الانتخابات مطلع نوفمبر... تركيا في انتظار "الحزب الخامس"

28 أكتوبر 2015
تقبّلت مختلف الأطراف فكرة "الحزب الخامس" (أوزان كوزه/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من الديناميكية العالية للسياسة التركية، تركّزت المعادلة الحزبية في البرلمان بين أربعة أحزاب في السنوات الثماني الأخيرة، أي منذ الانتخابات البرلمانية عام 2007. وقد نال في حينها حزب "العدالة والتنمية" الغالبية البرلمانية، بينما توزّعت باقي المقاعد بين كل من حزب "الشعب الجمهوري" وحزب "الحركة القومية"، والجناح السياسي لـ"العمال الكردستاني"، بترشحه بقائمة مستقلة. وفي وقتٍ نجح فيه "الكردستاني"، في تحويل جناحه الحزبي "السلام والديمقراطية"، في الانتخابات السابقة، إلى قائمة حزبية وحّدت الأكراد، بما في ذلك المحافظون، إلى جانب اليسار التركي تحت لواء حزب "الشعوب الديمقراطي"، يعود الحديث، هذه المرة، عن أن الانتخابات الحالية قد تؤدي إلى تغيير خارطة البرلمان برمتها، بتشكيل حزب خامس.

بدأ الحديث عن "الحزب الخامس" من قبل زعيم حزب "الحركة القومية" (يميني متطرف) دولت بهجلي، الذي يعاني من خلافات داخلية عميقة، ظهرت علناً، في مناسبات عدة، كان أبرزها انشقاق ابن مؤسس الحزب توغرول توركيش. ويرى بهجلي خلال جولة انتخابية، قبل أيام من الانتخابات، أنه "لمواجهة الاستعصاء السياسي الذي تواجهه الأحزاب التركية المتواجدة حالياً في البرلمان، ولفتح أفق سياسي جديد، ولتطبيع الأوضاع، من الممكن أن تؤدي الانتخابات العتيدة إلى دخول حزب جديد، أو إلى تشكيل حزب جديد من أعضاء البرلمان، الذين ستفرزهم الانتخابات".

وقد تقبّلت مختلف الأطراف السياسية فكرة "الحزب الخامس"، ليشتعل السجال السياسي. ويتكهّن سميح يالجن نائب بهجلي، في "الحركة القومية"، بأن "الحزب الخامس سيخرج من العدالة والتنمية". ويعتبر أن "ذلك سيكون أمراً طبيعياً".

ويضيف يالجن، أن "انخفاض نسبة أصوات العدالة والتنمية عن الـ40 في المائة، سيجعل من تشكيل الحزب الخامس أمراً ممكناً"، ليردّ رئيس "العدالة والتنمية" أحمد داود أوغلو على ذلك، بالقول إن "كان سيخرج حزب خامس فسيكون من الحركة القومية، الأمر الذي حصل بالفعل، ويمكننا اعتبار انشقاق توغرول توركيش وانضمامه لنا، أولى هذه الإشارات".

ولا تبدو تصريحات بهجلي ويالجن بعيدة عن الواقع، وإن كانت تصبّ في سياق الاستثمار الانتخابي. ذلك لأن جميع الأحزاب السياسية ستعاني من حالة تآكل كبيرة، في حال فشلت في الحفاظ أو رفع عدد مقاعدها، بما في ذلك حزب "الحركة القومية"، الذي يواجه انشقاقا طوليا عميقا، على الرغم من النجاح الذي حققه في الانتخابات السابقة، ورفع نسبة أصواته إلى 18 في المائة.

اقرأ أيضاً 5 أيام على الانتخابات التركية: عودة زمن "حرب الإنقاذ"

ويعود سبب معاناة "الحركة القومية"، إلى تفرّد بهجلي بالقرار والسياسات التي اتخذها بعد نتائج الانتخابات، برفضه جميع العروض التي قُدّمت له من قبل مختلف الأحزاب السياسية لتشكيل الائتلاف الحكومي، حتى تلك التي اقترحت على بهجلي تسلّم منصب رئاسة الوزراء. وأثار ذلك حالة من التململ في صفوف الحزب، بلغت ذروتها بانضمام توركيش، أحد أهم قيادات الحزب وابن مؤسسه ألب أرسلان توركيش، إلى الحكومة المؤقتة، وعدم التزامه قرار الحزب برفض المشاركة. فُصل توركيش، ومُنع من الترشّح على قائمة "الحركة القومية"، لينضمّ إلى قائمة "العدالة والتنمية".

ولم يكن توركيش الوحيد الخارج من "الحركة القومية"، إذ تبعه أحد أهم مؤسسي وقيادات الحركة، وهو الوزير السابق ناجي ميرجي، الذي قدّم استقالته من الحزب موجّهاً انتقادات شديدة لبهجلي، وذلك بعد أن قامت ميرال أكشنر، إحدى قيادات الحزب ورئيس مجلس النواب السابقة، بذلك أيضاً، إثر عدم ترشيحها على قائمة الحزب.

