البطالة في السعودية [3/4]... منافسة شرسة لنيل الوظائف العليا والقيادية

14 يونيو 2017
منافسة شرسة بين السعوديين والوافدين لنيل الوظائف العليا (Getty)
+ الخط -

منذ ثلاثة أعوام، يبحث السعودي أحمد البريك، عن وظيفة تناسب درجة الماجستير في إدارة الأعمال التي حصل عليها من جامعة الدمام (شرقي السعودية)، ولكن من دون جدوى، إذ كلما ذهب إلى شركة خاصة لا يجد تجاوبا من قبل مدير التوظيف، في الوقت الذي لا توجد فيه وظائف حكومية تناسب مؤهله.

يقول البريك لـ"العربي الجديد": "دائما ما أجد عبارة (لا توجد وظائف) على لسان مديري الموارد البشرية، العديد منهم غير سعوديين، حاولت الاتجاه إلى شركة كبيرة لها عقود مع الحكومة بالمليارات، ولكن لم أجد وظائف شاغرة، بعد أيام صُدمت أن أحد كبار موظفي الشركة يُعلن عبر صفحته الشخصية على فيسبوك عن وظائف في تخصصي ذاته، لكنه كتب في الإعلان غير الرسمي، أن الأولوية لأبناء جلدته"، يسكت البريك قليلا، قبل أن يجيب: "أيقنت عندها أن الأولوية ليست للسعوديين"، وتابع "كلما ارتفع مستوى شهادتك، تزيد صعوبة الحصول على العمل، لأن المنافسة مع الوافدين كبيرة".

الأمر ذاته عبّر عنه المحلل الاقتصادي، برجس البرجس، الذي كتب في تغريدة له على حسابه الرسمي على موقع التدوين المصغر تويتر: "خريجو الدكتوراه يعانون الغربة في وطنهم، رغم توفر أكثر من 20 ألف وظيفة أكاديمية تناسبهم ويشغلها الأجانب"، واعتمد البرجس في هذا الإحصاء على بيانات وزارة التعليم التي تقول إن أكثر من 20 ألف أكاديمي غير سعودي في الجامعات السعودية.


قمة الهرم

تكشف بيانات رسمية صادرة عن وزارة العمل في إبريل/نيسان 2016، عن عمل 1.5 مليون سعودي في القطاع الخاص من أصل 10 ملايين موظف يعمل العديد منهم في وظائف متدنية، بينما تكشف بيانات رسمية أصدرتها وزارة العدل في يناير/كانون الثاني 2016 أن متوسط رواتب السعوديين في القطاع الخاص يصل إلى 4980 ريالا (1327 دولارا أميركيا)، بينما ذكرت الوزارة حينها أنها وظفت 400 ألف سعودية في مهنة بائعات في محلات الملابس النسائية.

ويفسر الأمين العام السابق لمجلس الاقتصاد الأعلى الدكتور ماجد المنيف، سبب معاناة السعوديين أصحاب الكفاءات من صعوبة إيجاد فرصة عمل مناسبة، إذ كشف المنيف في مارس/آذار الماضي عن استحداث 5.6 ملايين فرصة عمل خلال الطفرة الاقتصادية الأخيرة، لكن لم يزد نصيب المواطنين منها على 1.6 مليون وظيفة، بمعدل وظيفة للمواطن في مقابل خمس وظائف للأجنبي، والسبب كما يقول المنيف، "هو سيطرة الوافدين على منابع التوظيف".

قبل عام حصرت وزارة العمل الوظائف المرتبطة بعملية التوظيف على السعوديين فقط، وتحديدا درجة كبير إداري الموارد البشرية في المنشآت الحكومية والخاصة، ومدير شؤون الموظفين، ومدير شؤون العمل والعمال في المنشآت، ومدير علاقات الأفراد، غير أن كثيراً من الشركات ما زلت تعتمد على الأجانب، ويكشف محمد السبيعي، الموظف في شركة خاصة في الدمام، أن الوافدين هم من يديرون الشركة، قائلا لـ"العربي الجديد": "عندما يأتي مفتشو وزارة العمل، يكون الوافدون مجرد موظفين عاديين، ولكن نحن في الشركة جميعا نعلم أن أحدهم المدير العام، والآخر مدير التوظيف".

