البرلمان التركي تاريخ حافل من العراك والإثارة

01 مارس 2014
+ الخط -

سلسلة "المعارك الطاحنة" التي وقعت بين النواب تحت قبة البرلمان التركي في الأسابيع الأخيرة، لم تكن بالحدث الغريب على البرلمان الذي طالما عُرفت عنه الإثارة والعنف الذي يصل الى حد العراك بالأيدي وتوجيه اللكمات والتقاذف بالهواتف النقالة وزجاجات المياه.

ويلخّص نائب رئيس الوزراء، بولنت أرينتش، هذه الحالة، في ما يلي: "بصفتي نائباً في البرلمان منذ خمس دورات، أعرف جيداً أنني لا أستسيغ هذه المشاجرات، لكن مع الأسف تجد أشخاصاً ينسون أنفسهم ويسيئون التصرف، وحينها يرغب آخرون برد هذه الإساءة، لنشهد بعدها هذه المشاهد غير المرغوب فيها".

ويتكوّن البرلمان التركي من تركيبة متناقضة سياسياً ودينياً وقومياً وأيديولوجياً؛ فعلى سبيل المثال، يتشكل البرلمان الحالي من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، ذي التوجهات الإسلامية المحافظة، يليه حزب "الشعب الجمهوري" العلماني، وحزب "الحركة القومية" القومي المتشدد، بالإضافة الى حزب "السلام والديموقراطية" الكردي.

يوم أمس الجمعة، تعارك نواب من حزب "العدالة والتنمية" مع زملاء لهم من حزب "الشعب الجمهوري"، تحت قبة البرلمان، على خلفية نقاش حول إلغاء المدارس الخاصة. العراك بدأ بعد انتقاد وُجّه إلى رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، وانتهى بإصابة نائب عن حزب "الشعب الجمهوري"، نتيجة تلقيه لكمات شديدة من زميل له، نُقل على أثرها الى المستشفى.

وقبلها بأيام، وقع اشتباك برلماني خلال مناقشة النواب لمسوّدة قانون يهدف إلى إجراء تعديلات على قانون "مجلس القضاء والمدعين العامين"، حيث تطور النقاش بين أعضاء من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم ونواب المعارضة، إلى اشتباكات تخللها عراك بالأيدي وتوجيه ركلات في الأوجه، وقذف زجاجات المياه، وصولاً الى قيام بعض الأعضاء باستخدام أجهزة الكمبيوتر (اللاب توب) والهواتف المحمولة في الاعتداء على الآخرين، وأصبحت ساحة البرلمان أشبه بساحة قتال في الشوارع.

وما بين اللكمة واللكمة، كانت تعلو الأصوات ويتبادل النواب الشتائم، الى أن وصل الحال بالنائب عن حزب "العدالة والتنمية"، أوكتاي سرال، إلى الصراخ في وجه نائب رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، بولنت تزجان، قائلاً له: "اصمت". ثم أتبعها بلكمة قوية إلى وجهه تسبّبت في إصابته بجروح في عينه، بالإضافة إلى كسر نظارته. وهو ما استدعى رئيس البرلمان لإغلاق الجلسة وطلب الطواقم الطبية لنقل النائب المصاب الى المستشفى.

ويُحسَدُ الصحافيون الأتراك العاملون على تغطية جلسات البرلمان لأنهم لا يعانون من الروتين والملل والنعاس الذي يعانيه نظراؤهم في البرلمانات الهادئة؛ فدائماً ما تحمل لهم جلسات البرلمان التركي الإثارة والتشويق.

وفي الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير الماضي، شهد البرلمان "معركة" مشابهة بين نواب "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري" أيضاً، تخللها عراك بالأيدي وتقاذف بزجاجات المياه، وهو ما استنكره رئيس الوزراء التركي، معتبراً أنه يشوّش على عمل البرلمان وينافي احترام الإرادة الشعبية.

ويتكوّن البرلمان التركي، الذي تأسس عام 1922 مع تأسيس الجمهورية التركية الحديثة، من 550 نائباً، يُنتخَبون كل 5 سنوات في 85 دائرة انتخابية في عموم البلاد.

النواب الأعنف

ويُعتبر النائب عن حزب "العدالة والتنمية"، زيد أصلان، بطلاً للعديد من أحداث الشغب التي يعيشها البرلمان التركي بين الفينة والأخرى؛ إذ صعد ذات مرة، خلال مشاجرة، على المنضدة ووجّه لأحدهم ركلة بقدمه أعادت إلى الأذهان مشاهد المصارعة الحرة.

