19 مارس 2014
البديل الإسلامي بعد الديمقراطية
حينما كتب عالم الاجتماع الأميركي، دانيل بيل، (1919-2011) كتابه "نهاية الأيديولوجيا" عام 1961، وتنبأ بموت النظريات الكبرى التي كانت تحكم العالم بداية القرن الماضي، وحتى سنوات قريبة، وكانت توجه حياة الناس، وتحدد اختياراتهم الفكرية والاجتماعية، كان يقصد بفناء هذه الأيديولوجيات الفكر النازي والفكر الفاشي والفكر الماركسي، واعتبر أن هذه النظريات تتسم بالإطلاقية والانغلاق، وتتحكم في البناء الذهني للفرد والجماعة، وفي النهاية، تكبل الإنسان بقيود، وتحبسه في قوالب، على الرغم من حاجته إليها، لفهم محيطه وما يدور حوله، ويستحقها لتفسير الظواهر الاجتماعية التي تعترضه.
وحينما كتب بيل مقاله "من الشيوعية إلى الكونفوشوسية" في صحيفة الشرق الأوسط (18 مارس آذار 2010)، كان يقدم بديلاً عن الشيوعية التي حكمت الصين سنوات عديدة، من دون أَن تفلح في إسعاد الإنسان، ومن دون أَن تنجح في تحقيق طموحات المواطن الصيني. وكان يعمل، في مقاله هذا، على إحياء الكونفوشيوسية، وطرحها بديلاً، وتصوراً مغايراً، في مقدوره تحقيق النهضة التي ينشدها الإنسان الصيني، والقيام بالإصلاحات السياسية المطلوبة.
السبب الرئيسي في اختيار دانيل بيل الكونفوشيوسية بديلاً عن النظرية الماركسية اعتقاده في قدرتها، على حد قوله، على توفير قدر أكبر من الحريات، وعلى تحقيق مساحةٍ أوفر من الحقوق. فهو يرشحها اختياراً مستقبلياً للبشرية، يبنى على أنقاض الديمقراطية الغربية، وكل تقنياتها التي تقوم عليها، مثل الانتخابات التنافسية، وطريقة اختيار الحكام. فهو يقترح الكونفوشيوسية بديلاً أفضل للإنسان من الديمقراطية الغربية، من حيث توفير حرية التعبير، وضمان تحقيق المصالح للمواطنين.
وحينما كتب أستاذ علم الاجتماع السياسي، السيد ياسين، مقاله "عصر ما بعد الديمقراطية" في صحيفة الاتحاد الإماراتية (25 نوفمبر تشرين أول 2010)، وتناول فيه تراجع دور الأحزاب التقليدية، والأيديولوجيات الكبرى، كالماركسية والرأسمالية والقومية، كان يقصد أفول عصر كامل لأفكار ونظريات وتصورات، حكمت حياة الإنسان، ووجهت نمط حياته، ونوعية مجتمعه، عقوداً طويلة. وكان يقصد، كذلك، نهاية عصر الأحزاب السياسية التقليدية، لتترك مكانها لصالح مؤسسات المجتمع المدني. فقد تنبأ بأفول كل النظريات القديمة، وسقوط الديمقراطية الغربية القائمة على الأحزاب السياسية، وتراجع دورها التقليدي. ما يبشر، حسب اعتقاده، بعصر جديد، من دون أحزاب تقوم على الأيدولوجيا المغلقة، في مقابل مشروع جديد، يحقق ما فشلت فيه الأيديولوجيات القديمة، والديمقراطية التقليدية، والتي لم تحقق وعودها التي قامت عليها، من احترام الفرد والعقلانية، وحل مشكلات الإنسان، ومعالجة أمراضه الاجتماعية، وإشباع حاجات الناس الأساسية، خصوصاً بعد أن ذابت الفوارق بين الأحزاب اليمينية واليسارية، بسبب طغيان عصر العولمة، وانهيار الحركات الشيوعية، وتراجع نظريات التخطيط الاقتصادي لحساب اقتصاديات السوق.