ويضيف: "في الهرم الأعلى للشركة جميعهم وافدون، ومع أنني أحمل شهادة الماجستير في الهندسة النفطية، إلا أن مديري الأجنبي لا يحمل سوى البكالوريوس".

وظائف قيادية

دخل مجلس الشورى السعودي على خط انتقاد تشوهات سوق العمل السعودية، إذ وجه عدد من الأعضاء في جلسة مفتوحة جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي انتقادات لاذعة إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط لتقصيرها في تنفيذ الخطط التي وضعتها بشأن تطبيق استراتيجية التحول الوطني، خاصة أن البطالة في تزايد والاقتصاد في هبوط مستمر، وتساءل عضو مجلس الشورى الدكتور فهد بن جمعة عما تحقق بشأن استراتيجية برنامج التحول الوطني، قائلا: "لماذا ارتفعت البطالة بين السعوديين إلى 12.3 في المائة حسب ما أعلنته الهيئة العامة للإحصاء في السادس من إبريل/نيسان الماضي، هل هذا سوف يستمر؟"، وأضاف: "المواطن يستحق الكثير منا وتقديم ما هو أفضل كمّاً وكيفاً".

من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي في مجال التوظيف منير بوبشيت أن الحملات السعودية لتوظيف أبناء البلد بدلا من الأجانب لا تعني أن هناك حملة عنصرية ضدهم، مستغربا من قيام بعض المؤسسات والشركات شبه الحكومية بالاستعانة بالأجنبي لشغل وظائف قيادية فيها، في وقت يوجد سعوديون يحملون ذات المؤهل وربما أعلى منه، قائلا لـ"العربي الجديد": "يبدو الوضع وكأن البلد خلت من وجود قيادات وطنية بنفس مستوى الأجنبي، مع أن هناك قيادات سعودية شابة في مؤسسة النقد وسابك وأرامكو، ولكن القطاع الخاص للأسف بات مدمنا على العمالة الأجنبية، والتي أصبحت تحتل قمة الهرم الوظيفي"، ويشدد بوبشيت على أنه من غير المنطق المطالبة بسعودة الوظائف الصغيرة فيما يقصي السعودي عن الوظائف العليا".


إعلانات مخالفة

خلال الشهرين الماضية، عجت مواقع التواصل الاجتماعي، بإعلانات نشرها موظفون أجانب في السعودية على حساباتهم الشخصية يعلنون فيها عن وظائف شاغرة في شركات سعودية، ويكتبون أن الأولوية لمواطنيهم، أحد الإعلانات كانت لوافد من الجالية الهندية يصر على أن الوظيفة الهندسية التي يصل راتبها إلى 30 ألف ريال سعودي شهريا، مخصصة لحاملي الجنسية الهندية، وأن المقابلة الشخصية ستكون في نيودلهي، الإعلان المثير للجدل لم يكن الوحيد، إذ أعلن موظف عربي، يعمل في شركة بتروكيماويات عملاقة، على صفحته الخاصة على فيسبوك عن وظائف مترجمين، زاعماً أنه تم تكليفه بمهمة البحث عن موظفين، وإن لم يُعلن عن تلك الوظائف على موقع الشركة.

أيضا، أعلنت مدرسة أهلية بكل وضوح عن طلبها عشرة معلمين وثلاثين معلمة من حملة الماجستير في اللغة الإنكليزية، برواتب تصل إلى 3500 دولار، وسكن خاص، وتذاكر طيران ومواصلات، ولكن يجب أن تكون المعلمات من جنسيات عربية.

