الانتفاضة اللبنانية تطيح حكومة الحريري وتتحدى البلطجة

بيروت

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
30 أكتوبر 2019
C82EED50-B589-4C0B-8F40-BA4AE20B95F8
+ الخط -


بعد 13 يوماً حققت الانتفاضة اللبنانية أولى انتصاراتها بإعلان رئيس الوزراء سعد الحريري، استقالته وتقديمها رسمياً لرئيس الجمهورية ميشال عون "تجاوباً مع إرادة الكثير من اللبنانيين الذين نزلوا إلى الساحات ليطالبوا بالتغيير، والتزاماً بضرورة تأمين شبكة أمان تحمي البلد في هذه اللحظة التاريخية"، داعياً "كل اللبنانيين لأن يقدموا مصلحة لبنان وسلامته وحماية السلم الأهلي ومنع التدهور الاقتصادي على أي أمر آخر".
ولم تأت استقالة الحريري، التي دلّت المعطيات إلى أن رئيس الجمهورية ميشال عون يتريث بالنظر فيها ولن يبتّها سريعاً على الرغم من أنه لا يجوز له دستورياً رفضها، إلا بعد استعراض للقوة لبلطجية من أنصار حزب الله وحركة أمل في شوارع بيروت، طاردوا خلاله المحتجين واعتدوا عليهم وأحرقوا الخيم في ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت، تحت أنظار القوى الأمنية التي لم تتدخل إلا بعدما أصبح هؤلاء على حدود السراي الحكومي (مقر رئاسة الوزراء) وبدأت عندها في مطاردتهم لإبعادهم، مستخدمة الغاز المسيل للدموع، وهو ما أثار علامات استفهام عدة حول اكتفاء الأجهزة الأمنية المختلفة بمشاهدة ما يجري لساعات، قبل أن تأتي الإجابة ضمنياً على لسان وزيرة الداخلية ريا الحسن، التي أكدت أن استقالة الحريري "كانت ضرورية لمنع الانزلاق نحو الاقتتال الأهلي الذي شهدنا خطره اليوم في وسط بيروت"، وسط معلومات ترددت عن أنه تم تبديل القوى الأمنية التي كانت مكلفة بحفظ أمن الساحة صباحاً.

استقالة الحريري التي جاءت بعد فشل محاولات ثنيه عن الخطوة، والتي تراوحت بين ضغوط سياسية مورست بشكل أساسي من رئيس مجلس النواب، وأخرى ترهيبية في الشارع تولاها أنصار حزب الله وحركة أمل، تطرح سيناريوهات مفتوحة للأزمة على المستويين السياسي والأمني، فضلاً عن ترقب موقف المحتجين بشأن المرحلة المقبلة، ولا سيما أن حسابات قوى السلطة كانت سبباً في منع التعديل الوزاري، الذي كان يدفع الحريري باتجاهه في الأيام الأخيرة، والقائم على تشكيل حكومة برئاسته من 14 وزيراً فقط غير حزبيين، إلا أنه اصطدم بلاءات عدة. الرئيس اللبناني ومن خلفه حزب الله كانا يصران على عدم إقصاء وزير الخارجية، رئيس التيار الوطني الحر، صهر الرئيس، جبران باسيل، من أي حكومة جديدة، بل ذهبوا أبعد من ذلك، وتحديداً وضع معادلة إطاحة قائد الجيش جوزيف عون من منصبه، لا سيما أن باسيل يراه منافساً له على منصب رئاسة الجمهورية، خصوصاً في ظل زياراته المتكررة إلى الولايات المتحدة ونسجه علاقات واسعة هناك. وهو ما كان بالنسبة إليهم أحد أسباب رفض قائد الجيش الانصياع لضغوط حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر بضرورة فتح الطرقات التي يقفلها المحتجون بالقوة. كما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري رفض الموافقة على أي حكومة لا تتضمن وزير المالية، علي حسن خليل. وبالتالي فإن تشكيل أي حكومة جديدة لن يكون بالمهمة السهلة وسط تعويل المحتجين على عودة الزخم إلى الشارع بعد تحقيق أول انتصار للانتفاضة وبعدما جرى في شوارع بيروت، خصوصاً بعد أن أدت مشاهد إحراق الخيم وملاحقة المحتجين وضربهم إلى عودة المحتجين بكثرة إلى عدد من الساحات، بما في ذلك إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء حيث تم العمل على محاولة إعادة ترميم الخيم التي دُمرت تحت شعار "ستعود أجمل مما كانت".

وكان حزب الله ومعه حليفته حركة أمل أعطيا أنصارهما الذين تجمعوا على مقربة من وسط العاصمة بيروت، الضوء الأخضر لمهاجمة المتظاهرين السلميين وسط بيروت وإحراق الخيم المنصوبة في ساحتي رياض الصلح والشهداء، في اليوم الثالث عشر للانتفاضة، ليصح على هذا النهار تسمية "الثلاثاء الأسود"، ولتعيد المشاهد التذكير بموقعة الجمل التي نفذها بلطجية في مصر في 2 فبراير/شباط 2011 في محاولة لإجهاض ثورة 25 يناير.

