البرعصي لـ"العربي الجديد": حلّ الأزمة الليبية يتطلّب تنازلات

16 ابريل 2017
أطلق البرعصي مبادرة لحل الأزمة الليبية (فرانس برس)
+ الخط -

في حوار مع "العربي الجديد"، يؤكّد نائب رئيس وزراء ليبيا السابق، عوض البرعصي، على أهمية إقناع ممثلي الأطراف الليبية بضرورة اعتراف كل طرف بمخاوف وهواجس الآخر، والبدء في تقديم تنازلات مرضية للطرفين في إطار الاتفاق السياسي الموقع بينهما، الذي يجب توسيع دائرة التفاوض فيه لتشمل كل قضايا الاختلاف بين الليبيين، وتمثيل أقاليم ليبيا الثلاثة والمكوّنات المحلية والثقافية والسياسية.

وكان البرعصي الذي يترأس حالياً المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات أطلق مبادرة للسلام في ليبيا.

وردّاً على سؤال "العربي الجديد" حول ظروف إطلاق مبادرته التي دعا فيها إلى أهمية الالتفات إلى عمق وجذور الخلافات التاريخية بين الليبيين، كسبيل مهم للوصول إلى ميثاق سلام، يقول: "قمنا بعقد حلقات نقاشية مع شخصيات معنية بالوضع العام في ليبيا، بما فيها الخلافات التاريخية، محاولة منا لفهم الواقع الليبي على حقيقته قبل وضع تصوّر للحلّ، بالإضافة لإجراء عدد من الدراسات حول أثر الجغرافيا والديموغرافيا والخطاب الديني في الصراع في ليبيا". ويلفت البرعصي إلى أن المبادرة استفادت من تجارب عدد من البلدان التي زارها، ومرت بحروب وصراعات داخلية، واستطاعت الوصول إلى قدر من التفاهمات الداخلية لإنهاء أزمتها".

لكنه يشير إلى أن مبادرته "ليست معنية بوضع تفسيرات جاهزة للخلافات التاريخية، وإنما ما تدعو إليه هو اعتراف كل طرف بمخاوف وهواجس شركائه في الوطن ومن ثم تقديم تنازلات متبادلة، ترضي جميع الأطراف للوصول إلى التعايش المشترك في الوطن الواحد".

وفي ما يلي نص الحوار الذي أجراه فريق "العربي الجديد"، مع البرعصي، حول مبادرته وحول رؤيته الإجمالية للأزمة الليبية.

في ثنايا مبادرتكم تحدثتم عن اتفاق سلام مؤقت يفضي إلى دستور وقانون انتخابي، وهو أمر قد يطول، سيما وأنكم أشرتم إلى أن مؤسسات أهلية ورسمية لتربية الأجيال ستتولى الإشراف على مخرجات هذا الاتفاق، مما يعني اعترافكم بأن نتائجه ستطول وتحتاج لوقت أطول من نتائج الصراع الحالي، والتي تتسارع وتيرتها بشكل كبير، ألا ترى أن الصراع المدمر اليوم على الأرض لن ينتظر نتائج قد يطول الوقت قبل الوصول إليها ويحتاج لحلول وقتية؟ كيف يمكن السير في الاتجاهين دون تعارض وربما تصدام؟


نحن نعمل في مسارين؛ أحدهما بعيد المدى يتعلق بتأسيس تيار يؤمن بالسلام والحوار، ويضغط على أطراف الحرب للجلوس على طاولة التفاوض. والمسار الثاني قصير المدى يرى أن الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية يمثل إطارا للحل في ليبيا، بشرط أن تتسع دائرة التفاوض فيه لتشمل كل قضايا الاختلاف بين الليبيين، مع ضرورة إشراك كل الليبيين في الحوار من خلال حضور الأقاليم الثلاثة فزان وبرقة وطرابلس، والمكونات المحلية والثقافية والسياسية عبر ممثلين حقيقيين للتفاوض بشأن كل الاختلافات التاريخية، مثل شكل الدولة ونظام الحكم وتوزيع الموارد وحقوق المكونات الثقافية والمصالحة الوطنية.

أسس الاختلافات التاريخية بين مكونات المجال الجغرافي الليبي الحديث قديمة ومرتبطة بأقاليم وامتدادات قبلية في الجوار الليبي، ولذلك يرى بعض المراقبين المقاربة القبلية أساسا للحل في ليبيا، فما رأيكم في ذلك، سيما وأن القبلية شكلت ظهرا متينا لحراك اللواء خليفة حفتر العسكري في شرق البلاد، عندما تلاقت أهدافها وأهدافه كما يبدو؟ وهل ترون القبيلة حلا للمشكلة إذا ابتعدت عن دعم العسكر؟

نعم .. العرف القبلي حفظ البلاد لسنوات، ونرى أن احترام العرف والمواثيق القبلية التاريخية سيكون له مردود إيجابي، يساعد في الوصول إلى حل يؤدي إلى إنهاء الأزمة في ليبيا، وعلينا أن نركز على الجانب الإيجابي للقبيلة، ومن ناحية تاريخية، لليبيا تجارب سابقة في تلك المواثيق ولعل منها ميثاق الحرابي الذي عقد في عام 1946 بين قبائل إقليم برقة، وكان سابقة حفظت البلاد من خلال معاهدة بين عدد من القبائل في الجبل الأخضر شرق ليبيا.