ولا يقتصر الأمر على القطاع الخاص، إذ دخلت جامعة تبوك على خط المؤسسات التي تتجاهل توظيف الأكاديميين السعوديون، بعد أن وضعت وظائفها الأكاديمية الشاغرة في 429 تخصصا للرجال والنساء على طاولة الملحقيات الثقافية، لعرضها على الأكاديميين الأجانب الراغبين في التعاقد معها، للعمل في الجامعة خلال العام المقبل، وزعمت مصادر من الجامعة أنها لم تجد سعوديين يتولون المهمة وفق ما جاء في وسائل إعلام محلية، على الرغم من أن خدمة التوظيف الإلكتروني (جدارة) أعلنت قبل شهرين أن عدد السعوديين الحاصلين على درجة الماجستير والعاطلين عن العمل بلغ 7257 سعوديا وسعودية، كما أن 118 من حملة الدكتوراه بلا عمل.

ولا يقتصر الأمر على جامعة تبوك، إذ وضعت جامعة الدمام شروطا معقدة وصعبة لقبول الأكاديميين السعوديون، من بينها أن تكون شهادة الأكاديمي صادرة من جامعة عالمية، وأن يحصل على ثلاث توصيات من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة التي كان يدرس فيها، وتبقي جامعة بيشة، المجال مفتوحا للأجانب للتقديم طوال العام، مع أنها تقصر فترة التقديم للسعوديين على أسبوع واحد في كل عام بحسب ما رصده معد التحقيق.

وقبل عامين استفز إعلان وزارة العمل والتنمية الاجتماعية منح الجامعات السعودية 10 آلاف تأشيرة، لاستقدام أكاديميين من الخارج، الآلاف من أصحاب الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه)، في ظل وجود آلاف السعوديين المؤهلين العاطلين في التخصصات نفسها، وأخذت معاناة حملة الشهادات العليا منحى تصاعدياً العام الماضي، بعدما أحرق مهنا العنزي وهو طبيب أسنان شهادته أمام مقر وزارة الخدمة المدنية، احتجاجاً على عدم توظيفه، ويتهم حملة الشهادات العليا، الجامعات بالسعي للتعاقد مع الأجانب بوفرة، في وقت تضع شروطا تعجيزية أمام السعوديين.


رواتب زهيدة

لا يقتصر الأمر على إعلانات التوظيف الموجهة للأجانب، إذ انتشرت إعلانات وظائف موجهة للسعوديين على موقع بوابة "طاقات" الذي دشنته وزارة العمل لنشر إعلانات التوظيف، ولكن بشروط معقدة، ورواتب زهيدة لا تتناسب مع المؤهل المطلوب، مثل إعلان شركة تطلب مهندسا كهربائيا بشرط أن يكون قد حصل على شهادة الماجستير في الهندسة وبراتب لا يتجاوز 3 آلاف ريال سعودي (ما يوازي 800 دولار)، ويؤكد المحلل الاقتصادي محمد القميزي أن الهدف من مثل هذه الإعلانات هو "تطفيش" السعوديين للحصول على تأشيرات للأجانب، بحجة أنه لم يتقدم سعوديون من أجل نيل الوظيفة.

وتابع في تصريحات إلى "العربي الجديد": "توجد عشرات الإعلانات عن طلب موظفين سعوديين بتخصصات هندسية ومالية برواتب زهيدة، تبدأ من 1500 ريال وحتى 3 آلاف ريال، مع اشتراط خبرة عملية وإجادة التعامل مع الحاسب الآلي بالبرامج المتخصصة، وكذلك إجادة اللغة الإنكليزية، في تصوري هذه الشروط التعجيزية لأن الشركة بكل بساطة لا تريد أن توظف أحداً في الحقيقة، بقدر ما تريد أن تحصل على تأشيرات عمل فقط، وتستخدم نِسب التوطين جسر عبور للوصول لهدف الاستقدام"، ويضيف: "هي تريد أن تثبت لوزارة العمل أنها أعلنت عن الوظيفة ولم يتقدم لها أحد من السعوديين، وأنها ترغب بتوفير ما تحتاج إليه من عمالة من الخارج، ولا بد أن تتدخل وزارة العمل بقوة لمنع مثل هذه الممارسات التي هي أشبه بالتحايل".