بالإضافة إلى الخضّة الداخلية في صفوف "الحركة القومية"، سَرَت شائعات روّجت لها صحف معارضة، عن محاولات لتشكيل حزب "عدالة وتنمية" جديد، يدعمه رئيس الجمهورية السابق عبد الله غول، ونائب رئيس الوزراء السابق وأحد مؤسسي "العدالة والتنمية"، بولنت أرينج، بمشاركة ميرال أكشنر، التي كانت مدعوّة لأول اجتماعات تشكيل حزب "العدالة والتنمية" في عام 2001، ولكنها تخلّفت وانضمت لـ"الحركة القومية".
ومن المتوقع أن يتشكّل الحزب الجديد بعد الانتخابات، وفقاً لصحف المعارضة، على أن يتمّ ترشيح نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية علي بابا جان لرئاسة الائتلاف الحكومي، الذي سيسعى إليه الحزب الجديد، بالتعاون مع كل من حزب "الشعوب الديمقراطي" وحزب "الشعب الجمهوري"، لكن الثلاثي غول وأرينج وأكشنر، نفوا ذلك.

غير أن نفي أرينج، الذي اعتزل العمل السياسي أخيراً، مكتفياً بدعم "العدالة والتنمية" في الانتخابات الحالية، وتأكيده على التزامه الكامل بقضية الأخير، لم يمنعه من تسجيل بعض النقاط. ويؤكد أرينج خلال حديثه عن أسباب اعتزاله السياسة، على أن "أحد الأسباب لذلك، هو فقدانه لحماسته بعد 40 عاماً من العمل السياسي، وأيضاً لفقدانه أحد الأشخاص الذين كان يحبهم". الأمر الذي فُهم على نطاقٍ واسع بأنه إشارة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويضيف أرينج، في مقابلة أجراها مع قناة "سي إن إن" التركية المعارضة، موجّهاً كلامه لمحاوره، قائلاً "إذا تصدّيت أنت ورفاقك لكل شيء معاً، واقتحمتم كل الصعوبات معاً، ولكن لسبب ما، وجد رفاقك رفاقاً آخرين، واستمرّوا بالعمل معهم، فذلك لأن الحياة ديناميكية وتُجدّد نفسها من الداخل، لكن إن خرج رفاق دربك عن التفاهمات، فلا يبقى عليك إلا أن تنسحب جانباً، كي لا تزعجهم". ويمتدح أرينج الحملة الانتخابية التي يديرها داود أوغلو، لكنه يكشف عن عداء بدأت بعض الدوائر المقرّبة من أردوغان تبديه اتجاهه، كاشفاً أن "بعض القنوات وصلتها تعليمات بحظر استضافته".

لن تقتصر تحديات ما بعد الانتخابات على اليمين التركي، بل أيضاً على كل من حزب "الشعب الجمهوري" وحزب "الشعوب الديمقراطي". وسيكون زعيم "الشعب الجمهوري"، كمال كلجدار أوغلو، في موقف صعب للغاية، في حال فشل هذه الانتخابات برفع نسبة أصوات حزبه. ذلك لأنه لم يلتزم بقرار الاستقالة الذي كان قد أعلنه قبل الانتخابات السابقة، في حال فشل في رفع نسبة الأصوات. ومن المتوقع أن يشنّ التيار الكمالي القومي في الحزب، الذي يُعدّ زعيم الحزب السابق دينيز بايكال، أحد أهم صقوره، هجوماً شرساً على كلجدار أوغلو وإدارته الحالية، الأمر الذي تجنّب الأخير الخوض فيه، خلال إحدى المقابلات التلفزيونية.

ويشدد كلجدار أوغلو، على أن "بقاءه في زعامة الحزب لا يرتبط برفع نسبة الأصوات، لأن الحزب لم يحدد نسبة معينة لذلك، بل إن نجاح أي حزب مرتبط بوصوله إلى السلطة". وعندما سأله مذيع قناة "فوكس" التركية عن "ماذا ستفعل في حال فشل الحزب بالوصول إلى السلطة"، حاول كلجدار أوغلو تجنّب الإجابة، قائلاً: "ماذا سنفعل؟ في النهاية ستجتمع قيادة الحزب، وتتخذ القرار، وسيتم فعل ما يتوجب".

أما بالنسبة لـ"الشعوب الديمقراطي" (المكون من ائتلاف بين العمال الكردستاني وعدد من أحزاب اليسار التركية وأيضاً اليمين الكردي المحافظ)، وإن كان تجاوزه للعتبة الانتخابية بات أمراً محسوماً، إلا أن معظم الاستطلاعات تؤكد بأنه سيخسر عدة نقاط مقارنة بالانتخابات السابقة. ويُفنّد محللون ذلك بأن "موقف الشعوب الديمقراطي الموارب في إدانة هجمات الكردستاني، واستعارته لخطاب الأخير في اتهام الدولة بالوقوف وراء كل من تفجير سوروج وأنقرة الانتحاريين، ستكون من أسباب خسارته هذه النقاط". وبالتالي فإن هبوط نسبة أصوات "الشعوب الديمقراطي" إلى ما دون نسبة الـ11 في المائة، قد يؤدي إلى مواجهة بين الليبراليين والمحافظين الأكراد واليسار التركي من جهة، و"العمال الكردستاني" من جهة أخرى، خصوصاً إذا استأنف الأخير هجماته بعد الانتخابات، محاولاً السيطرة على "الشعوب الديمقراطي" مجدداً.

اقرأ أيضاً: القضية الكردية تؤجج خلافات الأحزاب التركية قبل الانتخابات