المئة من السكان من منافع دعم الأغذية في المتوسط نحو 48 في المئة عن الشريحة الأشد فقراً من السكان.

وعلى الرغم من أن بلدان الخليج تعهدت بتقديم 16 مليار دولار لمصر، فإن احتياجات البلاد المالية لا تزال كبيرة. ويجري جزئيا سداد احتياجات التمويل من خلال السحب من الاحتياطات الدولية  ( التي كانت بما فيها المعونات المقدمة من بلدان الخليج تكفي لتغطية واردات 4 أشهر في ديسمبر/كانون الأول 2013 ) ومن زيادة الدين العام".

ويتابع التقرير": "تظهر البيانات الرسمية أن الدين المحلي للحكومة وحدها زاد 6 في المئة في الربع الثالث للسنة  المالية 2013 بالمقارنة مع بالربع الثاني من السنة نفسها، وتذهب التقديرات إلى أنه سيصل إلى مستوى قياسي مرتفع قريبا من 85 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بنهاية السنة المالية 2012-2013.

وساعدت الأموال المُقدَّمة من بلدان الخليج على زيادة الاحتياطات الأجنبية بالبلاد، الأمر الذي أتاح مجالا لتخفيف القيود النقدية.

وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، خفض البنك المركزي أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض  لليلة واحدة وذلك للمرة الثالثة منذ يوليو/تموز 2013 بنسبة 0.5 في المئة بغرض تشجيع الاستثمار.

وقد ارتفعت قليلا قيمة العملة المحلية، وتظهر البيانات الرسمية أن قيمة الجنيه المصري زادت إلى 6.89 جنيهات مقابل الدولار الأميركي أواخر ديسمبر/كانون الأول بعد أن هوت إلى 7.03 جنيهات في أوائل أغسطس/آب.

ومع ذلك، لم يحدث تغير يذكر في السوق الموازية  (السوداء) وأسواق المعاملات الآجلة حيث لا يزال الجنيه المصري أضعف من السعر الرسمي، وما زال معدل التضخم مرتفعاً".

ويضيف تقرير البنك الدولي عن مصر: "تشير بيانات شهرية أعدها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن معدل التضخم السنوي زاد أكثر من الضعفين إلى 11.7 في المئة في ديسمبر/كانون الأول 2013، من 4.7  في المئة في الشهر نفسه من العام السابق. وتُعزَى زيادة معدل التضخم في معظمها إلى ارتفاع أسعار الأغذية وإيجارات المساكن والخدمات الغذائية.

 وتظهر تقديرات مبدئية في دراسة للبنك الدولي أنه في ظل الوضع الاقتصادي الحالي سيظل معدل التضخم مرتفعا عند نحو 10.2 في المئة عن السنة المالية 2013-2014 بسبب ارتفاع الغذاء وانخفاض الإنتاج والسياسات التوسعية للحكومة والآثار غير المباشرة لزيادة أجور موظفي القطاع العام.

ويعاني الاقتصاد المصري منذ وقت طويل من عدة اختلالات هيكلية. أولها، أن الاقتصاد مر بعقود من ضعف الاستثمار ولا سيما في مجالات الصناعة والبنية التحتية. وما زال الاستثمار منخفضا واستمرت نسبته من إجمالي الناتج المحلي في الانخفاض. وثانيا، ثمة شواهد على أن القطاع الخاص تُهيمن عليه شركات تتمتع بصلات

سياسية قوية منعت تقريبا دخول شركات جديدة إلى السوق أو نموها.

واستنادا إلى مؤشرات سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، تأتي مصر في النصف الأدنى من البلدان التي شملها الترتيب، إذ احتلت المركز 109 من أصل  183 بلدا في عام 2013.

ويتمثَّل أحد المعوقات الرئيسية أمام تنمية القطاع الخاص في الإجراءات البيروقراطية المفرطة. فعلى سبيل المثال، تأتي مصر تقريبا في ذيل القائمة على مؤشري إجراءات استخراج ترخيص البناء وانفاذ العقود التجارية".

يختم تقرير البنك الدولي تقريره المتعلق بمصر: "إن مواطن الضعف الاقتصادي في القطاعات الرئيسية أضعفت من فرص العمل المتاحة للأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل، وكذلك للداخلين الجدد إلى سوق العمل.

وانتقلت نسبة كبيرة من السكان إلى القطاع غير الرسمي من الاقتصاد الذي لا يتاح لهم فيه الحصول على أية مزايا للضمان الاجتماعي. وعلاوة على ذلك، دفعت هذه الأوضاع أعدادا كبيرة من الناس قريبة من خط الفقر ليصبحوا أكثر عرضة للتأثر بالصدمات الخارجية.

وتظهر البيانات الرسمية ارتفاع معدلات الفقر ولا سيما في المناطق الريفية. فمعدل من يعانون من الفقر ( عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر الوطني البالغ 3920  جنيها مصرياً (569 دولاراً) للفرد سنوياً زاد الى 26.3 في المئة في سنة 2012- 2013، في مقابل 25.2 في المئة في سنة 2011-2012.

وزاد معدل من يعانون من الفقر المدقع الذي يُعرَّف على أنه 3570 جنيها مصريا (518 دولاراً) للفرد، عشرة أضعاف بعد ثورة 2011 ليصل إلى 4.4% في سنة 2012- 2013".

المساهمون