ليبيا كانت ثلاثة أقاليم في فترة الستينيات؛ فهل تشيرون من خلال حديثكم عن إلغاء المركزية ومنح بعض المناطق حقها في الخصوصية الثقافية وأيضا الاقتصادية إلى هذا الاتجاه؟ وأليس من المخيف أن يؤدي ذلك إلى تقوية الحل الفيدرالي ليصل إلى التيار المنادي بالتقسيم، على قلتهم، لا سيما في شرق البلاد وأقصى غرب البلاد وتحديدا الأمازيغ؟

النظام الفيدرالي أثبت نجاحه وكانت هناك دولة قائمة بدستور 1951، ونتفهم طبيعة المخاوف من المنادين بالتقسيم. ونخشى أيضا من المركزية في النظام الفيدرالي، كأن تتركز كل الخدمات في عواصم الأقاليم وتحرم بقية البلاد والمناطق منها؛ إلا أن التغلب على كل تلك المخاوف ممكن بتحقيق التنمية المكانية للمناطق المهمشة والتوزيع العادل للثروات وضمان حقوق المواطنين من التنمية، وإنهاء المركزية في كل البلاد، فالمبادرة تسعى إلى تفكيك تغول النظام المركزي ونشر التنمية المكانية في كل ربوع ليبيا دون استثناء، ومنح المناطق والجهات خصوصياتها الثقافية والاقتصادية وحماية تراثها وتعزيز التنوع بين الليبيين.

عندما يستعرض القارئ مبادرتكم سيكتشف أنها لم تول أهمية كبيرة لجانب أساسي، يتمثل في دول الجوار والمجتمع الدولي الذي لم يعد أحد ينكر وجوده في ليبيا. حتى أن البعض تحدث عن أنّ ما يجري في ليبيا هو حرب بالوكالة، خصوصاً أنّ هناك دول جوار تقف وراء حراك عسكري لمصالحها الخاصة، وهناك دول كبرى تسعى لإيجاد موضع قدم في ليبيا الغنية بالنفط... ألا ترون أن هذا الحضور الدولي المتصادم، له تأثير كبير في الوصول إلى أي سلام قد يطمح له الليبيون؟ وكيف عالجتم هذه المسألة؟


المبادرة أجابت بشكل مفصل عن تدخل الأطراف الخارجية. وقلنا إن المبادرة ستسعى إلى إقناع كل الداعمين الخارجيين بأهمية السلام في ليبيا لتحقيق مصالحهم، وتوضيح أضرار الحرب بهذه المصالح، لأن هذه الرؤية لا تتحقق إلا بإقناع كل المنخرطين في الصراع والحرب وداعميهم من الخارج بأن السلام هو الطريق الوحيد لتحقيق المصالح وتأمين المخاوف، وأن السلام لا يتحقق مع الحرب أو استخدام الحرب كآلية لتحقيق توازنات موهومة تؤدي إلى السلام، بل هذه التوازنات الموهومة تصنع حروبا جديدة وتفتح الباب على مصراعيه أمام مزيد من التدخلات الخارجية في القضية الليبية.

هل توقفت المبادرة عند الإعلان عنها أم تأسس عليها عمل؟ ما شكل هذا العمل وإلى أين وصلتم؟ ومن القائمون عليه؟

عكفنا في الفترة الماضية على وضع خارطة طريق تفصيلية تتضمن الاتصال المباشر وغير المباشر مع الدوائر المستهدفة في المبادرة، وشرعنا في تنفيذها. وبدأنا بعقد حلقات نقاشية أسبوعية، وتنوعت شرائح المدعوين لحلقات النقاش بين مثقفين ونشطاء وحقوقيين لتعميق مضمون المبادرة.

كما عقدنا جلسات استماع مع أعيان من مختلف مناطق ليبيا وسياسيين وممثلين عن المكونات الثقافية والمناطق والجهات الليبية، وحتى أطراف الحرب والصراع لمعرفة على وجه الدقة مطالبهم ومصالحهم ومخاوفهم. وكذلك وضحنا لهم أهمية الاتجاه للأدوات السلمية للوصول إلى معالجة كل الاختلافات والخلافات.

وبدأنا التواصل مع مجموعات من النشطاء في مختلف المناطق بهدف إقناعهم بأهمية تبنيهم للمبادرة والعمل في مناطقهم ودوائر اهتمامهم لأجل نشر الوعي بأهمية استبدال الحرب بالطرق السلمية. وشرعنا كذلك في التواصل مع مسؤولين في بعض دول الجوار، ونخطط للتواصل مع آخرين في تلك الدول والدول الكبرى بهدف بناء دبلوماسية للسلام، تبحث عن حلفاء كبار للسلام في ليبيا.

وهناك عديد من خطوط التواصل الأخرى مع المجالس البلدية والمسؤولين في كل الحكومات وممثلي المهجرين في الخارج. ونصنف كل هذه الجهود تحت عنوان بناء الوعي والتعرف إلى مطالب الناس وكذلك أطراف الحرب والصراع والداعمين للحرب من الخارج، وكذلك تأسيس دبلوماسية السلام.

أخيرا، هل لهذه المبادرة علاقة بحزب العدالة والبناء، بما أنك عضو فيه؟

ليس للمبادرة أي علاقة بحزب "العدالة والبناء". وأنا مستقيل من الحزب منذ فترة وأختلف مع الحزب كثيرا في الرؤية السياسية. أنا أرى أن رؤية الحزب لحل الأزمة الليبية قاصرة، نظرا لعدم إدراك الحزب بأسباب الأزمة الحقيقية ولتعاطيهم الخاطئ معها واقتصار جهودهم على مدن ومناطق معينة، وإغفال بقية المدن والأقاليم الليبية، إضافة إلى أن الحزب يرى الأزمة الليبية ما بعد عام 2011، ولكنه لم يدرس الأسباب التاريخية للأزمة في البلاد.