رشّح المفكر السيد ياسين ظهور أنساق فكرية مفتوحة، ومؤسسات المجتمع المدني، والأطر التي لا تؤسس على الإيديولوجيات الكبرى، بديلاً عن الأنساق الفكرية المغلقة والإيديولوجيات القديمة. وهذه الأنساق الجديدة تقبل ما يسميه الكاتب "التأليف الخلّاّق"، لتعبيراتٍ كان يظن، في الماضي، أنه لا يمكن التأليف بينها، مثل العلمانية والدين، والقطاعين الخاص والعام.
وحين تحدث دانيل بيل والسيد ياسين عن أفول الإيديولوجيات القديمة، كالماركسية والرأسمالية والقومية، وقبل ذلك النازية والفاشية، لم يكن الدين مطروحاً أمامهما بديلاً عن هذه الأنساق القديمة. ولم يكن الإسلام، تحديداً، مرشحاً خياراً جديداً، وتصوراً مغايراً عن الفكرين، الماركسي والاشتراكي، وكل النظريات التي حكمت العالم. ذلك أن دانيل بيل يرشح الكونفوشوسية أن تعوض النظريات التي حكمت القرن الماضي، أما السيد ياسين، فيتنبأ بدورٍ لمؤسسات المجتمع المدني، وكل الأطر التأليفية التي لا تقوم على الأيديولوجية المغلقة، لتكون بديلاً عن الديمقراطية الغربية والأحزاب السياسية التي تقوم عليها.
ما غاب عن المفكريْن، والأمر الذي لم يقرأا له حساباً، وهما يرصدان مستقبل الإنسانية، ويستشرفان أحوال البشرية، ومكانة الأنساق الفكرية التي هيمنت عقوداً على عقل الإنسان وحياته وسلوكه، هو أَنه قد يكون للإسلام مكان في مستقبل البشرية، فيلعب دوراً مؤثراً في تحقيق ما فشلت فيه كل الأيديولوجيات، ويعود الفكر الديني بقوة في التأثير والفعل الحضاري. هذه الحقيقة التي غابت عن فكر الرجلين، وتصورهما واقع الأحزاب السياسية اليوم، وكل النظريات والإيديولوجيات التي بشرت الإنسان بالرفاهية والسعادة المادية، وتحقيق أفضل إشباع لحاجاته الأساسية، تفرض نفسها بقوة، بعد ثورات الشعوب التي أطاحت الديكتاتوريات العربية، وحكامها المستبدين الفاسدين.
وقف العالم، اليوم، على معطى جديد، يرشح الدين الإسلامي لقيادة البشرية في السنوات المقبلة، ويقدم الإسلام السياسي بديلاً عن الأحزاب التقليدية التي أخذت حصتها، سنوات طويلة، لقيادة البشرية، وهيمنت على الفكر والتصورات والسلوك، وطرحت برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية، لتلبية طموحات الجماهير، وتحقيق حاجاتهم، من دون أن تقدر على تحقيق ما وعدت به، ومن دون أن تصل إلى ما بشرت به.
من أجل ذلك، من يدرسون، اليوم، واقع الثورات العربية، ويحللون أسباب فشل الأحزاب، ذات المرجعية الماركسية، وانهيار النظريات المغلقة التي وعدت الإنسان بالحرية والكرامة وتوزيع الثروات العادل، فأنتجت أنظمة حكم كليانية، وسلطات ديكتاتورية مستبدة، في ظل الدولة الوطنية العلمانية التي طبقت الفكر العلماني الذي لم يحقق دولة الإنسان والحرية ودولة الحق والعدل، من يدرسون ويحللون ذلك يرشحون الإسلام لقيادة البشرية في قادم السنوات، ويؤهلون الإسلام السياسي، ليلعب الدور المؤثر في الفعل الحضاري، وتحقيق ما فشلت فيه الأيديولوجيات القديمة. وذلك بما يتوفر عليه من عناصر قوة، وما يحتويه من تصورات، جاءت جميعها تخاطب الإنسان، وتعمل على إسعاده مادياً ومعنوياً، وتعتبر أن كل الوجود خلق من أجل هذا الإنسان، وأَن الأخير تدور حوله كل الموجودات، ومن أجله، سخرت الأكوان والمخلوقات، فهو محور الحياة وجوهر الخلق.
