يحتدم الصراع ويشتد التنافس من أجل الاستحواذ على مدينة الباب، كبرى مدن ريف حلب الشمالي الشرقي، من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بين قوات المعارضة السورية التي باتت على أبواب المدينة، وبين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكّل "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي. ما ينذر بصدام بين القوتين، لإدراك "قسد"، أن سيطرة المعارضة على مدينة الباب، ستُسقط خططا انفصالية تجهد منذ أعوام لتكريسها في الشمال السوري.
في هذا السياق، تفيد مصادر عسكرية في عملية "درع الفرات"، بأن "قوات المعارضة السورية حطّمت خط دفاع داعش عن مدينة الباب، من خلال السيطرة على قرى سوسيان، وقاح، وحزوان من الغرب، والشمال الغربي للمدينة"، مشيرة إلى أن "أياماً قليلة، تفصلها عن السيطرة على الباب بشكل كامل". لكن "قسد" عادت وسيطرت الأربعاء، على قرى عدة، شرق مدينة الباب، إثر انسحاب مسلحي "داعش" منها، أثناء محاولتهم التمترس داخل المدينة، وبدء حرب استنزاف للقوات المهاجمة.
وعلى الرغم من تضاؤل فرص قوات "قسد" أمام تقدم "درع الفرات" للسيطرة على الباب، فإن سيطرتها مجدداً على قرى جديدة، شرق الباب على الضفة الغربية لنهر الفرات، تشكل تجاوزاً لتحذيرات تركية، بعدم الاقتراب من المدينة، ما يؤكد نيتها خلط الأوراق مرة أخرى، ونقل الصراع على ريف حلب الشمالي، والشمالي الشرقي، إلى مستوى الصدام المسلّح مع قوات المعارضة المدعومة من تركيا، مع ما يحمل ذلك من آثار خطيرة على مجريات المعارك الدائرة من أجل طرد "داعش" من تلك المناطق.
وتكتسب مدينة الباب أهمية استراتيجية فريدة في شمال سورية، وهذا ما يفسّر إصرار مختلف الأطراف على الوصول إليها أولاً، إذ تتقاطع معطيات ومصادر عدة بأن "قوات النظام، تتحفّز هي الأخرى للقفز إلى المدينة، في ظلّ تمركزها على بعد 12 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي منها، ولو أن هذه الفرضية تبدو مستبعدة إلى حدّ كبير، نظراً لعدم امتلاك النظام قوة عسكرية كافية في تلك المنطقة، تؤهله لخوض غمار معركة الباب مع داعش".
وتعدّ الباب كبرى مدن ريف حلب الشمالي الشرقي لجهة عدد السكان، واتساع رقعة ريفها الجغرافية، ويبلغ عدد سكان المدينة وفق مصادر محلية، نحو 100 ألف نسمة، فضلاً عن حوالي 150 ألف نسمة منتشرين في نحو 150 بلدة وقرية، تتبعها وتقع حولها، وأكبرها مدينة تادف، التي تقع جنوباً على بعد كيلومترات عدة، ويربو عدد سكانها على نحو 30 ألف نسمة. وهي المدينة المتوقع أن ينسحب مسلّحو "داعش" إليها في حال خروجهم من الباب.
وكانت قوات المعارضة السورية مدعومة من الجيش التركي، قد بدأت أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، عملية "درع الفرات"، واستطاعت خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، فرض السيطرة على مساحةٍ تتجاوز الـ1700 كيلومتر مربع، بينها 207 مناطق مأهولة بالسكان، ولكنها لم تستطع حسم معركة الباب بالسرعة ذاتها، لـ "أسباب لوجستية، ولخلافات بين الفصائل المشاركة في العملية"، وفق العقيد هيثم عفيسي، قائد اللواء 51 التابع لـ"الجيش السوري الحر"، المشارك في عملية "درع الفرات" إلى جانب العديد من فصائل المعارضة المسلحة.
في هذا الإطار، يؤكد عفيسي في حديث مع "العربي الجديد"، الأنباء عن تحرك قوات "قسد" باتجاه مدينة الباب، موضحاً أن "فصائل المعارضة تراقب عن كثب هذا التحرك، الذي لم يفاجئها". ويشير إلى أن "تأخر قوات المعارضة في حسم المعركة، دفع قسد إلى التقدم باتجاه المدينة من جهة الشرق"، منوهّاً إلى أن "قوات المعارضة على أهبة الاستعداد لاقتحام المدينة، لقطع الطريق أمام قسد، لأن قوات المعارضة باتت تحيط بالمدينة من جهتي الغرب والشمال".
