البحث عن حراك جديد

23 سبتمبر 2018
+ الخط -
كان حراك مسيرات العودة في بدايته، قبل 26 أسبوعاً، فكرة جديدة للمقاومة، أرادت بها فصائل قطاع غزة إيصال مجموعة من الرسائل الداخلية والخارجية، منها ما كان متصلاً بالحديث عن صفقة القرن الذي علا بعد فتح السفارة الأميركية في القدس المحتلة، وآخر ارتبط بالضغوط التي تمارس على القطاع من السلطة الفلسطينية ومصر، سيما في ما يخص الحصار وإغلاق المعابر وقطع الرواتب. استطاع الحراك لفت الأنظار في أسابيعه الأولى، على الرغم من تكاليفه البشرية الباهظة عبر سقوط عشرات الشهداء برصاص الاحتلال الإسرائيلي، وتمكّن من استقطاب الرأي العام العالمي في مرحلة من المراحل، حتى أن القائمين عليه، والحديث هنا تحديداً عن حركة حماس، استطاعوا الحصول على بعض المكاسب، على غرار مفاوضات التهدئة التي وصلت إلى مراحل متقدّمة، ولا تزال مساعي التوصل إليها قائمة، مع شمولها بتسهيلات تخفف عبء الحياة عن الغزيين، غير أن هذه المسيرات الأسبوعية باتت، مع مرور الوقت، على الرغم من محاولات تجديدها وإدخال عناصر جديدة إليها، مثل الطائرات الورقية وإحراق الإطارات، عملية روتينية لم تعد تأخذ الحيز الكبير من الاهتمام، لا في الإعلام الغربي ولا حتى العربي.
 انتبهت "حماس" إلى هذا الأمر، وانتقدته، قبل أيام، ما يشير إلى أنها تدرك أن المسيرات دخلت في مرحلةٍ لم تعد ذات جدوى، غير أن السؤال هو هل بدأت الحركة التفكير في وسيلة أخرى لإيصال الرسائل التي تريد، أو على الأقل إدخال تحديثاتٍ تعيد البريق إلى هذه التظاهرات، وحبذا لو بنسبة أقل من النزف البشري الذي يتكرّر أسبوعياً؟ إلى اليوم لا يبدو أن الحركة تنحو في هذا الاتجاه، فها هي مستمرة بتنظيم التظاهرات، مستكينة إلى أنها لا تزال تستطيع نيل المكاسب عن طريقها. وهي ترى في زيارة الوفد المصري إلى غزة أمس السبت، وما حمله معه من رسائل، دليلاً على أن المسيرات لا تزال تحدث إرباكاً لإسرائيل بالدرجة الأولى، وعبرها يمكن استدراج ما يمكن من العروض التفاوضية التي تخفّف من الضغط على قطاع غزة.
قد يكون هذا صحيحاً، لكنه مجتزأ، خصوصاً أن المسيرات، كما سلف، لم تعد تلقى الاهتمام الكبير، وباتت طقساً روتينياً، حتى للغزيين أنفسهم. ومؤكّد أن "حماس" تدرك هذا إلى حد كبير، وتدرك أيضاً أن الاهتمام المصري بالمفاوضات، والوصول إلى التهدئة، أو حتى نقل رسائل إسرائيلية إلى قادة الحركة، ليس نابعاً من مسيرات العودة، بل بالرغبة في الاستفادة من "حماس" في ملفاتٍ لاحقة، أمنية بالدرجة الأولى، لها علاقة بسيناء. الاهتمام نفسه تبديه إسرائيل، ولغاية مماثلة إلى درجة كبيرة، فعلى الرغم من أن المسيرات والطائرات تزعج المستوطنين في غلاف قطاع غزة، إلا أنها لم تصل إلى مستوى التهديد الأمني الكبير، ولا تستدعي حرباً، بل ربما تكثيف مفاوضات التهدئة، لتحقيق رغبة أمنية مختلفة عن وقف الطائرات الورقية، أو إحراق الإطارات، فما تصبو إليه دولة الاحتلال من إبرام اتفاق التهدئة هو نقل تجربة التنسيق الأمني من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، وإنْ بشكل غير مباشر، عبر الوسيط المصري، إذ لا بد أن يشمل أي اتفاق تهدئة لجنة تنسيق بين الأطراف الثلاثة، بغض النظر عما إذا كانت لقاءاتها ستكون مباشرة أو غير مباشرة.
بناء عليه، ربما تكون مسيرات العودة، والضغط الذي تريده "حماس" منها، قد استنزفت أغراضها، وحتى القدرة على المساومة من خلالها، ما يجعل فكرة استمراريتها غير ذات جدوى، والحاجة إلى ابتكار وسائل ضغط جديدة قد تكون ملحّة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".