جال نائب الرئيس المصري السابق، محمد البرادعي، في أول حلقة من حواره مع برنامج "وفي رواية أخرى" على قناة "التلفزيون العربي"، مساء السبت، على نصف قرن من ذكرياته ومسيرته السياسية، معرجاً على ما هو شخصي وما يتعلق بالأحداث المصرية والعربية الكبرى. من ذكريات العائلة، مروراً بآرائه بالرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، وموقفه من خلفه أنور السادات، فاتفاقية كامب ديفيد (للسلام بين مصر وإسرائيل، عام 1978) وشهادته عنها، ينتقل الرجل، في حلقة أولى تليها 4 حلقات أخرى، إلى الوضع العربي المتدهور عموماً.
وبرّر البرادعي سبب قراره الغياب عن الشاشات لمدة 3 سنوات بأنه كان قد قام بما في وسعه، وفضل الابتعاد ليمنح الفرصة لغيره ليكون الحكم على النتائج، على حد تعبيره. وأشار إلى أنه قرر الحديث لأنه "أصبح من واجب كل فرد أن يتكلم من واقع خبرته ووجهة نظره، ويحاول المساعدة ولو بنسبة واحد بالمائة، لأن العالم العربي كله في مأساة، ووصل لمرحلة بات فيها "يدمر نفسه"، على حد تعبيره. واعتبر أن المشكلة الكبرى التي يعاني منها العالم العربي هي غياب الفكر والمعرفة، مضيفاً أن العالم العربي لن يصلح حاله بدون مصر، ومصر لن تصلح حالها بدون العالم العربي.
Twitter Post
|
وتابع البرادعي أنه التحق في بداية دراسته بمدرسة فرنسية، لكن والده أخرجه منها لأنها لم تكن تُعلم اللغة العربية، وانتقل إلى مدارس الأورمان. واعتبر البرادعي أنه ليس نسخة مستنسخة من والده، فهو من جيل مختلف بخبرات مختلفة، وكان محافظاً أكثر منه بالعديد من أفكاره، لكن كان يجمعهما القيم الإنسانية كالبحث عن الكرامة والحرية والعدالة، وكانت خلافاتهما في الرأي قائمة على أرضية مشتركة. ولفت إلى أن التحاقه بكلية الحقوق عام 1958 لم يكن بأمر من والده، ولكن من الوارد أن يكون قد تأثر به، بالإضافة إلى أنه طيلة عمره كان ممتازاً بالمواد الأدبية وليس في العلوم والرياضيات، وهو نفس حال العديد من أفراد أسرته، ومنهم ابنته التي درست أيضاً الحقوق وتعمل محامية، لكن الاستثناء هو ابنه الذي يعمل بمجال التكنولوجيا الحيوية، لذلك هو مثار مزاح العائلة، على حد تعبيره.
وانتقل البرادعي، في شهادته لبرنامج "وفي رواية أخرى" على قناة "التلفزيون العربي"، إلى عهد الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر. وقال إن نتيجة هذا العهد كانت نكسة 1967 التي لم تتجاوز مصر ودول العالم العربي نتائجها حتى اليوم. ورأى أن ثورة 23 يوليو 1952 كانت تحمل مبادئ عظيمة كالعدالة الاجتماعية، والحياة الديمقراطية السليمة، وكان للرئيس عبدالناصر احترام واسع في العالم الثالث، فـ"الفكرة كانت ممتازة، لكن التنفيذ (لم يكن جيداً) على الإطلاق" على حد تعبيره.
Twitter Post
|
واعتبر أن أبرز مساوئ هذا العهد أنه "سلب الشعب المصري حريته، وتم التحول إلى فكرة القائد الزعيم الملهم، كما أنه شهد الاعتماد على معدومي الكفاءة في الإدارة المدنية" بعدما اعتمد عبد الناصر على "زملائه في القوات المسلحة".
وبرأي البرادعي، فإن مصر في ذلك الوقت "كانت لديها نخبة لا تقل جدارة عن أي نخبة متعلمة بالخارج، لكن هذا الأسلوب في الحكم قام بتهميشها، وهذا من مظاهر غياب الحكم الرشيد المستمرة في العالم العربي"، وفق قوله.
وعن ذكرياته عن حرب يونيو/حزيران 1967، يعترف البرادعي بأنه فوجئ بنتيجة الحرب، لأن الاعتماد الوحيد وقتها كان على الإعلام المُوجه، وكان الجميع تحت الانطباع أن "لدينا جيشا قويا لن ينهزم". وكشف البرادعي أن وزارة الخارجية المصرية أوفدته قبل حرب 1967 إلى بعثة مصر بالأمم المتحدة، وكان يحمل مستندات تدعم وجهة النظر المصرية، وكان شاهداً على ضياع فرصة تاريخية بذلك الوقت.
وروى كيف شاهد على القنوات الأميركية خبر تدمير سلاح الطيران المصري، لكن وزير الخارجية، محمود رياض، قال لرئيس البعثة المصرية السفير، محمد عوض القوني، إن هذه الأخبار كاذبة وسلاح الطيران لم يُضرب، لذلك رفضت مصر عرض المندوب الأميركي في يوم 5 يونيو/حزيران بصدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وعودة الأمور إلى ما كانت عليه، كما ذكر البرادعي.
