الانتصار المشبوه

29 اغسطس 2017
مأساة أهالي العسكريين امتدت لثلاثة أعوام (حسين بيضون)
+ الخط -
فقد لبنان عشرات العسكريين من عديد الجيش اللبناني خلال السنوات الأخيرة في المعارك مع التنظيمات المتطرفة على حدوده الشرقية، وفقد عشرات المدنيين أرواحهم في العمليات الانتحارية التي نفذها عناصر "داعش" و"جبهة النصرة" في مُختلف الأراضي اللبنانية. وبقي مئات آلاف المدنيين رهينة الصواريخ العشوائية والانتشار الكبير للمُتطرفين على طول الحدود الشرقية للبلاد مع سورية. سقطت مراكز الجيش تحت سيطرة "داعش" و"النصرة" في تلك المنطقة خلال دقائق قليلة عام 2014، وتحول العسكريون فيها إلى أسرى والسيف على رقابهم. وفي بيروت، حيث اعتصم أهالي العسكريين للمطالبة بكشف مصير أبنائهم سلّطت الحكومة اللبنانية سيف التناقض والضعف والخذلان لعسكرييها على رقاب الأهالي.

مضت التطورات بعكس مصلحة العسكريين الأسرى، فأُجهضت وساطة هيئة العلماء المسلمين، وشُلّ أحد المفاوضين برصاص لا يزال مجهولاً بعد ساعات على خطف العسكريين. وُصمت الهيئة وخلفها طائفة كاملة بوصمة "دعم الإرهاب"، وسقط من حسابات السياسيين أن الهيئة هي الطرف الوحيد الذي انتزع بعض العسكريين انتزاعاً قبيل نقلهم إلى الجرود المتداخلة مع سورية. وأسقطت كل القوى السياسية المشاركة في البرلمان وفي الحكومة خيار التفاوض لإطلاق المخطوفين. أُعدم العسكري الأول والثاني، وانتقلت عدوى الإعدام من "داعش" إلى "النُصرة". 4 عسكريين أُعدموا ولم يتحرك أحد من الدولة اللبنانية.

في المقابل أنجز "حزب الله" عملية تفاوض لإطلاق أحد عناصره الذي وقع في الأسر على المنطقة الحدودية. بقي ملف العسكريين خارج البحث عن أي حل جدي، وواصل الحزب تقدمه في المنطقة الحدودية. طلب إطلاق موقوفين في السجون اللبنانية مقابل إطلاق مقاتليه الذين وقعوا أسرى. حلل الحزب، بتقدمه الميداني وسطوته المطلقة في لبنان، ما حرّمه مسؤولوه ومسؤولو باقي الأحزاب على الدولة التي شاركت في قتل العسكريين عبر غياب القرار. 

فات هؤلاء أن "داعش" لا يُبقي على أسراه، وأن أهالي العسكريين انتظروا طوال سنوات مشهداً كمشهد إعدام الطيار الأردني أو المواطن الياباني اللذين أعدمهما التنظيم بأبشع الطرق. ومع وصول رفات يُعتقد أنه لثمانية من العسكريين التسعة، تحاول القوى السياسية إقناع الشعب اللبناني أنها انتصرت على الإرهاب. وأن تلاقي العلمين السوري واللبناني مع علم "حزب الله" على الحدود هو المشهد الذي سيمسح دموع أهالي العسكريين. وأن إخلاء الحدود من سيطرة التنظيمين بالتفاوض هو انتصار عظيم يجب أن يُشكر حزب الله عليه أولاً، ومن بعده ومن على مسافة بعيدة يمكن شكر الجيش اللبناني. هم نفسهم السياسيون يصفون حصيلة مواقفهم بـ"الفاجعة الوطنية" و"الخسارة الكبيرة". بمثلهم تفقد الأوطان ولا تُستعاد. 

المساهمون