البكالوريا في الجزائر: أيّام للقلق والجدل

10 يونيو 2017
(طلبة جزائريين، تصوير: فايز نور الدين/ فرانس برس)
+ الخط -
قرابة 800 ألف تلميذ سيجتازون، ابتداءً من يوم غدٍ الأحد، امتحانات شهادة الثانوية العامّة في الجزائر، في ظلّ مخاوف من تكرار سيناريو العام الماضي، والذي شهد تسريب مواضيع الامتحانات على نطاق واسعٍ، ما أدّى إلى تنظيم دورة ثانية.

كانت تلك هي المرّة الأولى التي يجري فيها تسريب امتحانات البكالوريا بشكل كبير منذ عام 1992. حينها، أدّت الفضيحة إلى استقالة وزير التربية آنذاك، علي بن محمّد، وسط حديث عن مؤامرة استهدفت الرجل المحسوب على "المحافظين".

غير أن "فضيحة بكالوريا 2016" لم تنته إلى استقالة وزيرة التربية، نورية بن غبريط، رغم الضجّة الكبيرة التي أحدثتها التسريبات التي حوّلت الامتحانات إلى مهرجان للغشّ الجماعي، ورغم الدعوات الكثيرة إلى استقالتها.


حرب تسريبات
لا يحمل "المحافظون" (الإسلاميون والعروبيون) ودًّا كبيرًا لـ بن غبريط التي يتّهمونها بمحاولة "ضرب مقوّمات وثوابت المجتمع الجزائري" في إصلاحات المناهج الدراسية التي اعتمدتها منذ وصولها إلى الوزارة عام 2014. ولا شك أن التسريبات شكّلت فرصةً ثمينة للإجهاز عليها.

لكن، وبينما احتفظت بن غبريط بمنصبها بعد تعديل حكومي جزئي أُجري في حزيران/ يونيو من العام الماضي، وجد معارضوها أنفسهم في مواجهة ضربة معاكسة، بعد ارتفاع أصوات تتّهمهم بتدبير مؤامرةٍ بهدف إطاحة الوزيرة.

أُجري التعديل الحكومي بمجرّد انتهاء الامتحانات، وهو توقيت يعني أنه (التعديل) لم يهدف إلى شيء سوى تأكيد تمسّك السلطة بالوزيرة، ومساندتها ضدّ ما يُفترَض أنها مؤامرة تستهدف "امرأة تعمل بإرادة راسخة على تجسيد برنامج إصلاحات عارضه بعض المحافظين منذ البداية"، حسب تعبير أحمد أويحيى، الأمين العام لـ "التجمّع الوطني الديمقراطي"، ثاني أكبر الأحزاب في البلاد.

اعتبَر أويحيى أن "التسريبات لها خلفيات سياسية، ولم تكن مجّانيةً"، داعيًا إلى العودة للاتهامات التي رافقت دخول بن غبريط الحكومة: "قالوا إنها ليست مسلمة، واتّهموها بالعمل على حذف منهاج التربية الإسلامية من المقرّرات الدراسية".

كان واضحًا، خلال الجدل الذي صاحب الامتحانات، أن ثمّة حربًا قائمة على التسريبات بين تيارَين أحدهما كان ضحية عام 1992، وأصبح متّهمًا في 2016. وأيًّا كان، فالتلاميذ (والمنظومة التربوية برمّتهما) هم من كانوا رهائن في تلك الحرب.


استنفار أمني
اللافت أن التسريبات، والتي جرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومسّت عددًا كبيرًا من المواضيع، حدثت على نطاق غير مسبوق، رغم التعطيل الجزئي للإنترنت والاستنفار الأمني الكبير الذي رافق إجراء الامتحانات، وهو ما اعتُبر فضيحة في حدّ ذاته؛ إذ كشف، بحسب المتابعين، عجزًا عن تنظيم امتحانات في أجواء هادئة واعتيادية.

هذه الأجواء قد تكون غائبةً هذا العام أيضًا: لن يجري قطع الإنترنت هذه المرّة، لكن الامتحانات ستُقام وسط استنفار أمني (1567 شرطياً لتأمين 166 مركز امتحان في الجزائر العاصمة وحدها).

وفي محاولة لمنع تكرار ما حدث العام الماضي، أعلنت الوزيرة اتخاذ جملة من الإجراءات بهدف "ضمان مصداقية البكالوريا"؛ من بينها: تأمين مواقع الامتحانات "وفق مخطّط صدّقت عليه وزارة الداخلية"، وتقليص عدد المراكز الذي تُحفَظ فيها مواضيع الامتحان، وتنصيب أجهزة التشويش وكاميرات المراقبة والتسجيل على مستوى مراكز طبع مواضيع البكالوريا ومراكز حفظها، ومنع دخول السيارات إلى مراكز الإجراء، وعدم قبول أي تأخّر يوم الامتحان، وعدم إدخال الهواتف ووسائل الاتصال إلى المراكز.

قد تُسهم تلك الإجراءات في الحدّ من التسريبات التي باتت تشكّل صداعًا في رأس السلطة والتلاميذ وأوليائهم. لكنها، بالمقابل، تعكس اقتصار معالجة الظاهرة على المقاربة الأمنية التي أثبتت قصورها بشكل واضح.

لعلّ حلّ الظاهرة يتطلّب عملًا على مستويات أخرى، يبدأ بالسؤال: لماذا أصبح الغش سلوكًا عاديًا؟ وأيّة قيم تنتجها المدرسة الجزائرية اليوم؟

المساهمون