وكأول مناسبةٍ يمنية تجمع القيادات اليمنية العليا التابعة للحكومة، وأعضاء البرلمان وقادة القوى السياسية، احتضنت مدينة سيئون، وهي ثانية أهم مدن محافظة حضرموت شرقي البلاد، الحدث السياسي على مستوى الحضور واللقاءات السياسية، وحتى على لوحات الشوارع التي انتشرت فيها الرايات الوطنية، وصولاً إلى خطوات سياسية مرتقبة، كشفت عنها مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، إذ من المتوقع أن يتم إعلان تحالف جديد بين قوى وأحزاب سياسية في الأيام المقبلة.
وانطلقت أولى جلسات البرلمان السبت، في القاعة الكبرى بمدينة سيئون، بحضور 141 عضواً بحسب الرواية الرسمية، حيث جرى اختيار الشيخ سلطان البركاني رئيساً للبرلمان، بعدما كان رئيساً لكتلة حزب المؤتمر الشعبي العام منذ آخر انتخابات نيابية عام 2003، وهو من الشخصيات التي كانت إلى ما قبل سنوات، محسوبة بشدة على الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، إلا أنه ومنذ تصاعد الحرب في اليمن، اختار الوقوف بالمنتصف في العاصمة المصرية القاهرة، واعتزل النشاط السياسي نسبياً، لكنه برز إلى الواجهة في الفترة التي تلت مقتل صالح على أيدي الحوثيين، وتحوّل إلى أحد أهم القيادات المحورية للحزب خارج البلاد.
وأكدت مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، أن البركاني الذي انسحب من العاصمة السعودية الرياض، مطلع إبريل/ نيسان الحالي، على إثر ترشيح الرئيس عبد ربه منصور هادي لشخصية أخرى لرئاسة مجلس النواب، عاد باتفاق مسبق مع هادي ونائبه علي محسن الأحمر وقادة القوى السياسية المُمثلة في البرلمان، يتضمن انتخابه رئيساً للمجلس، وهو ما تمّ بالفعل، ليحلّ بدلاً من يحيى الراعي، رئيس المجلس الذي لا يزال يمارس مهامه من صنعاء، إلا أن مسؤولي الشرعية يعتبرونه تحت ما يشبه "الإقامة الجبرية".
وإلى جانب الراعي، جرى اختيار ثلاثة أسماء في عضوية هيئة الرئاسة نواباً لرئيس المجلس، الأول هو عبد العزيز جباري، وهو أحد النواب المستقلين ويشغل منذ سنوات منصب الأمين العام لحزب "العدالة والبناء" الذي أُسس خلال عام 2012 من مستقلين ومنشقين عن حزب المؤتمر، كما شغل العديد من المناصب، أبرزها نائب رئيس الحكومة - وزير للخدمة المدنية في حكومة رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر، ونائب لرئيس الوفد الحكومي المفاوض في أكثر من جولة. وينحدر جباري من محافظة ذمار، التي ينحدر منها رئيس المجلس السابق يحيى الراعي.
وشملت هيئة الرئاسة، اختيار محمد الشدادي نائباً، وهو عضو في مجلس النواب عن إحدى دوائر محافظة أبين، ويشغل منصب نائب رئيس البرلمان منذ عام 2008، وكان أحد أبرز الشخصيات المرشحة لمنصب الرئيس، إلا أنه واجه معارضة من العديد من النواب، وقد جرى اختيار النائب الثالث من حزب "الإصلاح"، وهو القيادي في الحزب في محافظة حضرموت محسن باصرة، وسط أنباء عن أن الحزب كان قد رشّح شخصية أخرى من كتلته النيابية، إلا أنه وكما يبدو، روعي في الاختيار البعدان السياسي والمناطقي.