من أجل ذلك، تقوم فكرة الإسلام على تكريم الإنسان، وتفضيله وتشريفه. وهذه المكانة المميزة للإنسان هي التي تبنى عليها فكرة الدولة، ودور الحاكم، وطبيعة السلطة في الإسلام. فالعالم اليوم متجه نحو فكرة الإسلام، ونحو عصر عودة للإحياء الديني، ونحو إحلال الفكر الإسلامي محل الأيديولوجيات القديمة.
وحينما كتب بيل مقاله "من الشيوعية إلى الكونفوشوسية" في صحيفة الشرق الأوسط (18 مارس آذار 2010)، كان يقدم بديلاً عن الشيوعية التي حكمت الصين سنوات عديدة، من دون أَن تفلح في إسعاد الإنسان، ومن دون أَن تنجح في تحقيق طموحات المواطن الصيني. وكان يعمل، في مقاله هذا، على إحياء الكونفوشيوسية، وطرحها بديلاً، وتصوراً مغايراً، في مقدوره تحقيق النهضة التي ينشدها الإنسان الصيني، والقيام بالإصلاحات السياسية المطلوبة.
السبب الرئيسي في اختيار دانيل بيل الكونفوشيوسية بديلاً عن النظرية الماركسية اعتقاده في قدرتها، على حد قوله، على توفير قدر أكبر من الحريات، وعلى تحقيق مساحةٍ أوفر من الحقوق. فهو يرشحها اختياراً مستقبلياً للبشرية، يبنى على أنقاض الديمقراطية الغربية، وكل تقنياتها التي تقوم عليها، مثل الانتخابات التنافسية، وطريقة اختيار الحكام. فهو يقترح الكونفوشيوسية بديلاً أفضل للإنسان من الديمقراطية الغربية، من حيث توفير حرية التعبير، وضمان تحقيق المصالح للمواطنين.
وحينما كتب أستاذ علم الاجتماع السياسي، السيد ياسين، مقاله "عصر ما بعد الديمقراطية" في صحيفة الاتحاد الإماراتية (25 نوفمبر تشرين أول 2010)، وتناول فيه تراجع دور الأحزاب التقليدية، والأيديولوجيات الكبرى، كالماركسية والرأسمالية والقومية، كان يقصد أفول عصر كامل لأفكار ونظريات وتصورات، حكمت حياة الإنسان، ووجهت نمط حياته، ونوعية مجتمعه، عقوداً طويلة. وكان يقصد، كذلك، نهاية عصر الأحزاب السياسية التقليدية، لتترك مكانها لصالح مؤسسات المجتمع المدني. فقد تنبأ بأفول كل النظريات القديمة، وسقوط الديمقراطية الغربية القائمة على الأحزاب السياسية، وتراجع دورها التقليدي. ما يبشر، حسب اعتقاده، بعصر جديد، من دون أحزاب تقوم على الأيدولوجيا المغلقة، في مقابل مشروع جديد، يحقق ما فشلت فيه الأيديولوجيات القديمة، والديمقراطية التقليدية، والتي لم تحقق وعودها التي قامت عليها، من احترام الفرد والعقلانية، وحل مشكلات الإنسان، ومعالجة أمراضه الاجتماعية، وإشباع حاجات الناس الأساسية، خصوصاً بعد أن ذابت الفوارق بين الأحزاب اليمينية واليسارية، بسبب طغيان عصر العولمة، وانهيار الحركات الشيوعية، وتراجع نظريات التخطيط الاقتصادي لحساب اقتصاديات السوق.
رشّح المفكر السيد ياسين ظهور أنساق فكرية مفتوحة، ومؤسسات المجتمع المدني، والأطر التي لا تؤسس على الإيديولوجيات الكبرى، بديلاً عن الأنساق الفكرية المغلقة والإيديولوجيات القديمة. وهذه الأنساق الجديدة تقبل ما يسميه الكاتب "التأليف الخلّاّق"، لتعبيراتٍ كان يظن، في الماضي، أنه لا يمكن التأليف بينها، مثل العلمانية والدين، والقطاعين الخاص والعام.
