البدائل المقلقة للحبس الاحتياطي في مصر

14 يونيو 2018
+ الخط -
كعادة السلطات في مصر، عند تطبيق القانون، تتدخل الأهواء دائماً، بما يفرّغ فكرة تطبيق القوانين من مضمونها، فالقوانين في مصر تتم صناعتها مرفقاً بها ثغراتها وعباراتها المطاطة التي تمكّن القائمين على السلطة والأجهزة التنفيذية من مجاملة بعضٍ وتنكيلٍ ببعضٍ آخر بالقانون نفسه، تحت الظروف نفسها على الفعل نفسه، فكلمتا دولة المؤسسات ودولة القانون حق يراد به باطل وتنكيل وظلم.
وعلى الرغم من أن العالم يتجه إلى استبدال العقوبات البديلة بالعقوبات السالبة للحريات، فإن حقوقيين عديدين يتخوّفون من مساوئ التطبيق في مصر، فالسلطات الحاكمة في مصر لا تنظر إلى العقوبة بشكل عام وسيلة تأهيل، ولا تنظر إلى القانون أداة للتنظيم، ولكن يستخدم القانون والعقوبات في مصر وسيلة للانتقام والتنكيل واللاعدالة.
ويتم تنفيذ البدائل في دول كثيرة من أجل التقليل أو التخلي عن فكرة الحبس والسجن بشكل
عام، خصوصاً في حالات الجنح أو الجرائم التي يتم ارتكابها أول مرة، فما الفائدة التي ستعود على الدولة من تكديس الناس في السجون، حتى يخرجوا أكثر نقمةً على المجتمع؟ هناك بدائل للحبس مطبقة في مختلف الدول، مثل إيقاف التنفيذ، والإفراج الشرطي لباقي المدة، والوضع تحت الاختبار والمتابعة فترة محددة، وكذلك فكرة تحديد الإقامة، والغرامات اليومية البديلة لأيام الحبس، والخدمة العامة أو خدمة المجتمع بدون مقابل فترة محددة، وأخيراً المراقبة الإلكترونية، كما توجد أفكار أخرى تطبق بشكل سليم في دول كثيرة، مثل حظر الوجود في الأماكن التي تساعد الشخص على العودة إلى الجريمة، أو المنع من القيام بأنشطة معينة قد تؤدي إلى العودة إلى الجريمة، أو ضرورة الوضع تحت المتابعة والعلاج في حالات الإدمان.
ويعتبر تطبيق بدائل الحبس مراعاة لحقوق الإنسان وللعدالة الاجتماعية والعدالة التصالحية، وكذلك تطبيقاً لقواعد الأمم المتحدة للتدابير غير الاحترازية (قواعد طوكيو). وإذا طبقت بشكل صحيح تسهم بالتأكيد في تقليل الجريمة، فهي تقلل من اختلاط من ارتكب خطأ بسيطاً عن مجتمع معتادي الإجرام، ما يسهم في تسهيل عملية التأهيل والعودة إلى الطريق السليم. بالإضافة إلى ذلك، تقليل التكدس في السجون، وتقليل الإنفاق الضخم من ميزانية الدولة على السجون وإدارتها ومعيشتها، بجانب الحفاظ على الأسرة من التفكك في حالة استمرار السجن فترات طويلة وانقطاع مصدر الدخل، بجانب الفوائد التي تعود على الفرد والمجتمع من الانخراط في أعمال الخدمة العامة.
ولكن الأمر نفسه يحتوي على مخاوف كثيرة في مصر، فكل القوانين والقواعد في مصر وُضعت لتخترقها السلطة التنفيذية، كما أنه لا توجد إرادة سياسية من الأساس للإصلاح أو التهدئة أو تخفيف التكدس في السجون أو لمعالجة المشكلات المجتمعية الناتجة عن السجن. وإلا لما كانت كل هذه الأعداد المهولة في السجون المصرية، ولا كل السجون الجديدة التي يتم بناؤها كل فترة. فإذا كانت قوانين الإفراج الشرطي والمراقبة يتم استغلالها أسوأ استغلال، من أجل مزيد من القيود والحصار كما يحدث الآن، فالمراقبة التي يفترض (قانوناً) تكون مثل الإقامة الجبرية، أو التدابير، أصبحت حبسا ليليا متكاملا مطعّما بانتهاكاتٍ عديدة، فما بالك 
بالوسائل المستحدثة التي يفترض أن تكون بدائل للحبس. فيتوقع حقوقيون استغلال المراقبة الإلكترونية عن طريق السوار في مراقبة كل تحركات المفرج عنه صباحا ومساء، خصوصا في حالات النشطاء السياسيين. كما أن عبارة مثل حظر الذهاب إلى أماكن العودة إلى الجريمة يمكن استغلالها في حظر الذهاب إلى أماكن، مثل الأحزاب السياسية، أو أماكن تجمع المثقفين، أو حظر حضور الندوات التثقيفية، فكل هذه الأفعال مجرّمة ومذمومة لدى مَن هم في السلطة، بالإضافة إلى مخاوف العامة من روتينية وسوء تطبيق فكرة الخدمة العامة في مصر، فقد يتم استغلال ذلك واحداً من أنواع الاستعباد، بدون ضوابط، ولا حقوق، ولا تحديد لساعات العمل، فالطبيعي في مصر أنه لا توجد جهة للرقابة أو الشكوى، إلى جانب أن من يطبق القانون يعتبر نفسه فوق ذلك القانون.
وهناك النقطة المحورية، وهي نظرة نظام الحكم في مصر إلى الأنشطة السياسية بشكل عام، ومدى احترامها فكرة اختلاف الرأي، أو حرية الرأي والتعبير، وضرورة وجود المعارضة، فالجميع يعلم أن النظام في مصر قد يتسامح مع جرائم، مثل القتل والبلطجة وتجارة السلاح والمخدرات وسرقة أراضي الدولة، بل شوهد اعتماد نظام الحكم على هؤلاء، من أجل تثبيت أركان حكمه، أو أمور مثل حشد الناخبين وإرهاب المعارضين، بل شوهد من تورّط في جريمة قتل وتم العفو عنه، لكي يسرّع مهمة بناء العاصمة الإدارية الجديدة. أما نقْد السياسات أو التعبير السلمي عن الرأي فهو في عُرف نظام السيسي جريمةٌ، ما بعدها جريمة.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017