الانتخابات المحلية التونسية: خريطة جديدة تتشكل واستعدادات لمحطات مقبلة

06 مايو 2018
من التحضيرات الأخيرة للانتخابات التونسية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تشهد تونس، اليوم الأحد، حدثاً تاريخياً هاماً يتمثل في إجراء أول انتخابات بلدية بعد نحو 8 سنوات من الثورة التونسية، ويتوجه 5 ملايين و300 ألف شخص من المسجلين إلى مراكز الاقتراع والإدلاء بأصواتهم. وفي الوقت الذي يستعد فيه التونسيون للاقتراع، فإن هيئة الانتخابات تدعوهم إلى مزيد المشاركة والإقبال بكثافة على الاقتراع لإنجاح المسار الانتخابي.

ويتوقع مراقبون أن تفرز النتائج التي سيتم الإعلان عنها مباشرة بعد فرز صناديق الاقتراع خريطة سياسية جديدة، فالفائز بأكبر عدد من المجالس البلدية سيتمكن من التموضع بأريحية في المشهد السياسي ومن فرض شروطه على شركائه في الحكم، مؤكدين أنّ الأهم بالنسبة للأحزاب ليس الانتخابات البلدية في حد ذاتها وإنما اختبار مدى جاهزيتها للاستحقاقات المقبلة، أي الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عام 2019.

وانطلقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في التحضير للانتخابات منذ أشهر عدة، فتولّت تجهيز كل المراكز والمقرات البالغ عددها 11.185 مركزاً، وتولت اقتناء الحبر الانتخابي، والقيام بحملات توعوية لحث التونسيين على ممارسة واجبهم. كما أعدت قاعات رياضة كبرى لتجميع النتائج بطريقة يدوية وأيضاً إلكترونية، للتثبت أكثر في المطابقة بين النتائج، وفتحت فضاءات موسعة للسماح بمراقبة النتائج.

ويرى عضو هيئة الانتخابات، رياض بوحوش، أنّ "الانتخابات المحلية تمثل محطة هامة في تاريخ تونس، وستشكل نقلة نوعية في المشهد السياسي"، موضحاً، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "سيتم الانتقال من المركزية إلى اللامركزية، فالمواطن معني بهذه الانتخابات وبالخدمات والمشاريع التي ستنجزها البلدية في منطقته، سواء في الأرياف أو في المدن".


ويؤكد بوحوش أنّ "المفاهيم تغيرت ولم تعد البلدية تتلقى الأوامر من الإدارة المركزية، بل إن المجالس البلدية تتشاور فيما بينها، وتقرّر ما تراه صالحاً في المنطقة، ولذلك فإن الأشخاص الذين سيتم انتخابهم سيكونون في تواصل واحتكاك مباشر مع المواطنين، وسيكون أيضاً للتونسي إمكانية مراقبتهم ومحاسبتهم وتقديم مقترحاته". ويلفت إلى أن "الهيئة جاهزة لهذا الموعد الهام، وقامت بالتعاون مع مؤسسات الدولة لتوفير المتطلبات اللوجستية والفنية للقيام بما يتوجب القيام به في تأمين الانتخابات"، معتبرا أن "صناديق الاقتراع لن تغادر القاعات إلا بعد صدور ورقة تتضمن النتائج وتوقيع محضر في الغرض بحضور المجتمع المدني وممثلي الأحزاب والمراقبين".

ويؤكد بوحوش أن "الهيئة عملت على تفادي بعض النقائص التي حصلت في انتخابات الأمنيين والعسكريين"، معتبراً أنّ "الملاحظات التي وصلت إلى الهيئة تم العمل على تجاوزها، وحتى الخطأ الذي حصل في تسجيل بعض الأمنيين مع المدنيين، فإن الهيئة ستسمح لهم بالانتخاب اليوم الأحد". ويبيّن أن "النتائج الضعيفة لا تعكس أهمية التجربة وقيمتها الرمزية".

ولكن ضعف التصويت بالنسبة للأمنيين والعسكريين لا ينفي قدرة هيئة الانتخابات على احتواء هذا الحدث الهام الذي كان بمثابة الاختبار المسبق لجاهزية الهيئة وللمشرفين على الانتخابات استعداداً لهذا اليوم، إذ يؤكد المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهيئة اكتسبت تجربة هامة في تنظيم الانتخابات، وأن التجارب السابقة، أي انتخابات 2011 و2014، ساعدتها في تأمين مثل هذه التظاهرات، وبالتالي فإنها ستنجح في تنظيم هذا الحدث الهام اليوم".