وحين تحدث دانيل بيل والسيد ياسين عن أفول الإيديولوجيات القديمة، كالماركسية والرأسمالية والقومية، وقبل ذلك النازية والفاشية، لم يكن الدين مطروحاً أمامهما بديلاً عن هذه الأنساق القديمة. ولم يكن الإسلام، تحديداً، مرشحاً خياراً جديداً، وتصوراً مغايراً عن الفكرين، الماركسي والاشتراكي، وكل النظريات التي حكمت العالم. ذلك أن دانيل بيل يرشح الكونفوشوسية أن تعوض النظريات التي حكمت القرن الماضي، أما السيد ياسين، فيتنبأ بدورٍ لمؤسسات المجتمع المدني، وكل الأطر التأليفية التي لا تقوم على الأيديولوجية المغلقة، لتكون بديلاً عن الديمقراطية الغربية والأحزاب السياسية التي تقوم عليها.
ما غاب عن المفكريْن، والأمر الذي لم يقرأا له حساباً، وهما يرصدان مستقبل الإنسانية، ويستشرفان أحوال البشرية، ومكانة الأنساق الفكرية التي هيمنت عقوداً على عقل الإنسان وحياته وسلوكه، هو أَنه قد يكون للإسلام مكان في مستقبل البشرية، فيلعب دوراً مؤثراً في تحقيق ما فشلت فيه كل الأيديولوجيات، ويعود الفكر الديني بقوة في التأثير والفعل الحضاري. هذه الحقيقة التي غابت عن فكر الرجلين، وتصورهما واقع الأحزاب السياسية اليوم، وكل النظريات والإيديولوجيات التي بشرت الإنسان بالرفاهية والسعادة المادية، وتحقيق أفضل إشباع لحاجاته الأساسية، تفرض نفسها بقوة، بعد ثورات الشعوب التي أطاحت الديكتاتوريات العربية، وحكامها المستبدين الفاسدين.
وقف العالم، اليوم، على معطى جديد، يرشح الدين الإسلامي لقيادة البشرية في السنوات المقبلة، ويقدم الإسلام السياسي بديلاً عن الأحزاب التقليدية التي أخذت حصتها، سنوات طويلة، لقيادة البشرية، وهيمنت على الفكر والتصورات والسلوك، وطرحت برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية، لتلبية طموحات الجماهير، وتحقيق حاجاتهم، من دون أن تقدر على تحقيق ما وعدت به، ومن دون أن تصل إلى ما بشرت به.
من أجل ذلك، من يدرسون، اليوم، واقع الثورات العربية، ويحللون أسباب فشل الأحزاب، ذات المرجعية الماركسية، وانهيار النظريات المغلقة التي وعدت الإنسان بالحرية والكرامة وتوزيع الثروات العادل، فأنتجت أنظمة حكم كليانية، وسلطات ديكتاتورية مستبدة، في ظل الدولة الوطنية العلمانية التي طبقت الفكر العلماني الذي لم يحقق دولة الإنسان والحرية ودولة الحق والعدل، من يدرسون ويحللون ذلك يرشحون الإسلام لقيادة البشرية في قادم السنوات، ويؤهلون الإسلام السياسي، ليلعب الدور المؤثر في الفعل الحضاري، وتحقيق ما فشلت فيه الأيديولوجيات القديمة. وذلك بما يتوفر عليه من عناصر قوة، وما يحتويه من تصورات، جاءت جميعها تخاطب الإنسان، وتعمل على إسعاده مادياً ومعنوياً، وتعتبر أن كل الوجود خلق من أجل هذا الإنسان، وأَن الأخير تدور حوله كل الموجودات، ومن أجله، سخرت الأكوان والمخلوقات، فهو محور الحياة وجوهر الخلق.
من أجل ذلك، تقوم فكرة الإسلام على تكريم الإنسان، وتفضيله وتشريفه. وهذه المكانة المميزة للإنسان هي التي تبنى عليها فكرة الدولة، ودور الحاكم، وطبيعة السلطة في الإسلام. فالعالم اليوم متجه نحو فكرة الإسلام، ونحو عصر عودة للإحياء الديني، ونحو إحلال الفكر الإسلامي محل الأيديولوجيات القديمة.