من جهة أخرى، منح الحضور الرسمي لقيادات الرئاسة والحكومة والجيش، أهمية إضافية للحدث، إذ لم يسبق أن وجد هذا العدد من المسؤولين في البلاد منذ اجتياح الحوثي للعاصمة صنعاء، وما تبع ذلك من حرب تصاعدت مع التدخل العسكري للتحالف في العام الذي تلاه، وانعكس كل ذلك، في مجمل الإجراءات الأمنية والاهتمام المحلي والإقليمي، في حين ازدحمت فنادق مدينة سيئون والشقق السكنية بالوافدين إلى المدينة، بما في ذلك مرافقو أعضاء مجلس النواب وسياسيون من مختلف التيارات.
وفي كلمته التي ألقاها في المناسبة، اعتبر هادي أن "أهم دلالة من دلالات انعقاد مجلس النواب، هي توحد كافة اليمنيين بكل أحزابهم واتجاهاتهم وأطيافهم على قاعدة الشرعية والثوابت الوطنية"، على حدّ وصفه.
وقال الرئيس اليمني: "اليوم يستعيد اليمنيون إحدى أهم مؤسسات دولتهم، بعد رحلة نضال طويلة"، مضيفاً أن الدورة الاستثنائية التي تُعقد لمجلس النواب، تأتي "في لحظة تاريخية بالغة الأهمية، حيث نقف على مفترق طرق بين خيارات السلام والحرب".
كما تحدث الرئيس اليمني عن أبرز المهام، المؤمل أن يضطلع فيها البرلمان من "إنجاز العديد من المهام التشريعية والرقابية، التي تدعم جهود السلطة التنفيذية في استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب، وبسط نفوذ الدولة على كل شبر من أرض اليمن وتحقيق السلام، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني واستكمال المسار السياسي".
وقد أظهر الحوثيون سخطاً تجاه خطوة انعقاد البرلمان، عبر اقتحام منازل برلمانيين في صنعاء والتصريح باعتبار الحضور في سيئون "خيانة عظمى"، وصولاً إلى إرسال طائرتين مسيّرتين إلى مدينة سيئون، أسقطتهما الدفاعات الجوية التي انتشرت منذ أيام في المدينة.
وكانت لافتةً المعارضة التي صدح بها أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي، التابعون للإمارات بمعارضة انعقاد البرلمان. وأعلن المتحدث باسم المجلس سالم ثابت العولقي، أن ثلاثة من قادة "الانتقالي" من النواب قاطعوا الحضور، وهم عضو هيئة الرئاسة الشيخ صالح بن فريد، ورئيس دائرة الشؤون السياسية ناصر الخبجي، ورئيس الإدارة العامة للشؤون الخارجية عيدروس النقيب، وقد ذهبت بعد التفسيرات إلى اعتبار الموقف مرآة لموقف الإمارات العربية المتحدة التي تدعم "الانتقالي".
الجدير بالذكر أن البرلمان اليمني هو الأطول عمراً بين برلمانات العالم، إذ جرى اختيار أعضائه وعددهم 301 عضو عام 2003، وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات عام 2009، إلا أنها رُحّلت باتفاق سياسي.
ويستمد المجلس بقاءه كمؤسسة شرعية من الدستور، الذي يخوله الاستمرار بالمهام إذا ما كانت البلاد تمرّ بـ"ظروف قاهرة" تمنع إجراء الانتخابات.
وفي فبراير/ شباط 2015، أقر الحوثيون حلّ البرلمان، إلا أن حزب المؤتمر برئاسة صالح أبرم مع الجماعة اتفاقاً عام 2016، سمحت على ضوئه الأخيرة بعودة البرلمان للانعقاد في صنعاء. وبعد مقتل صالح، تمكن العديد من أعضاء مجلس النواب من الإفلات من مناطق سيطرة الحوثيين، لينضموا إلى الشرعية، وهو ما وفر للأخيرة مجالاً للترتيب لانعقاد المجلس بعد استيفاء النصاب القانوني المقرر للأعضاء، حيث تُوفي ما يقرب من 27 عضواً في السنوات الماضية، ليصبح العدد الفعلي للأعضاء 274. وبدأ الحوثيون في الأشهر الأخيرة تحضيرات لانتخابات برلمانية تكميلية في المقاعد الشاغرة، في محاولة لإبقاء البرلمان ورقة في أيدي الجماعة.