يلجأ شبان عراقيون، ممن ضاقت بهم الحال، إلى الاحتيال على القانون لتأمين لقمة العيش. من بين هؤلاء الشاب العشريني محمد عيسى، الذي دفعته البطالة إلى العمل كشاهد في المحاكم في مقابل أجر. يقول إنه شاب مظلوم، وقد ظلمته الحكومة لأنها لم توفر عملاً له ولمجموعة كبيرة من أقرانه، هو الذي يعاني آلاماً في المفاصل تمنعه من مزاولة عمل شاق. يقول عيسى، والذي يحمل شهادة الثانوية العامة، لـ"العربي الجديد" إنّه سعى جاهداً للحصول على وظيفة في مؤسسات الدولة، لكنه لم يحظ بفرصته، مشيراً إلى أن العمل في المصالح الخاصة كالمطاعم والمحال التجارية والمصانع لا يتناسب وطبيعة مرضه.
ويوضح أن أحد أصدقائه طلبه كشاهد في قضية تتعلق بمحل تجاري، ومنها اكتشف أن في إمكانه العمل كشاهد في المحكمة، مؤكداً أنه يدلي بشهادته "في قضايا روتينية ليس فيها ضرر بحق آخرين". ويبين أن "قضايا عدة في المحاكم تتعلق بحقوق مواطنين مع الدولة". وعلى الرغم من أنه لا يعلم مسبقاً عن القضية التي سيدلي بشهادته فيها، يقول: "أحاول جاهداً ألا يكون لشهادتي أثر سلبي على الأشخاص، لكن لا يهم إن وقع الضرر على الدولة، فهي سبب كل المشاكل التي نعاني منها".
النظرة السلبية حيال الدولة ليست محصورة بمحمد عيسى، بل هي نظرة عامة في البلاد، خصوصاً بعدما شهدته البلاد منذ عام 2003، ما أدى إلى فساد إداري ومالي غير مسبوق. وتؤكد التقارير حول الفساد الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية، أن العراق من بين أكثر الدول فساداً في العالم. وتتّهم الأحزاب السياسية بالمسؤولية، ما يؤكده سياسيون وأعضاء في الحكومة ومجلس النواب، ويستدلون بوقائع وصفقات وأدلة يقولون إنّها قاطعة.
اقــرأ أيضاً
عيسى يقول إنّ عمله في إدلاء شهادات ليس يومياً. "الرزق على الله. أحياناً، تمرّ أيّام عدة من دون أن أدلي بأي شهادة"، مبيّناً أنه على علاقة بمحامين وموظفين وكتاب عرائض يعملون في المحاكم، ويتصلون به في حال وجود قضية ما تتطلب شاهداً. ويشير إلى أنه يحصل في مقابل الشهادة الواحدة على ما بين 25 و100 ألف دينار (ما بين 20 و80 دولاراً) بحسب نوع الشهادة.
لكن ليس جميع الشهود مثل عيسى. يقول إنّ "بعض الشهود يتقاضون أجوراً عالية للإدلاء بشهادات تؤذي آخرين"، مشيراً إلى أن من يحتاج لأي شاهد بإمكانه السؤال قرب المحاكم أو في المقاهي أو المطاعم.
البطالة التي أجبرت شباناً على العمل كـ "شهود زور"، أجبرت آخرين على الاعتماد على قوتهم البدنية لكسب المال. ففي مقابل خمسة ملايين دينار عراقي (نحو 4 آلاف دولار)، استطاع هادي عبيس استرجاع وثائق مهمة كانت في حوزة شريكه السابق في تجارة السيارات. يقول لـ "العربي الجديد" إن شريكه السابق، وبعد خلاف بينهما أدى إلى فض شراكتهما، احتفظ بنسخ أصلية من وثائق تؤكد عدم إيفائه الديون لشريكه، علماً أن عبيس يقول إنه دفع كلّ ما يتوجب عليه، ما اضطره إلى استئجار شباب "عصابجية" (عصابات) نالوا منه. ويوضح عبيس: "أعلم أن شريكي السابق يخبئ الوثائق في خزانة داخل مكتبه الخاص. لذلك، استأجرت شباناً عصابجية بمبلغ خمسة ملايين دينار، قيدوه وحصلوا على الوثائق التي تخصني".