محاربة إعلانات الوظائف الموجهة

تؤكد وزارة العمل السعودية، عملها بكل جدية من أجل محاربة إعلانات الوظائف الموجهة للأجانب، مشددة على أن تلك الممارسات غير قانونية، ويجرمها النظام، ويؤكد المتحدث الرسمي لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية خالد أبالخيل على أن ما تقوم به المنشآت والوافدين من الإعلان عن وظائف لجنسيات محددة يعتبر مخالفة للأنظمة السارية في المملكة، وهو حال توظيف الأجانب في وظائف خاصة بالسعوديين، قائلا لـ"العربي الجديد": "الأمر مخالف لنظام العمل، ويتم تغريم المنشأة التي توظف عاملا أجنبيا في المهن المحصورة في السعوديين بغرامة مالية تبلغ 20 ألف ريال (5333 دولارا أميركيا) وتزيد بتعدد العمال".

ويشدد أبالخيل على أن الإعلانات التعجيزية يتم رصدها، وحذفها من بوابة طاقات ولا يتم احتساب فترة نشر هذه الإعلانات ضمن فترة الـ 45 يوما اللازمة لاعتبار أن الشركة بحثت ولم تجد سعوديين يصلحون للوظائف التي تطلبها ومن ثم يصبح من حقها استقدام أجانب، ويضيف: "ترفض بوابة (طاقات) إعلانات المنشآت المتحايلة للاستقدام، وللحد منها سيتم تطوير مؤشر (جدية صاحب العمل) والذي يحدد مدى جدية أصحاب العمل في توظيف السعوديين، عبر تطبيق معايير الأجر السائد في الوظيفة المعلن عنها، بما يمنع منشآت القطاع الخاص من الإعلان عن فرص وظيفية بمميزات وأجور متدنية لا تتوافق مع معايير الأجر السائد لنفس الفرصة الوظيفية المشغولة في سوق العمل السعودي".

وشدد أبالخيل على أن موقع "طاقات" سيتعمد على ربط المؤشر بعدد السير الذاتية التي يستعرضها صاحب العمل، وعدد السعوديين الذين تتم دعوتهم للمقابلة الشخصية، وكذلك التقييم الذي يرفعه صاحب العمل للمقابلات الشخصية، لافتاً إلى أنه سيتم حساب المؤشر بشكل آلي، وسيستخدم باعتباره أحد الشروط لاتخاذ قرار قبول أو رفض طلب المنشأة للاستقدام.

ولكن في الوقت الذي تستطيع فيه الوزارة ضبط الإعلانات المخالفة، تظل عاجزة أمام الوظائف القيادية والعليا التي يتم التحايل فيها، ويؤكد القانوني المختص في المنازعات العمالية محمد الرشيد، أن مفتشي وزارة العمل لا يستطيعون منع الشركات من توظيف أجانب في الوظائف المخصصة للسعوديين، ما دامت تلك الشركات تتحايل على القانون، ولا تكتب في الأوراق الرسمية نوعية الوظيفة، قائلا لـ"العربي الجديد": "ما دامت الشركة لا تكتب في الأوراق أن الأجنبي هو مدير عام أو مدير شؤون الموظفين فلا يمكن محاسبتها"، ويضيف: "الأمر يعود في نهاية المطاف إلى ضمير صاحب العمل، الذي عليه أن يفكر أكثر في الأمانة الملقاة على عاتقه، ولا يركز على الربح فقط".

دلالات