وانسحبت مجموعة من القوات الأميركية، صباح أمس الإثنين، من شمال سورية إلى الأراضي العراقية. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن ثلاثة أرتال عسكرية من الجيش الأميركي غادرت الأراضي السورية صباح أمس من معبر سيمالكا الحدودي بين سورية وإقليم كردستان العراق. وأضافت المصادر أن هذه القوات كانت قد تجمّعت يوم الأحد في مدينة القامشلي، بعد انسحابها من نقاط عدة من بينها مطار صرين العسكري بالقرب من مدينة عين العرب في ريف الرقة الشمالي الغربي، وقاعدة خراب عشك الواقعة أيضاً بالقرب من عين العرب.
وكانت القوات الأميركية قد أخلت أمس الأول الأحد قاعدة عسكرية لها في مطار صرين العسكري بالقرب من مدينة عين العرب، بعد أيام من اتفاق تركي أميركي وضع حداً للعملية العسكرية التي قام بها الجيش التركي و"الجيش السوري الوطني" الذي يضم فصائل من المعارضة السورية، ضدّ "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في منطقة شرقي نهر الفرات.
وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أنّ الرتل العسكري الأميركي المنسحب من المطار سلك طريق القامشلي، وسط تحليق لطائرات مروحية تابعة للتحالف الدولي في سماء المنطقة. وكانت القوات الأميركية أخلت في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي قاعدة "خراب عشك" في منطقة عين العرب، والتي كانت تعدّ من أهم القواعد الأميركية في منطقة شرقي نهر الفرات. وعقب انسحاب هذه القوات، دمّر طيران "التحالف الدولي" القاعدة المذكورة التي أقامها التحالف الدولي في المنطقة عام 2015 في بداية الحرب ضد تنظيم "داعش".
وكانت القوات الأميركية قد أخلت كذلك نقاط تمركز لها في مدينة تل أبيض وريفها، قبيل العملية العسكرية التركية، كما أخلت قاعدة لها في منطقة تل بيدر في ريف الحسكة ما بين الدرباسية ومدينة الحسكة مركز المحافظة.
كذلك، أعلنت القوات الأميركية منذ أيام خروجها من مدينة منبج من قاعدة السعيدية غربي المدينة، ومن ثمّ لم يعد هناك أي وجود أميركي في غربي نهر الفرات. كما لم تتأخر القوات الأميركية في إخلاء قاعدة هامة لها في منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، لتحلّ على الفور فيها قوات تابعة للنظام والروس.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية أقامت العديد من القواعد العسكرية في عموم منطقة شرقي نهر الفرات أثناء محاربة تنظيم "داعش" وبعد القضاء عليه، ولكن قواعد اللعبة تغيّرت، ما دفعها إلى إخلاء بعض القواعد، إذ أخلت أيضاً قاعدة في منطقة قصر يلدا شمال غربي بلدة تل تمر في ريف الحسكة، والتي سيطرت عليها بعد ذلك قوات النظام التي دخلت بموجب اتفاق مع "قسد" للانتشار على الحدود السورية التركية لإيقاف العملية العسكرية التركية.
ومن الملاحظ أنّ القوات الأميركية أخلت قواعدها ضمن المنطقة الآمنة التي يريد الأتراك إقامتها في شمال شرقي سورية على طول 444 كيلومتراً وبعمق 32 كيلومتراً، أي المنطقة التي تقع شمال الطريق الدولي من حلب إلى الحسكة والمعروف بـ "ام 4".
ولا تزال القوات الأميركية تحتفظ بقاعدتين هامتين لها في ريف الحسكة؛ الأولى في منطقة رميلان الغنية بالنفط، وتضم مهبط طائرات شحن عسكرية، وفق ما تقوله مصادر محلية لـ"العربي الجديد". وتشير المصادر إلى قاعدة أخرى لا تزال القوات الأميركية موجودة فيها وتقع بمنطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي والتي تضم كذلك مهبطاً للطائرات المروحية ومعسكراً للتدريب، وتعدّ من القواعد الأميركية الهامة في شرقي سورية.
وفي ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات، تحتفظ وزارة الدفاع الأميركية بقواعد ونقاط تمركز عدة، لعلّ أبرزها قاعدة في حقل العمر النفطي بالقرب من قرية الشحيل، والذي يعدّ من أكبر حقول النفط في سورية، وكانت سيطرت عليه قوات "قسد" بدعم من التحالف الدولي عام 2017. وتؤكد مصادر مطلعة من المنطقة أنّ القاعدة في حقل العمر النفطي تضم مستشارين أميركيين وفرنسيين.
ولكن القاعدة الكبرى للتحالف الدولي على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة والتي من المتوقع أن تظلّ لفترة طويلة، هي قاعدة "التنف" على الحدود السورية العراقية. وقد كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية "كان"، الأربعاء الماضي، أن إسرائيل طالبت الولايات المتحدة بالإبقاء على القاعدة العسكرية الأميركية في تلك المنطقة، التي تقع في مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية. ولفتت القناة إلى أنّ تل أبيب أوضحت أنّ الوجود الأميركي في قاعدة التنف، يكتسب أهمية كبيرة بسبب دور هذه القاعدة في مراقبة الحدود العراقية السورية، وإسهامها في عدم تمكين إيران من تدشين ممر بري يصل طهران ببيروت مروراً ببغداد ودمشق.
وأقيمت قاعدة "التنف" في عام 2014. وحرّم التحالف الدولي على قوات النظام والمليشيات التابعة له، الاقتراب من القاعدة على مسافة 55 كيلومتراً والتي تنتشر فيها فصائل تابعة للمعارضة السورية، من أبرزها "جيش مغاوير الثورة"، و"قوات الشهيد أحمد العبدو"، و"جيش أسود الشرقية"، و"جيش أحرار العشائر"، والتي تخضع للتحالف الدولي. وتؤكد مصادر مطلعة أنّ القاعدة تضم جنوداً من دول عدة ضمن التحالف الدولي، كما تضم أسلحة متطورة. ومن الواضح أنّ الولايات المتحدة لا تنوي إخلاء القاعدة في الوقت الحالي كي لا تفرض إيران سيطرة مطلقة على المنطقة، وهو ما يمكّنها من تحقيق مخطط يهدف إلى ربط طهران بالبحر المتوسط بطريق بري يمرّ من العراق وسورية ولبنان.