مر شهران على قرار مجلس النواب المصري تشكيل لجنة خاصة لتقصي حقائق تصريحات رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، بشأن وصول كلفة الفساد في أجهزة الدولة إلى 600 مليار جنيه (نحو 77 مليار دولار) بين الأعوام 2012 و2015، واتهام تقرير رئاسي له في المقابل بـ"التضليل والتضخيم، وفقدان المصداقية، وإثارة الرأي العام".
البرلمان الغائب طيلة ثلاثة أعوام، عاد ليرفض تشكيل لجنة دائمة لمكافحة الفساد والنزاهة والشفافية، واستهل أعماله في 10 يناير/كانون الثاني الماضي بهجوم واسع على جنينة، قادته أذرع النظام تحت القبة البرلمانية، ومن بينهم الإعلامي مصطفى بكري، الذي جمع تواقيع 90 نائباً، غالبيتهم من المنتمين لائتلاف الأجهزة الأمنية المسمى "دعم مصر"، للمطالبة بعزل رئيس الجهاز المركزي من منصبه، وإحالته إلى النيابة للتحقيق.
ورفض النواب طلب رئيس البرلمان علي عبد العال، المتكرر بتأجيل تشكيل "لجنة جنينة"، بدعوى ورود خطاب من النائب العام بحظر النشر في تقرير وقائع الفساد، وصوّت المجلس التشريعي مرتين على تشكيل اللجنة وعدم تأجيلها، مرة في جلسة 27 يناير/كانون الثاني، والثانية في جلسة 7 فبراير/شباط، الماضيين، إلا أن هيئة مكتب المجلس برئاسة عبد العال، ضربت بقرار النواب عرض الحائط، وتجاهلت تشكيل اللجنة طوال الفترة الماضية.
اقرأ أيضاً: رئيس البرلمان المصري يتحايل على قرار تشكيل لجنة "جنينة"
يقول مصدر برلماني مطلع لـ"العربي الجديد"، إن تعليمات رئاسية صدرت لرئيس البرلمان بعدم إعلان تشكيل اللجنة استناداً إلى سببين، أولهما تبريد حالة الغضب عند النواب المعارضين، المطالبين باستجلاء الحقائق، في ظل التضارب بين تصريحات جنينة والتقرير الرئاسي، والثاني التخوّف من كشف جنينة لأرقام المخالفات الضخمة، المتعلقة بالأجهزة السيادية أمام اللجنة.
ويوضح المصدر أن التعليمات صدرت بالأساس إلى قيادات "دعم مصر" عبر الأجهزة الأمنية، وهي نقلتها بدورها إلى رئيس المجلس، إذ يحاول القيادي بالائتلاف اللواء السابق سامح سيف اليزل، ووزير الإعلام الأسبق في فترة حكم المجلس العسكري أسامة هيكل، حفظ قرار أعضاء المجلس بتشكيل اللجنة، من خلال تقديم طلب بإعادة المداولة (التصويت)، بعد أن أظهر "تقرير جنينة" مدى ضعف المعلومات الواردة في التقرير الرئاسي.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد شكّل لجنة ضمّت ممثلين تنفيذيين عن وزارت العدل، والتخطيط، والمالية، والداخلية، للرد على اتهامات جنينة لتلك الوزارات بالتورّط في مخالفات ضخمة، وانتهت إلى أن تصريحات رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات "ضخّمت حجم وقيمة ما سمي بالفساد، وأغفلت إحالة بعض الوقائع إلى جهات التحقيق، وأساءت توظيف الأرقام والسياسات، بما يظهر الإيجابيات بشكل سلبي". وادعت اللجنة (الخصم، والحكم) تلقيها العديد من المراسلات والشكاوى من داخل الجهاز المركزي للمحاسبات، حول سياسات ومقترحات تتعلق بغياب العدالة وعدم الشفافية.
وتقدّم عدد من نواب تكتل "25-30" بطلب إلى عبد العال، بهدف الحصول على نسخة من تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، والرقابة الإدارية والرئاسة، المرسلة إلى البرلمان، إلا أنه تجاهل طلبهم، ولم يتسن للنواب الحصول عليها حتى الآن، على الرغم من إعلانه أنها بحوزة المجلس، وستُسلم لأعضاء اللجنة الخاصة بعد تشكيلها.
ويقول عضو التكتل أحمد الشرقاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس المجلس كان يتحجج دوماً بمناقشات مواد اللائحة الداخلية عند مواجهته، وبعد الانتهاء منها رفع الجلسات لمدة 19 يوماً"، مضيفاً: "نحن في انتظار تشكيل هيئات مكاتب اللجان الفرعية عقب إقرار اللائحة بشكل نهائي، حتى نُعيد طلب الاطلاع على التقارير المختصة، لأنه حق أصيل للنواب".
وكان رئيس حزب "الإصلاح والتنمية" محمد أنور السادات، قد أوضح أن التسويف في تشكيل اللجنة يخالف نصوص اللائحة بشكل صريح، ويرسخ لدى الرأي العام انطباع عدم الفصل بين السلطات، وضعف المجلس الحالي في فرض أدواته الرقابية، مشيراً إلى عزمه التقدّم بطلب مجدداً لرئيس البرلمان، بسرعة تشكيل اللجنة، وإعلان معاييرها بشكل شفاف.
أما النائب عن حزب "التجمع" عبد الحميد كمال، فيقول في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن هناك تسويفاً متعمداً من هيئة مكتب المجلس بشأن الإعلان عن معايير تشكيل اللجنة وأعضائها، على الرغم من قرار المجلس بعدم تأجيل تشكيلها، في ظل خطورة تقارير "المركزي للمحاسبات" بشأن الفساد في المشروعات القومية، واستمرار إهدار المال العام من دون محاسبة. ويطالب كمال، جنينة، بالكشف عن ملابسات كل البلاغات التي تقدّم بها للنائب العام، حول مخالفات إهدار المال العام بأجهزة الدولة، وما نتج عنها سواء بتوجيه الاتهام أو الحفظ، حتى "يعلم الرأي العام الإجراءات التنفيذية التي تتم لمواجهة فساد هيئات ومؤسسات الدولة".
اقرأ أيضاً: 5 أزمات تنتظر البرلمان المصري