الانعكاس.. يبكي ويضحك

08 يناير 2015
سمع باجيو فيورنتينا صوت اقترب من الغرفة فاختفى سريعاً(Getty)
+ الخط -

سماء فلورنسا كانت سوداء مُظلمة يومها، لم يكن هُناك أثر للقمر على الإطلاق، فقط بعض النجوم تلمع فى ظلام السماء على استحياء وكأن حتى السماء لم تكن راضية عما يحدث تحتها.

لم تكن الوجوه الجالسة حول طاولة الاجتماعات الرئيسية أقل سواداً من السماء، على رأس الطاولة جلس رئيس نادي فيورنتينا ومن حوله أعضاء مجلس إدارة النادي، قال أحد الجالسين على الطاولة موجهاً حديثه إلى رئيس فيورنتينا: لا يمكننا أن نفعل هذا، سنندم على هذا القرار حتى آخر يوم فى حياتنا، كيف نبيع أفضل لاعب لدينا؟ كل إيطاليا تحسدنا عليه.

وقف رئيس الفيولا وتعبيرات وجهه ممتلئة بالحزن والغضب وقال: أنا أعلم كل ما تقوله يا ألفريدو، بل أحفظه عن ظهر قلب وأعيده على مسامعي كل يوم قبل أن أخلد للنوم، ولكن ماذا عليّ أن أفعل؟ النادي يتعرض لضائقة مالية لم يتعرض لها من قبل، ماذا عساني أن أفعل، أبيع باجيو أم أُعلن إفلاس فيورنتينا؟

لقد نفذ الأمر، أرسلت ليوفنتوس أبلغهم إنني وافقت على العرض الأخير، العرض لا يمكن رفضه خصوصاً في تلك الظروف، الاجتماع انتهى.

ساعات قليلة وخرج الخبر إلى النور، علم الجميع أن إدارة فيورنتينا قررت بيع باجيو لليوفي، وما إن سمع جمهور الفيولا الخبر حتى تجمهر أمام بوابات النادي مُعترضاً علي بيع باجيو، التظاهرات امتدت في أنحاء فلورنسا، بل وتطورت إلى أعمال عُنف، ولكن كان باجيو قد أصبح لاعباً لليوفي بالفعل. وأن شيئاً لن يغير ذلك.

مرت الأيام سريعاً، اليوم الذي ظل باجيو يتمنى ألا يأتي أصبح واقعاً لا مفر منه، يوم مباراة يوفنتوس وفيورنتينا.

ارتدى جميع لاعبي اليوفي زي الفريق وخرجوا إلى الممر المؤدي إلى ملعب المُباراة وبقي باجيو وحده في غُرفة خلع الملابس يُحملق فى مرآه تعكس صورته، ولكن انعكاس باجيو كان يرتدي زي فيورنتينا وليس يوفنتوس.

وجه باجيو كلماته لانعكاسه في المرآه: اُخرج من هُنا، فريقك بالكامل في الممر المؤدي إلى الملعب، لا تجعلهم ينتظرون.

رد الانعكاس: أشعر أنني لو خرجت من هُنا سأنضم إلى ركب فيورنتينا، سأنسى أنني انضممت ليوفنتوس.

باجيو: أنتَ الآن لاعباً لليوفي، يوفنتوس فريق كبير، أكبر من فيورنتينا، يمكنك تحقيق المستحيل بالرداء الأبيض والأسود.

الانعكاس: اليوفي فريق كبير بالتأكيد، لكن أنا فقط لا أستطيع، لا أعلم كيف أواجه الأمر، كيف لي أن أتجه إلى جمهور غير جمهور الفيولا لأتلقى منه التحية وأردها له؟ كيف؟

سمع باجيو فيورنتينا صوت خطوات اقترب من الغرفة، فاختفى سريعاً وكأنه لم يكن موجوداً من الأساس، جاء صوت عامل غرفة خلع الملابس من خلف الباب "روبيرتو، الفريق في انتظارك"، جفف باجيو ما تبقى من دموعه وخرج لينضم إلى فريقه الجديد.

بدأت المباراة وبدأ معها هتاف جمهور الفيولا ضد باجيو، الأمر كان غريباً، أحدهم كان يهتف ضد باجيو بغضب عارم وعين دامعة وهو يرتدي قميص باجيو في فيورنتينا.

هو يعشقهم وهُم يعلمون وهُم يعشقونه وهو يعلم ذلك أيضاً، ربما يهتفون ضده من فرط حبهم له، الأمر مُعقد، المعادلة صعبة للغاية.

الحكم يحسب ضربة جزاء ليوفنتوس وباجيو هو المسؤول الأول عن تسديد ضربات الجزاء، نظر باجيو للكرة تارة ثم إلى جماهير الفيولا مرة أخرى، في داخله كان باجيو قد اتخذ قراره، لن يسدد ضربة جزاء في مرمى فيورنتينا، لن يُحرز هدف في مرماهم.

أشاح باجيو بنظره عن الكرة واتجه مُبتعداً عنها وسددها لاعب آخر، بل أضاعها بديل باجيو في التسديد، ضياع ركلة الجزاء تلك تسببت في خسارة اليوفي يومها.

بعدما رفض باجيو تسديد الكُرة أخرجه المُدرب من الملعب، نظر باجيو على لوحة الأرقام التي تشير إلي تبديله وشعر بثِقل الحِمل علي عاتقه، جاءت اللحظة التي كان يتمنى ألا تأتي، حان الوقت الآن لمواجهة مباشرة بين الديبين كودينو باجيو وجمهور الفيولا، دمعت عيناه وهو يغادر المستطيل الأخضر وعلى الجانب الآخر جماهير الفيولا الحانقة.

وقف المُشجع الذي يرتدي قميص باجيو، يهتف ويهتف ويهتف وما أن رأى باجيو ألقى عليه وشاحاً عليه شعار فيورنتينا، طار الوشاح حتي سقط أرضاً، رغم أن الرؤية لم تكن واضحة لدى باجيو من أثر الدموع التي ملأت عينيه إلا أنه رأى الوشاح على الأرض، فألتقطه باجيو ووضعه على رقبته بعد أن قبله، ربما كانت تلك القُبلة هي اعتذار رسمي من باجيو للجماهير أو إنه فقط لم يستطع أن يرى شعار الفيولا واقعاً علي الأرض!


*مصر

المساهمون