البحث عن العدالة

07 يوليو 2017
("دمشق"، حروفية لـ محمود حمّاد، 1968)
+ الخط -

في فتوّتنا كان كبار السن يَعتبرون أن كل من يدرس في الجامعة حقوقياً، وأن كل من أنهى دراسته الجامعية، خاصة في جامعة دمشق، حين لم يكن في البلاد سوى جامعة واحدة، متخرّج من كلية الحقوق.

لم يكن السبب أن كلية الحقوق هي الكلية الجامعية الأولى التي تأسّست في سورية، في بدايات القرن العشرين وحسب (يمكن أن تكون كلية الطب قد تزامنت معها في النشأة)، بل لأن "الحقوق" ذاتها قد بدأت تشكل الوعي السوري الجديد، على مسائل معاصرة كثيرة، قد تبدأ بقضايا المواطنة، ولا تنتهي بأمور الأحوال الشخصية.

ومن الراجح أن يكون التقدير قد انصرف إلى الجانب القانوني الذي يرتبط بالمشاكل الحياتية اليومية أولاً، لا إلى الجانب السياسي من قضايا العدالة. غير أنه كان يشير إلى وعي ضمنيّ مبكر لضرورات وجود مؤسسات الحقوق التي سوف تضمن العدالة للمواطن.

وفي بداية السبعينيات من القرن العشرين كان الطلبة يزدرون تلك الكلية. وكانت الوزارة المعنية تشترط الحد الأدنى من درجات الثانوية للقبول في مقاعدها. كانت المرحلة قد بدأت تتسم عموماً باللامبالاة تجاه القوانين.

ومن الطريف أن يعكف المرء على كتابة تاريخ هذه الكلية، كي يعرف السوريون تاريخ وعيهم الحقوقي، وأشكال تطوّره خلال قرن من الزمان. وإذا ما تأمّل المرء اليوم في ما يحدث في هذه البلاد التي أسّست كلية لدراسة الحقوق، واحتفت بها وعمّمتها لتكون اسماً للدراسات العالية، فإن النتائج التي يحصل عليها ستكون بائسة.

وفي هذه الأيام نشهد في سورية صدامات حقيقية بين أطراف كثيرة حول معايير المحاسبة، خاصة منها تلك التي تتعلق بمحاسبة الجريمة وما حولها من جنايات ومخالفات واعتداءات يقوم بها أفراد ومجموعات متباينة الأهداف والتطلعات والمنافع والمصالح. وأساس الخلاف قائم على السؤال الضمني المرير الذي بات يقلق كثيرا من السوريين: أين الحق؟

واللافت اليوم أن أكثر ما يشغل بال معظم من استمعت إليهم، في أيامنا هذه، في مسائل الحقوق، هو العقاب لا العدالة، ومن الصعب أن تحظى بنقاشات حول العدالة عامة، أو العدالة الانتقالية. وفي هذا السياق يتم تسفيه القانون الوضعي، واتهامه بالغياب أو العجز.

والانشغال بالعقاب يُفضي إلى محاولات استبدال المؤسسة القضائية، بهيئات أهلية بديلة تعمل على العقاب، لا المحاكمات. في الغالب لا يبحث الناس في زمن الحرب عن العدالة، وهو تراجع في منظومة الأهداف التي نادى بها الشارع السوري في بداية الثورة. وقد يكون السبب هو الفلتان الأمني المروّع الذي يهدّد الحياة نفسها. غير أنه لن يفضي إلا إلى مزيد من الاستنفار المتبادل بين الناس.

ومنذ تلك الأيام التي كتب فيها دوماس "الكونت دي مونت كريستو" ظلّ الانتقام يزيّن للبشر طريقاً مرضية لاسترداد الحقوق. لكنه في الغالب يرضي نزوع بعض الناس لتصفية الحسابات. وأخطر ما فيه أنه يعتقد بقدرة الأفراد أو الجماعات على تحقيق العدل المفقود أو المضيّع. غير أنه سيكون جريمة أخرى مجرّدة من الأخلاق، حين ستكون إحدى نتائجه سلسلة من الثأر والثأر المضاد بالضرورة.

دلالات
المساهمون