الاندماج الأسترالي الصعب

11 مايو 2020
تشابه بين أوضاع الهجرة الأوروبية والأسترالية(ناصر السهلي)
+ الخط -
رغم أن لغة الضاد وثقافتها تشكلان ولعا عند مهاجرين كثر من وجوه عربية-أسترالية كثيرة، يبرز في الحوار الطويل مع عديدين منهم ما يشير إلى صنوف الازدواجية التي يعيشها عربي مهاجر إلى قارة بعيدة. فالهجرة إلى أستراليا، وخصوصا في العصر القريب، تحمل عناوين اللجوء، وبالأخص من دول تعاني ويلات حروب في العراق وسورية، على سبيل المثال.
ورغم التعددية والتنوع اللذين يصبغان المجتمع الأسترالي، القائم بالأصل على إثنيات وأقوام مهاجرة، وإن كانت فاتحته من الجزيرة البريطانية قبل بضعة قرون، ثمة ما يتشابه بين حياة الهجرة العربية الأوروبية والأسترالية.


نتناقش مع ضيوفنا المقيمين في القارة الجنوبية عن الاندماج العربي، ليكشف بعضهم وجها مشابها للحال في غرب وشمال أوروبا. فرغم اتساع المساحة والمسافات الكبيرة في أستراليا، والتي لا يتعدى عدد سكانها بضعة وعشرين مليونا، تجد أسرا عربية كثيرة صعوبة في التأقلم والاندماج، ويعيدها العارفون بعلوم الاجتماع في ذلك البلد، ومن عربها تحديدا، إلى "خوف من الذوبان والمجهول".
ويتكرر في أستراليا خطأ حدث في برلين واستوكهولم وكوبنهاغن وغيرها من مدن القارة العجوز التي تضم مئات آلاف العرب. فرغم كل المساحات الكبيرة والفرص المتاحة في مختلف المقاطعات الأسترالية فإن "العرب، وغيرهم بالطبع، تجدهم يسرعون بعد الهجرة/ اللجوء إلى حيث يقيم عرب آخرون، فنصبح أمام ما يشبه تكتلات - غيتوهات"، كما تذكر متطوعة عربية في مجال الدمج المسؤولة عنه دائرة الهجرة وسلطات مختلفة.

لقطة تستحق الذكر أيضا في أستراليا، وتشبه غيرها عند مجتمعات هجرة عربية في أوروبا. فبعض اللاجئين، وخصوصا من سورية، ورغم حصولهم على الإقامة وزوال الخطر المحدق بحياتهم، ترى "بعضهم يعيش رعبا من نظام حكم هربوا منه، وما تزال ثقافة الهمس وعدم المشاركة بأنشطة تقوم على الخوف من تبعات ذلك عليهم من أجهزة أمنية هم بعيدون عنها".

بل وفي سياق متصل، تذكر الأديبة دينا سليم حنحن أن "البعض حين يعرف أنني وأسرتي من الداخل الفلسطيني يرتعب منا، ويتجنب الحديث معنا علنا، ويبرر هؤلاء خوفهم مما قد يحصل لهم بتواصلهم معنا إن زاروا سورية على سبيل المثال". وتعتبر حنحن أن ذلك يسبب لها معاناة مع بعض العرب الذين نشأوا على الخوف من سماع كلمة عبرية أو أنك من الداخل الفلسطيني، رغم أن الناس "تعرف أننا فلسطينيون ومقيمون على أرضنا التاريخية، وهو ما يتسبب بنكوص بعضهم عن المشاركة في الحياة الثقافية في بريزبن".


طبيعي جدا أن يبحث الناس في المغتربات عمن يشبههم، وهو أمر تجده لدى مختلف الجاليات، من أميركا إلى أوروبا فأستراليا، وهو أيضا ما يفعله مقيمون أوروبيون في الأندلس الإسبانية، المتحولة منذ سنوات إلى مستقر للمتقاعدين من بريطانيا وألمانيا وهولندا واسكندنافيا. لكن، ثمة فارق بين الحالات، ففي حين لا يجد الأوربيون مشكلة في الاندماج في إسبانيا، حتى ولو تكتلوا في بعض المجمعات، فإن الخوف من اندماج الأبناء في أستراليا يؤدي إلى ما يشبه الانفصام عند جيل يعيش تناقضا بين البيت والشارع والمدرسة. فبدل أن يخلق بعض الأهل حالة استرخاء، بتأقلم إيجابي يحافظ على هويتين ثقافيتين، يسود جو من التشنج بين جيلي اللجوء.
 
الأبناء عادة يسهل عليهم تعلم الإنكليزية في مجتمع تعددي في مختلف مدن أستراليا، فيما جعبة الصدمات نتيجة المعاناة والحروب "تؤدي بكبار السن من الأهل إلى الاصطدام بمصاعب لغوية واندماجية"، كما تذكر إحدى الشخصيات العربية على تماس بالمجتمع العربي-الأسترالي. ويختار بعضهم السفر إلى لبنان، أو أي بلد جاؤوا منه، بعد الحصول على الجنسية "خشية ذوبان الأبناء"، وليعلموهم العربية في بلادهم، ثم يعودون بعد سنوات لتتولد المزيد من مشاكل الانفصام بين الجيلين.

في بعض مجتمعات الهجرة بأستراليا، يؤدي تكدس الناس في تجمعات سكن متجاورة إلى نشوء حالة وكأنهم لم يهاجروا عمليا، بل وكأنهم يعيشون في القرية والمدينة التي هجروها. البعض يرى أنه شيء إيجابي "يخفف عن اللاجئين الشعور بالوحدة"، لكنه في المقابل، وحين يسيطر الخوف من المجهول، يحدث تصادم تربوي، وللأسف ينتشر عنف أسري، يتغذى عليه الإعلام المعادي للمهاجرين عموما.
تبقى مسألة الاندماج عموما قضية صعبة وتقوم للأسف على أوهام كثيرة تعتبر الاندماج والتأقلم انسلاخاً، رغم أن الفوارق كبيرة بين الحالتين.


دلالات
المساهمون