ولم يكتفِ أصلان بذلك، فهو لا يتورّع عن التلفّظ بأنبى ما يحويه قاموس الشتائم على الملأ، ما دعا بعض قادة حزبه للمطالبة بإبعاده مؤقتاً عن البرلمان، وتم عرضه على لجنة تأديبية. ولا يبدو أصلان راضياً عن تصرفاته غير اللائقة، وقد أشار الى أنه يتلقى الدعم من خبير نفسي لمساعدته على التحكم في انفعالاته وقت الغضب.

ومن بين الذين لهم صولات وجولات في عالم الشجار بالبرلمان التركي غير أصلان، النائب عن "العدالة والتنمية" من إسطنبول، أوكتاي صارال، الذي وجّه لكمة إلى نائب رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، بولنت تزجان، ازرقّت على أثرها عينه، وأُدميَ حاجبه، وكُسرت نظارته، وحصل على تقرير طبي سمح له بالتغيّب عن العمل لثلاثة أيام.

وأيضاً هناك النائب عن الحزب نفسه، محمد متين أر، الذي قام بصفع نائب حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، ولي أغبابا، وطوّق عنقه بكفيه، خلال مناقشة اقتراح الحكومة المتعلق برفع سنوات التعليم الإلزامي إلى 12 عاماً.

وفي صفوف أحزاب المعارضة، يبرز النائب عن حزب "الشعب الجمهوري"، كمر جينتش، الذي قاطع السيدة أمينة، زوجة أردوغان، خلال كلمة ألقتها في مراسم استقبال أقيمت بالبرلمان العام الماضي، قائلاً: "بأيّ صفة تتكلمين هنا؟"، فنشب عندها شجار بينه وبين وزير الطاقة، تانير يلديز، حيث ردّ الأخير على جينتش بقوله: "اخرج من هنا أيها الوقح!".

ويشتهر من حزب "السلام والديموقراطية" النائب سرّي صاقيق، الذي قذف علبة مناديل نحو النائب وحيد كيلر، لكن من حسن حظه لم تصبه وكُسرت مزهرية كانت بجواره. كما حاول صاقيق قذف كوب نحو النائب محمد متين أر، إلا أن النواب الآخرين منعوه من فعل ذلك بصعوبة بالغة.

وفاة نائب عام 2011

غير أن أشهر شجار في تاريخ البرلمان التركي حدث في عام 2001، وأفضى إلى وفاة النائب عن حزب "الطريق القويم"، فوزي شيهانلي أوغلو، نتيجة إصابته بأزمة قلبية بعد شجار مع نواب حزب "الحركة القومية". وقد أُدخل النائب جاهد تَكَلي أوغلو، الذي كان سبباً في وفاة شيهانلي أوغلو، السجن لمدة 13 شهراً.

والى جانب الاختلافات الفكرية التي تمتد من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، فإن البرلمان يضم نواباً من الفنانين والرياضيين، إلى عدد من جنرالات الجيش، ومساجين سابقين، حيث كان لفوز النائب عن حزب "السلام والديموقراطية" الكردي، ثريا أوندر، الكثير من التشويق؛ فالرجل مخرج تلفزيوني وسينمائي مشهور بأفلامه التراجيدية والكوميدية السياسية، وهو رمز للسخرية الشعبية المفرطة في عالم الافلام.

كسر قوانين البرلمان

وللإثارة في كسر القوانين نصيب من مغامرات البرلمانيين الأتراك، حيث شهد البرلمان قبل أشهر دخول النائبة عن مدينة ديار بكر ذات الاغلبية الكردية، ليلى زانا، الى المجلس وهي ترتدي البنطال، وهو ما يتعارض مع قانون المجلس الذي يجبر النائبات على ارتداء التنورة فقط، حيث وافق البرلمان في وقت لاحق على تعديل القانون لأول مره منذ تأسيسه.

وتأتي هذه الخطوة بعدما دخلت أربع نائبات تركيات البرلمان وهن يرتدين الحجاب، في سابقة تاريخية، تخللتها نقاشات حادة بين النواب ومعارضة شديدة من احزاب المعارضة العلمانية.

وفي الوقت الذي يعترض فيه بعض السياسيين على نظام البرلمان الأساسي القاضي بضرورة حصول الحزب على نسبة 10 في المئة من أصوات الناخبين للدخول الى البرلمان، يجد آخرون فيه موضعاً للتفاؤل، معتبرين أنه في حال خفض نسبة الـ10 في المئة لدخلت إلى البرلمان تشكيلة أوسع من التوجهات الفكرية المتناقضة والمتشددة ولتَحوّل البرلمان الى "ساحة حرب".

المساهمون