الباطش والمبطوش به في دولة الفساد المصرية

18 يناير 2016
ذكرى الثورة المصرية (أحمد اسماعيل/ وكالة الأناضول/ Getty)
+ الخط -
كلما اشتدت أزمة السلطات الحاكمة تشتد يدها في البطش، حتى لو كانت المؤسسات المبطوش بها جزءاً من الدولة. ولعل هذا الوضع يمثل أبرز ملامح الأزمة التي تعيشها النظم العربية. فالدولة تتخلى عن أدوارها وتشرع الفساد وتمارس القمع لحماية قوى الفساد المرتبطة بها، مع توسع دوائر وأشكال وقطاعات الفساد، تتعمق الأزمة العامة للدول العربية، الأمر الذي يعيق أي جهود أو حلول لتجاوز أزمتها الاقتصادية.
على جانب آخر يشكل الفساد مرآة لقراءة أحوال الشعوب. فهو يعكس أشكال الظلم المتنوعة. الأغلبية تعيش أزمتها الاقتصادية وتعاني في تفاصيل حياتها اليومية بينما رجال السلطة يتمتعون بالنفوذ ويراكمون الثروات.

حين تفسد السلطة يتعمق الإحساس لدى أفراد المجتمع بالتمييز وافتقاد العدالة، فمواردهم تنهب وأوطانهم تسرق، وتكتنز خيراتها قلة تستأثر بالسلطة.
تدعي الدولة المصرية محاربة الفساد كلما زاد السخط على أدائها. تعترف رموز الحكم بحالة الفساد، لكن السلطة تنفي أن الفساد يتوسع ويهيمن، وتبرر فسادها أحيانا بفساد المجتمع ككل، رافعة شعار "كلنا فاسدون".
وصفت مصر عبر عقد مضى بأنها من أكثر الدول فسادا، ورغم ذلك لم تتخذ سلطة مبارك مواقف جادة ضد الفساد وآليات صناعته. اكتفت بالسعي لتحسين صورتها وتعديل مؤشرات الفساد، نخب مبارك استشعرت الخطر، ورأت أن الفساد امتد إلى من دونهم، فتجاوزت الظاهرة حالة الفساد كبار الموظفين ورجال الأعمال والمقربين منهم، لتشمل قطاعات أخرى. رأى الفاسدون الكبار أن توسع الفساد لمن دونهم، يهدد استمرارهم في السلطة، بل واستمرار النظام ككل.
التفت سلطة مبارك حول ظاهرة الفساد بعده إجراءات منها تشكيل "لجنة الشفافية والنزاهة" وتوقيع اتفاقية مكافحة الفساد نهاية عام 2003، وقدمت للمحاكمة عدداً من كبار المسؤولين بتهم الفساد. إلا أن مؤشرات المحاسبة والعقاب لم تتناسب مع حجم ما تم الكشف عنه من قبل الأجهزة الرقابية، واختصرت مهامها في إعلام مؤسسة الرئاسة بوقائع الفساد.
رفضت السلطات المتتالية تحويل تبعية أجهزة مراقبة الفساد ومنها الجهاز المركزي للمحاسبات إلى البرلمان وظلت تبعيتها لمؤسسة الرئاسة، وبذلك اختصرت وظيفة تلك الأجهزة لتستخدم تقاريرها في الصراع السياسي وضبط رجال السلطة حسب أهواء الحاكم، حجبت الحقائق عن أي هيئة منتخبة بقصد، وعبر مسمى سرية التقارير حرم الشعب من حق المعرفة والرقابة.
يمكن القول إجمالاً بأن مصر لم تتخذ خطوات جادة ودالة على رغبة الدولة في محاربة الفساد، وهذا بالطبع يتعلق ببنية النظام وطبيعة الفئات الحاكمة التي تستفيد من منظومة الفساد، ويكشف في ذات الوقت طريقة أداء النظام الذي يرى أن مجرد الإعلان عن الفساد يسيء إلى سمعة النظام. يمكن قراءة ردود أفعال الدولة حين أعلن هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات عن وقائع فساد متكررة طاولت أجهزة السلطة ورجالها. استغل رجال النظام تصريحات جنينة ليتم ذبحه وتقديمه للعقاب. وأمام تحصين منصبه وعدم إمكانية عزله، أصدرت السلطة قانوناً يجيز عزل مسؤولي الأجهزة الرقابية إذا أضر عملهم بالأمن القومي. لم تكتف السلطة بهذا التشريع لإقالة جنينة ولكنها شكلت لجنة من الرقابة الإدارية لبحث مدى صحة الأرقام المعلنة حول الفساد، كما تعرض لحملات تشويه وهجوم حاد كلما خرج متحدثاً عن القطاعات الأكثر فساداً وكمية الأموال المنهوبة التي وصلت إلى 600 مليار جنيه خلال 2012-2015. كل من يؤيد السلطة من رجال أعمال ووسائل إعلام يحرض على جنينة، بدعوى أنه يضخم من ظاهرة الفساد ويهدد السلم الاجتماعي، ويفشي أسرار الدولة. الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين هو أحد مبررات تصريحات هشام جنينة حول الفساد، هكذا ترى دولة الفساد أنها فوق الشبهات وأن كل من ينتقدها يصبح في صف الإخوان، لا تشغل وقائع الفساد النظام، بقدر انشغاله بتبرئة نفسه. إننا أمام فصل جديد من فصول هيمنة الفساد على مؤسسات الحكم حيث تستخدم فيه آلية التشريع وكل ترسانة القوانين الاستبدادية.
(باحث مصري في الأنثروبولوجيا الاجتماعية)

اقرأ أيضاً: عودة برلمان مبارك: الكل يوافق
المساهمون