Twitter Post
|
وتابع كيف أنه فوجئ بعدها يوم 7 يونيو باتصال من وزير الخارجية يطلب منهم قبول العرض الأميركي، فلم يصدق أعضاء البعثة وكان بينهم وقتها السفير، نبيل العربي، حتى أن أحدهم طلب من السفير القوني أن يتصل مرة أخرى بالوزير لأنه من الوارد أن يكون هناك من يقلد صوته ليضللهم، وفق البرادعي.
وروى البرادعي موقفاً آخر وصفه بالفرصة الضائعة، وهو أنه بعد الحرب وصدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار دون انسحاب إسرائيل، اجتمعت الجمعية العامة في يوليو/تموز من ذلك العام، وكان هناك مشروع قرار مقدم من 18 دولة، ومكون من فقرتين، الأولى تنص على الانسحاب من كامل أراضي 67، والثاني ينص على إنهاء حالة الحرب وحل عادل للقضية الفلسطينية. لكن الدول العربية رفضته وضغطت لإسقاط القرار، حتى سقط لأنه نال أغلبية ضعيفة بحصوله على 57 صوتاً في مقابل 43 دولة رافضة هي الدول العربية وأصدقاؤها، كما قال نائب رئيس الجمهورية الأسبق. وكشف أنه حين عرض مشروع قرار الأمم المتحدة الخاص بانسحاب إسرائيل وإنهاء حالة الحرب عام 1967، نصح وزير الخارجية الرئيس عبدالناصر بقبوله، لكن حين رد عليه بالرفض التزم بموقفه، ولم يعترض أحد أو يستقل.
هذا رأيي في "كامب ديفيد"
وقال البرادعي إنه عمل مساعداً لوزير الخارجية، إسماعيل فهمي، بعد عودته إلى مصر عام 1974، إثر حصوله على الدكتوراه. وكان شاهداً على استيائه من أسلوب إدارة الرئيس السادات للمفاوضات، بحسب تعبيره. وروى كيف أنه "في مفاوضات فك الاشتباك الثانية سنة 1975، كان وزير الخارجية الأميركي، هنري كيسنجر، يأتي مع الوفد وعيونهم حمر (من قلة النوم)".
Twitter Post
|
وأوضح أنه حين كان المصريون يسألون الأميركيين عن أجواء المفاوضات مع الإسرائيليين، كانوا يجيبون بأن الوفد الإسرائيلي المفاوض يضم ما لا يقل عن 12 شخصاً، ويجتمعون مع الوفد الأميركي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وتستمر المحادثات حتى الساعة الثالثة صباحاً، لأن الإسرائيليين كان لديهم أسلوب يهدف إلى تحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب على الأرض. وأشار البرادعي إلى أن المفاوضين المصريين كانوا يلتقون بالأميركيين في المنتجع وكان الرئيس السادات يتفاوض مع كيسنجر "في البحر أحياناً"، وفق تعبيره.
وكشف البرادعي أن السادات لم يخبر وزارة الخارجية المصرية بقراره زيارة القدس، وفوجئ الوزير فهمي بالخبر على التلفزيون، لذلك ألغى سفرهما إلى سورية للقاء حافظ الأسد، وقرر تقديم استقالته. وأكد البرادعي أن فهمي لم يكن ضد السلام من حيث المبدأ، ولكن كان اعتراضه على هذا الأسلوب، إذ كان يرى أن زيارة القدس هي تتويج عملية السلام ولا يمكن أن تكون بداية لها. وتابع البرادعي: "أنا كنت في بيت إسماعيل فهمي وكتب استقالته، وأنا أخذت الاستقالة بسيارته وسلمتها في مكتب الرئيس السادات الذي كان مسافراً وقتها، وكان نائب الرئيس هو حسني مبارك".
وأشار البرادعي إلى أن زيارة القدس كانت مفاجئة للأميركيين أيضاً، إذ شاهد برقية من الرئيس الأميركي، جيمي كارتر، يتعجب فيها من زيارة القدس، ويقول إنه كان من الممكن أن تأتي هذه الخطوة إذا فشل مؤتمر جنيف الذي (كانت) ستحدث فيه المفاوضات متعددة الأطراف بحضور العرب. وأوضح أن ما حدث نموذج من أسلوب الحكم الذي يؤدي لاتخاذ قرارات مصيرية بشكل منفرد، من دون الخضوع للفحص والتمحيص والمشاركة.
وحول رأيه في اتفاقية كامب ديفيد، قال البرادعي إنه يقيّمها عبر نتائجها، مضيفاً: "كامب ديفيد أخرجت مصر لمدة 10 سنوات من العالم العربي، وبعدها لم تعد مصر كقلب العالم العربي مثلما كانت"، ليخلص إلى أن "كامب ديفيد فتحت لإسرائيل الباب (للغطرسة) في المنطقة لأن مصر رمانة الميزان خرجت"، وفق تعبيره.
(العربي الجديد)