البرد يقتل السوريين ولا يهز موازنة الحرب

19 يناير 2015
الصقيع يضرب أجساد الأطفال في سورية (ادوارد الياس/فرانس برس)
+ الخط -
بلغت الموازنة السورية للعام 2015 حوالى 10 مليارات دولار، في ظل استمرار ملاحقة المواطنين بالقصف والقتل، في حين ترتجف أجساد أطفال سورية النازحين، في مواجهة العواصف الثلجية العنيفة و"غير المسبوقة". إذ لم يلحظ نظام بشار الأسد وجود أكثر من 6.5 ملايين نازح داخل سورية، فقط، ليضاف إليهم الملايين خارجها. في حين تدور عجلة الإنفاق الحكومية السورية بطريقة "مريخية"، بحيث يتبين من بنود الموازنة وكأن السلطة تعيش خارج الكوكب، لتخصص اعتمادات للقضاء على الفساد وللتنمية الإدارية... وزيادة الاستثمارات. 
ويتوزع النازحون إما على خيام هشة تعصف بها الرياح العاتية، أو على ملاجئ متواضعة تفتقد الحد الأدنى للخدمات، وتنتشر في مناطق سيطرة المعارضة، أو في ‏مساكن بائسة مفتوحة على العراء بعد أن دمرها القصف. مواجهة غير متكافئة نتجت عنها كارثة إنسانية في ‏صفوف من تحولوا إلى "أكبر مجموعة لاجئين في العالم" كما وصفتهم الأمم المتحدة أخيراً.‎
وتم حتى الآن، تسجيل نحو عشر وفيات في صفوف النازحين السوريين نتيجة ‏البرد القارس، معظمهم من الأطفال وكبار السن. فيما يعتقد الطبيب، سعد خليل، الذي يعمل في أحد الملاجئ في ‏ريف حلب، والذي يأوي عشرات العائلات المهجرة، أن أعداد "شهداء الصقيع أكبر من الأرقام المعلنة، إذ إن ‏هنالك عائلات كثيرة تعيش في مناطق نائية وتفتقد الحد الأدنى من الخدمات التي يمكن أن تمكنها من مواجهة ‏مثل هذه العاصفة القوية". ويضيف خليل لـ"العربي الجديد": "في حلب، وفي شمال البلاد بصورة عامة، ‏تنخفض درجات الحرارة بشكل حاد أكثر من مناطق أخرى في سورية، ويصاب الأطفال والمسنون بالتهابات ‏حادة في الجهاز التنفسي، قد تؤدي، مع غياب العناية الطبية وانخفاض درجة حرارة الجسم لفترات طويلة، إلى الموت".
يصف مدير "المكتب الإغاثي والتنموي في ريف حلب الغربي" عبدالرحمن خليل لـ"العربي الجديد" حال ‏السوريين المقيمين في تلك المناطق بأنه "عصيب جداً". إذ يبيت النازحون في "البيوت غير الجاهزة والخيام في ‏ريف حلب، وهي بالطبع غير مجهزة بالتدفئة". هكذا يكافح هؤلاء النازحون في مواجهة العاصفة الثلجية، ‏فيحاولون "تأمين المواد البسيطة للتدفئة، من أخشاب ومخلفات البيوت المدمرة إلى أكياس الورق والنايلون، إنها حالة ‏بائسة جداً".
وتقع مناطق ريف دمشق اليوم بين "خناق الحصار وصقيع العاصفة الثلجية التي تمزق جلد الأطفال، في ظل ‏انعدام مقومات الحياة"، وفق ما يقول عضو "المكتب الإغاثي الموحد في الغوطة الشرقية" عبدالله الحافي لـ"العربي ‏الجديد".
ويضيف: "يعتمد السكان على الحطب الذي يتم قطعه من الأشجار المثمرة من أجل التدفئة، وهو ما ‏يهدد الأمن الغذائي للغوطة الشرقية التي رفدت العاصمة دمشق ومدنا سورية بالخضر والفاكهة قبل ‏فرض الحصار عليها وتدميرها، ما يعني توقف الإمداد الغذائي في هذه المناطق".
ويوجه ناشطون سوريون انتقادات حادة إلى أداء الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، بسبب "التقصير" في مساعدة ‏النازحين السوريين. في حين قالت إحدى الإذاعات المحلية، إن مصاريف وزارة الإدارة المحلية ‏وشؤون اللاجئين بلغت نحو مليون دولار فقط طيلة عام 2014، وهو مبلغ أقل من الذي جرى صرفه ‏على انتخابات المجالس المحلية في مناطق سيطرة المعارضة في العام الماضي.‎
وفي السياق، تقول المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الأردن، شذى المغربي، في حديث لـ"العربي الجديد": "يتطلب برنامج الأغذية 212 مليون دولار أميركي لدعم عملياته ‏في سورية والدول المجاورة للأشهر الثلاثة الأولى في عام 2015". وتلفت إلى أن البرنامج ‏‏"لا يزال يعاني من نقص في التبرعات"، حيث لم تتمكن حملة التبرعات، التي أطلقها البرنامج في مطلع شهر ‏سبتمبر/أيلول الماضي، من تغطية كامل مساعدات اللاجئين المقيمين خارج المخيمات خلال شهر يناير/كانون الثاني.

الثياب لا تكفي
تقول المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الأردن شذى المغربي لـ "العربي الجديد" إن تراجع المساعدات والتمويل ‏‏"أجبر البرنامج على تقليص مساعداته للاجئين، وتزويدهم بـ ‏‏%65 فقط من قيمة المساعدة".‎ في حين أعلنت منظمة اليونيسيف عن خطط لتزويد 400 ألف طفل سوري في كل المحافظات السورية بحقائب تحمل ملابس ‏الشتاء. وستوزع الحقائب ‏في المحافظات ذات الأولوية وهي حمص، وطرطوس، وحلب والقامشلي‎.‎ هكذا تتركز معظم الجهود على تأمين الثياب، وبدرجة أقل الحطب للتدفئة. وفيما تغمر المياه خيام اللاجئين ‏السوريين وتقتلعها الرياح ‏وتحاصرها الأوحال الطينية والثلوج، فأي فائدة يمكن توقعها من الملابس والبطانيات في ظل هذه المأساة الإنسانية؟

المساهمون