وتحت شعار فتح الطريق عند جسر الرينغ وسط بيروت، بدأ تجمّع شباب من "أهالي المنطقة"، وفق التوصيف الأول لهم، قبل أن يتطور الوضع إلى اعتداء على المتظاهرين تحت أنظار القوى الأمنية. وسريعاً ارتفع عدد المهاجمين، وبدأوا بترديد شعارات مؤدية لرئيس مجلس النواب، والأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، قبل أن يهاجموا ساحتي رياض الصلح والشهداء حيث كان يوجد مئات المعتصمين ويعمدوا إلى الاعتداء عليهم وطردهم من المكان، ما أوقع إصابات في صفوفهم، ثم إحراق الخيم التي كانت منصوبة في الساحتين وتدمير كل ما وجدوه في طريقهم، بينما كانت القوى الأمنية تراقب ما يجري من دون أن تتدخل فعلياً، أو حتى تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق المهاجمين على المعتصمين العزل، قبل أن يتدخل الجيش اللبناني بعد انتهاء الاعتداء.


استعراض القوة هذا دل صراحة على مرحلة جديدة كانت أحزاب السلطة تدشنّها في حربها ضد المنتفضين، بعد فشل أدوات عديدة لكسر إرادة المتظاهرين، من محاولة استخدام الأجهزة الأمنية الرسمية لفتح الطرقات، ثم التهديد بخطورة الوضع الحالي على اقتصاد البلاد، وتهديد عاملين في مؤسسات بالطرد أو الصرف من رواتبهم إذا غابوا عن أعمالهم وشاركوا في الاعتصامات، واستخدام مناصري الأحزاب لافتعال إشكالات مع المعتصمين، بقيت محدودة قبل اعتداءات اليوم.
ولم يكن "حزب الله" يخفي عداءه للانتفاضة والتي رفعت شعار "كلن يعني كلن"، أي رحيل كل الطبقة السياسية، كما أنها تمددت إلى مناطق تُعتبر معاقل للحزب وحلفائه، مثل صور والنبطية في جنوب لبنان، إذ أطلّ نصرالله يوم الجمعة الماضي معلناً رفضه "إسقاط العهد واستقالة الحكومة والانتخابات النيابية المبكرة"، محذراً من أن أي فراغ في السلطة سيؤدي إلى الانهيار.

على الرغم من كل ذلك الترهيب، واصل آلاف اللبنانيين اعتصاماتهم في مختلف المناطق اللبنانية، واستمر قطع الطرقات لشل البلاد والضغط على السلطة، ليتحقق أول انتصار بإعلان الحريري تقديم استقالته لرئيس الجمهورية، علماً أن رحيل الحكومة كان أول مطالب المتظاهرين. وقال الحريري في مؤتمر صحافي إنه وصل "لطريق مسدود وأصبح من الضروري أن نقوم بصدمة كبيرة لمواجهة الأزمة".
وتعليقاً على الاستقالة، دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، في تغريدة عبر "تويتر" إلى "الحوار والهدوء". كما رأى في حديث تلفزيوني أن "الأفضل التشكيل السريع للحكومة"، معتبراً أنه كان هناك عناد من التيار الوطني الحر في التمسك ببعض الأشخاص في الحكومة، مضيفاً: "وزارة الخارجية في عهد الرئيس ميشال عون أصبحت وزارة داخلية وخارجية وطاقة وكل شيء".

وفور إعلان الحريري استقالته، عمّت الاحتفالات ساحات الاعتصام المختلفة، وذلك في ظل دعوات للعودة إلى ساحتي الاعتصام وسط بيروت، وهو ما حدث فعلاً مساء. في المقابل، عمد مناصرين للحريري إلى قطع بعض الطرقات، لا سيما في بيروت والبقاع. في وقت كانت فيه جمعية المصارف قد أعلنت مواصلة إقفال أبواب البنوك غداً الأربعاء.

ولم تتأخر ردود الفعل الدولية على هذه التطورات، إذ اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، بعد إعلان الحريري استقالته، أن لبنان "يمر بأزمة خطيرة جداً منذ 15 يوماً مع تظاهرات شعبية حاشدة وحوادث وتوترات وأزمة ثقة". وقال أمام الجمعية الوطنية "مع هذه الأوضاع تدعو فرنسا المسؤولين اللبنانيين إلى بذل كل الجهود لضمان استقرار المؤسسات ووحدة لبنان"، معتبراً أن إعلان الحريري استقالته "يفاقم الأزمة". من جهته، أمل وزير الخارجية الألماني هايكو ماس ألا تتسبب استقالة الحريري في تقويض الاستقرار في البلاد.

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
نعيم قاسم في كلمة له أثناء تشييع قيادي في حزب الله ببيروت، 22 سبتمبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

أعلن حزب الله اليوم الثلاثاء انتخاب نعيم قاسم أميناً عاماً له خلفاً لحسن نصر الله الذي استشهد في 27 سبتمبر/أيلول الماضي بغارة إسرائيلية.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.