وحول سيناريوهات المعركة، يوضح عفيسي، بأن "فصائل المعارضة لن تلجأ إلى أسلوب حصار المدينة، نظراً لصعوبته"، مشدّداً على أن "قوات المعارضة ستقتحم المدينة مباشرة في أقرب فرصة، لتنهي وجود التنظيم فيها، والذي دام نحو عامين ونصف العام".
من جانبه، يؤكد مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تُشكّل "وحدات حماية الشعب" ذراعاً عسكرية له، سيهانوك ديبو، نية "قسد" التوجه نحو الباب. ويقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هدفنا هو أن تكون كل سورية محررة من الإرهاب والاستبداد، ولا يمكن استثناء مدينة الباب من ذلك". ويتهم فصائل المعارضة المنضوية في عملية "درع الفرات" بـ"تنفيذ أجندة تركية في شمال حلب"، معتبراً هذه الفصائل "خصماً" بسبب ذلك، كما يتهم تركيا بالتصعيد، من خلال إعلان نيتها الاتجاه نحو مدينة منبج.
وتشكّل الباب أهمية كبرى لدى حزب الاتحاد الديمقراطي، في مسعاه لتشكيل إقليم يحمل طابعاً كردياً على طول الشريط الحدودي الشمالي للبلاد، بموازاة الحدود مع تركيا، فهي تتيح له ربط كانتونات الإقليم "المُتخيل" جغرافياً من محافظة الحسكة شمال شرقي سورية، إلى مدينة عفرين، شمال غربي حلب، مروراً بمدينة تل أبيض شمال الرقة، وعين العرب ومنبج شمال شرقي مدينة حلب.
ويعتبر تشكيل هذا الإقليم الذي تقع مدينة الباب في قلبه، خطاً أحمر لدى أنقرة، التي دعمت عملية "درع الفرات" لقطع الطريق أمام خطط الاتحاد الديمقراطي، الرامية إلى فرض هذا الإقليم كأمر واقع، مستنداً إلى دعم أميركي، بعد تحوّل قوات هذا الحزب إلى ذراع لوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) على الجغرافيا السورية، و"الشريك المفضّل" لدى التحالف الدولي في الحرب ضد تنظيم "داعش" في سورية.
وتتجه المعارضة السورية، ومليشيا "وحدات الشعب"، التي تشكّل عماد وقيادة "قوات سورية الديمقراطية" إلى صدام حتمي في حال استمرار محاولات هذه المليشيا، توسيع نطاق نفوذها الجغرافي في شمال، وشمال شرقي حلب، تحديداً في محيط مدينة الباب.
كما تطالب المعارضة المليشيا بالانسحاب من مواقع هامة سيطرت عليها في فبراير/شباط الماضي، تحت غطاء ناري من الطيران الروسي، إبان استعار الخلاف بين أنقرة، وموسكو، وأبرزها مدينة تل رفعت (40 كيلومتراً شمال حلب)، ومحيطها، وهو ما رفضته الوحدات الكردية مراراً.
من جهته، يؤكد القيادي في "الفرقة 13"، المشاركة في عملية "درع الفرات"، المقدم أبو حمود، بأن "الصدام مع مليشيا وحدات الشعب واقع لا محالة في حال تقدمها باتجاه الباب". ويلفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "كل الأطراف السورية والإقليمية، تسعى للوصول إلى مدينة الباب، لما لها من دور حاسم في تقرير هوية الطرف الذي سيوقع خاتمة التنظيم"، مضيفاً بأن "من يفرض نفسه في معركة الباب، هو صاحب القرار بالنسبة للرقة".
وكانت مليشيا "وحدات الشعب"، أعلنت الثلاثاء، انسحابها من مدينة منبج، التي انتزعت السيطرة عليها من تنظيم "داعش" في بداية أغسطس/آب الماضي، لكن مصادر في المعارضة تجزم أن هذه المليشيا لا تزال موجودة في المدينة.
وينفي المجلس المحلي للمدينة التابع للمعارضة، أن تكون مليشيا الوحدات قد انسحبت، مؤكداً في بيان له الخميس، أن "المليشيا تحاول إيهام الرأي العام والمجتمع الدولي"، مشدداً على أن "تحرير منبج وتطهيرها هي وغيرها من المدن التي يوجد بها حزب الاتحاد الديمقراطي، واجب وطني نسعى لتحقيقه مهما بلغ الثمن"، وفق البيان. كما تُشدّد قيادات في "الجيش السوري الحر" على أن "وحدات حماية الشعب" لم تنسحب من منبج بعد، مشيرة إلى أن المرحلة الرابعة من "درع الفرات" تتضمن طرد هذه المليشيا إلى شرق الفرات.