ويطلق العراقيون "عصابجية" ومفردها "عصابجي" على الذين يتمتعون بقوة جسدية يستغلونها لأعمال الشر أو التخويف. أحد هؤلاء يدعى باسم أبو نمر، يقول لـ "العربي الجديد" إن عليه توفير معيشة عائلته وعائلة شقيقه الذي قتل في أحداث العنف الطائفية التي شهدتها البلاد بين عامي 2005 و2008، ولم يجد أمامه سوى الانخراط ضمن مجموعة تعمل في تنفيذ تهديدات وشجارات واعتداءات في مقابل مبلغ من المال.
ويقول أبو نمر إنه لا يوافق على أي عمل فيه قتل أو أذية بالغة لآخرين، لكن يمكن أن يضرب أشخاصاً لـ "التأديب". وعن السعر، يقول: "بحسب المهمة. أحياناً، يستأجرنا شخص ما فقط لتهديد شخص آخر. ومثل هذه المهمة أجرها بسيط جداً، لكن أحياناً يفوق أجري المليون دينار (نحو 800 دولار)". يضيف: "أعلم أن عملي هذا غير قانوني، وقد أصبحت منبوذاً من قبل كثيرين، لكن ليس أمامي فرصة عمل مناسبة. صرت في العقد الثالث من العمر ولم أجد العمل الذي يناسب أحلامي لبناء مستقبل جيد". يؤكد أبو نمر أنه غير راض عن عمله ويرغب في تركه. "سأتوقف عن هذا العمل بعد جمع المبلغ المناسب لأبدأ مشروعي الخاص وهو معرض كبير للأثاث المنزلي، ربما بعد خمس سنوات من الآن أو أقل. هذا يعتمد على المهمات التي توكل إلي".
اقــرأ أيضاً
أبو نمر وأمثاله موجودون غالباً في المناطق الفقيرة. وعادة ما ينخرط في أعمال مشابهة الذين يملكون سجلاً من السوابق في مراكز الشرطة، أو المحميين من المليشيات.
إلى ذلك، يقول أحمد الزبيدي، وهو ضابط برتبة نقيب في وزارة الداخلية، لـ "العربي الجديد"، إن "بعض هؤلاء العصابجية، وعلى الرغم من وجود أدلة تفيد باعتدائهم على شخص بالضرب أو التهديد، لا يبقون طويلاً في الحجز ليفرج عنهم ويتنازل المعتدى عليه". والسبب هو أنّ "هؤلاء محميون من قبل المليشيات، ومعلوم أن المليشيات صاحبة نفوذ ولا تمتثل للقانون. ويعلم الضابط الذي يحقق في مثل هذه القضايا أنه سيكون مستهدفا من قبل المليشيات إن لم يتعاون معها ويفرج عن الشخص الذي تحميه، سواء أكان عصابجيا أو لصا أو مجرما".
ويوضح أن أحد أصدقائه طلبه كشاهد في قضية تتعلق بمحل تجاري، ومنها اكتشف أن في إمكانه العمل كشاهد في المحكمة، مؤكداً أنه يدلي بشهادته "في قضايا روتينية ليس فيها ضرر بحق آخرين". ويبين أن "قضايا عدة في المحاكم تتعلق بحقوق مواطنين مع الدولة". وعلى الرغم من أنه لا يعلم مسبقاً عن القضية التي سيدلي بشهادته فيها، يقول: "أحاول جاهداً ألا يكون لشهادتي أثر سلبي على الأشخاص، لكن لا يهم إن وقع الضرر على الدولة، فهي سبب كل المشاكل التي نعاني منها".
النظرة السلبية حيال الدولة ليست محصورة بمحمد عيسى، بل هي نظرة عامة في البلاد، خصوصاً بعدما شهدته البلاد منذ عام 2003، ما أدى إلى فساد إداري ومالي غير مسبوق. وتؤكد التقارير حول الفساد الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية، أن العراق من بين أكثر الدول فساداً في العالم. وتتّهم الأحزاب السياسية بالمسؤولية، ما يؤكده سياسيون وأعضاء في الحكومة ومجلس النواب، ويستدلون بوقائع وصفقات وأدلة يقولون إنّها قاطعة.
عيسى يقول إنّ عمله في إدلاء شهادات ليس يومياً. "الرزق على الله. أحياناً، تمرّ أيّام عدة من دون أن أدلي بأي شهادة"، مبيّناً أنه على علاقة بمحامين وموظفين وكتاب عرائض يعملون في المحاكم، ويتصلون به في حال وجود قضية ما تتطلب شاهداً. ويشير إلى أنه يحصل في مقابل الشهادة الواحدة على ما بين 25 و100 ألف دينار (ما بين 20 و80 دولاراً) بحسب نوع الشهادة.