ويعتبر المحلل السياسي أنّ "نجاح الانتخابات المحلية يؤكد نجاح الانتقال الديمقراطي، وسيدعم صورة تونس سياسياً"، معتبراً أن "الأهم أن الانتخابات المحلية ستتحدد نوعية الخارطة السياسية المقبلة". وبحسب الحناشي، فإن "التغيرات التي ستحصل في المشهد السياسي لن تكون عميقة، لأن الخارطة السياسية تضم حزبين كبيرين (النهضة ونداء تونس) سيكون حضورهما بارزاً في المجالس البلدية، تليهما بقية الأحزاب الناشطة في الساحة السياسية وعدد آخر من المستقلين ممن سيبرزون على الساحة السياسية، ولكن تأثيرهم لن يكون كبيراً على المستوى المحلي". ويعتبر أن "نتائج الانتخابات المحلية ستبرز أهمية ومكانة الأحزاب السياسية ومدى قدرتها على النشاط والتأثير وتنظيم الحملات الانتخابية".

وفي الوقت الذي تنتظر فيه الأحزاب والرأي العام في تونس نتائج أول انتخابات محلية، يؤكد مراقبون أن النتائج وعلى أهميتها لن تقود إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي، وأنها مجرد تحضيرات للمحطات المقبلة. وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي محمد بوعود، لـ"العربي الجديد" أنّ "الانتخابات البلدية بمثابة بروفا سياسية وتحضيرات لانتخابات 2019 التشريعية والرئاسية، والتي تبقى الرهان الأهم بالنسبة للأحزاب السياسية"، مبيناً أن "ما ستفرزه الصناديق اليوم سيكون مقياس النجاح الحقيقي للأحزاب وللمكونات السياسية في المحطات المقبلة".

ويوضح بوعود أن "نتائج الانتخابات المحلية ستكون بمثابة إعادة توزيع لخريطة الأغلبية السياسية وما سيأتي بعدها، فالتوزيع الجديد للقوى سيؤثر بشكل مباشر على تركيبة المشهد السياسي الحالي وحتى على وضع الحكومة نفسها، باعتبار أن الوضع الراهن والمعادلة القائمة لن تبقى كما هي، بل ستسعى القوى السياسية الفائزة بالمراتب الأولى إلى فرض شروطها الجديدة والتموضع أكثر في الساحة". ويتوقع فوز "أحد الأحزاب بأغلب البلديات وبفارق كبير بينها وبين بقية الأحزاب"، مبيناً أن "المفاجأة قد تكون في فوز بعض القوائم المستقلة ولكنها غير مضمونة الولاء بعد النتائج، خصوصاً أنها تتبع أحزاباً وتنتمي إليها".
*******************************

وبالفعل، تشير معظم التقديرات إلى أن مرشحي حزب النهضة ونداء تونس سيجنون القدر الأكبر من المقاعد في الانتخابات. وأكثر من نصف المرشحين المسجلين عن جماعات مستقلة تعهدوا بمعالجة قضايا محلية. غير أن مرشحين آخرين يركزون على الناخبين المحبطين من النخبة السياسية والحكومات المتعاقبة التي يشعر كثيرون بأنها فشلت في تنفيذ وعود ثورة 2011. وتقل أعمار أكثر من نصف المرشحين في الانتخابات عن 35 سنة، و49 في المائة منهم نساء، وهو أمر نادر الحدوث في العالم العربي، و18 قائمة يقودها معوّقون جسدياً. ومن أبرز المرشحات سعاد عبد الرحيم التي تسعى إلى أن تصبح رئيسا لبلدية العاصمة تونس. سعاد، الصيدلانية والمشرعة السابقة والناشطة النسوية، ترشحت مستقلة وتعتبر نفسها مقربة من "النهضة"، وتواجه 10 رجال في أهم سباقات يوم الأحد. وتتعهد سعاد، في حديث لوكالة "أسوشييتد برس" بوضع الصابون في دورات مياه كل مدرسة لتحسين حالة الصحة العامة، وأن تسهل الوصول للرعاية اليومية، وزرع المزيد من الأشجار وإعادة أحياء مواقع التراث العالمي المعترف بها من اليونسكو في المدينة، مثل المدينة القديمة المسورة في العاصمة. ومن المرشحين اللافتين للانتباه أيضاً، سيمون سلامة، وهو يهودي من بلدة المنستير ومرشح عن حزب النهضة الإسلامي. وتعتبر الانتخابات خطوة مهمة في نزع المركزية عن العاصمة تونس وتسليم المزيد من الصلاحيات لمجالس البلديات في أنحاء الدولة، من المنتجعات الساحلية على البحر المتوسط إلى المدن الصحراوية الفقيرة. وللمرة الأولى، شاركت قوات الأمن في التصويت كجزء من التحول الديمقراطي في تونس. 

دلالات
المساهمون