لكن ليس جميع الشهود مثل عيسى. يقول إنّ "بعض الشهود يتقاضون أجوراً عالية للإدلاء بشهادات تؤذي آخرين"، مشيراً إلى أن من يحتاج لأي شاهد بإمكانه السؤال قرب المحاكم أو في المقاهي أو المطاعم.
البطالة التي أجبرت شباناً على العمل كـ "شهود زور"، أجبرت آخرين على الاعتماد على قوتهم البدنية لكسب المال. ففي مقابل خمسة ملايين دينار عراقي (نحو 4 آلاف دولار)، استطاع هادي عبيس استرجاع وثائق مهمة كانت في حوزة شريكه السابق في تجارة السيارات. يقول لـ "العربي الجديد" إن شريكه السابق، وبعد خلاف بينهما أدى إلى فض شراكتهما، احتفظ بنسخ أصلية من وثائق تؤكد عدم إيفائه الديون لشريكه، علماً أن عبيس يقول إنه دفع كلّ ما يتوجب عليه، ما اضطره إلى استئجار شباب "عصابجية" (عصابات) نالوا منه. ويوضح عبيس: "أعلم أن شريكي السابق يخبئ الوثائق في خزانة داخل مكتبه الخاص. لذلك، استأجرت شباناً عصابجية بمبلغ خمسة ملايين دينار، قيدوه وحصلوا على الوثائق التي تخصني".
ويطلق العراقيون "عصابجية" ومفردها "عصابجي" على الذين يتمتعون بقوة جسدية يستغلونها لأعمال الشر أو التخويف. أحد هؤلاء يدعى باسم أبو نمر، يقول لـ "العربي الجديد" إن عليه توفير معيشة عائلته وعائلة شقيقه الذي قتل في أحداث العنف الطائفية التي شهدتها البلاد بين عامي 2005 و2008، ولم يجد أمامه سوى الانخراط ضمن مجموعة تعمل في تنفيذ تهديدات وشجارات واعتداءات في مقابل مبلغ من المال.
ويقول أبو نمر إنه لا يوافق على أي عمل فيه قتل أو أذية بالغة لآخرين، لكن يمكن أن يضرب أشخاصاً لـ "التأديب". وعن السعر، يقول: "بحسب المهمة. أحياناً، يستأجرنا شخص ما فقط لتهديد شخص آخر. ومثل هذه المهمة أجرها بسيط جداً، لكن أحياناً يفوق أجري المليون دينار (نحو 800 دولار)". يضيف: "أعلم أن عملي هذا غير قانوني، وقد أصبحت منبوذاً من قبل كثيرين، لكن ليس أمامي فرصة عمل مناسبة. صرت في العقد الثالث من العمر ولم أجد العمل الذي يناسب أحلامي لبناء مستقبل جيد". يؤكد أبو نمر أنه غير راض عن عمله ويرغب في تركه. "سأتوقف عن هذا العمل بعد جمع المبلغ المناسب لأبدأ مشروعي الخاص وهو معرض كبير للأثاث المنزلي، ربما بعد خمس سنوات من الآن أو أقل. هذا يعتمد على المهمات التي توكل إلي".
أبو نمر وأمثاله موجودون غالباً في المناطق الفقيرة. وعادة ما ينخرط في أعمال مشابهة الذين يملكون سجلاً من السوابق في مراكز الشرطة، أو المحميين من المليشيات.
إلى ذلك، يقول أحمد الزبيدي، وهو ضابط برتبة نقيب في وزارة الداخلية، لـ "العربي الجديد"، إن "بعض هؤلاء العصابجية، وعلى الرغم من وجود أدلة تفيد باعتدائهم على شخص بالضرب أو التهديد، لا يبقون طويلاً في الحجز ليفرج عنهم ويتنازل المعتدى عليه". والسبب هو أنّ "هؤلاء محميون من قبل المليشيات، ومعلوم أن المليشيات صاحبة نفوذ ولا تمتثل للقانون. ويعلم الضابط الذي يحقق في مثل هذه القضايا أنه سيكون مستهدفا من قبل المليشيات إن لم يتعاون معها ويفرج عن الشخص الذي تحميه، سواء أكان عصابجيا أو لصا أو مجرما".