الانتخابات الفرنسية ومصير الوحدة الأوروبية

31 مارس 2017

فيون وماكرون وميشلون ولوبان وهامون.. من يكسب؟ (20/3/2017/فرانس برس)

+ الخط -
في النزعة الغربية الصاعدة بقوة إلى اليمين، كما ظهر في الانتخابات الأميركية، والانفصال البريطاني عن الوحدة الأوروبية، تبدو الانتخابات الفرنسية، في 23 أبريل/ نيسان المقبل، محطة كبرى في مسار الاتحاد الأوروبي ومستقبله، ففرنسا الدولة الراعية للوحدة الأوروبية، والأكثر حماساً لها، تجتاحها هي الأخرى موجة يمينية شعبوية ومتطرّفة، وسوف تكون هذه الاتجاهات مؤثرةً في السياسة الفرنسية المقبلة، حتى لو فشلت رئيسة الجبهة الوطنية المتطرفة، مارين لوبان، في الوصول إلى الرئاسة، ذلك أنها اليوم تمثل تياراً قوياً ومؤثراً في الرأي العام الفرنسي، وضاغطاً على السياسات الفرنسية.
لم يتمكّن الاتحاد الأوروبي من أن يشكل قوة سياسية واقتصادية عالمية موحدة، تشارك وتواجه القوى العالمية السياسية والاقتصادية، ولم يقدر على استيعاب الدول الوافدة إلى عضويته من تجربة شيوعية سابقة، ومازالت الفجوة الاقتصادية والثقافية والسياسية واسعة بين مكونات أوروبا، فلم تكن الاشتراكية، على الرغم من كراهيتها شعبياً، يمكن التخلص منها ثقافياً واجتماعياً، أو تجاوزها سياسياً واقتصادياً في سرعة، حتى ألمانيا الشرقية التي عادت إلى ألمانيا الموحدة عام 1990 مازالت تشهد فجوةً اقتصاديةً واجتماعيةً مع شقيقتها الغربية. ولم يقدر الاتحاد الأوروبي أن يكون قوة عالمية مستقلة عن الولايات المتحدة، أو قادرة على مواجهة روسيا، أو بناء سياسات وأدوار عالمية في الشرق الأوسط وحوض المتوسط، على الرغم من أنها منطقة تمثل امتداداً جغرافياً وتاريخياً لأوروبا، كما هو مجال نفوذها وتأثيرها التاريخي.
ولم تقدر الاتجاهات السياسية المستمدة من نظريات وتجارب اجتماعية وأوروبية من تقديم
 وعود ونتائج، تمثل بالنسبة للمواطن الأوروبي فرقاً إيجابياً، يجعله يتمسّك بالوحدة الأوروبية، ويتحمل مشاركة الأوروبيين الشرقيين والمهاجرين من الجنوب في الفرص والمكاسب الاجتماعية والاقتصادية، فالاتجاه الأوروبي التقليدي الغالب مفاده بأن أوروبا تتحمل عبئاً اقتصادياً، وتنفق على شركائها الوافدين، وعلى العالم، وتستقبل المهاجرين الذين يشاركون دافعي الضرائب المكاسب والخدمات، من دون تحسّن واضح في الاقتصاد، وفي حياة الأوروبيين ومواردهم، وأما الدور السياسي الخارجي المؤثر والسلام العالمي، فهي دراما لطيفة، لا تستحق التضحية والمعاناة، بل يمكن المساهمة فيها من بعيد، بفضول الموارد والعمل الدبلوماسي.
سوف يتنافس المرشحون المؤيدون للوحدة الأوروبية فيما بينهم؛ الجمهوريون برئاسة فرانسوا فيون والاشتراكيون برئاسة بونوا أمون والليبراليون الاجتماعيون برئاسة إيمانويل ماكرون. وفي المقابل، فإن أنصار الاستقلال عن التكامل الأوروبي سوف يتكتلون وراء لوبان التي نتذكّر أنها جاءت في المرتبة الثالثة عام 2012 بعد فرانسوا هولاند ونيكولاي ساركوزي. صحيح أن الناخبين في الجولة الثانية، إذا حدثت، سوف يعيدون تنظيم أنفسهم وتوحيدها. لكن، ماذا إن فازت لوبان في الجولة الأولى؟ يبدو ذلك مستبعداً، ففرنسا ليست بريطانيا، وليست الولايات المتحدة. لكن، تظل الانتخابات العامة مليئة بالمفاجآت.
وبالطبع، يشجع التطرّف "الإسلامي" والصراع المجنون في الشرق الأوسط الأوروبيين على الابتعاد عن هذا العالم الميؤوس منه، ويزيد التحدّيات على الاتجاهات السياسية المستمدة من إدارة المصالح والتعاون في فضائها الحقيقي الذي لا مناص منه، ولن يكون سهلاً إقناع الناخب الفرنسي أن الإرهاب الأعمى الذي يطاول المدنيين، ويتحرّك على نحو مفاجئ غير مفهوم، ولا متوقع، يمكن مواجهته بالابتعاد عن العالم، والكف عن دور عالمي، أو إقناعه بأنه لا علاقة بين الوحدة الأوروبية، والتهديد "الإسلامي"، فالمواطن الناخب يتحرّك ويسلك متأثراً بالصدمة الهائلة التي جاء بها العنف، والمرتبط بوضوح مع المهاجرين والأزمات البعيدة في جنوب المتوسط وشرقه.
لكن التاريخ لا يبدأ بالحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، فالمهاجرون العرب والمسلمون  
في فرنسا وأوروبا يعود وجودهم هناك إلى عقود طويلة ماضية، بدأت بالاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر. إنها صفحة لم تطوَ بعد، ولا تمثل أحداث العنف التي تصل رشقاتها إلى الأوروبيين سوى متوالية من الأحداث، والتفاعلات ليست بعيدة من الفرنسيين والأوروبيين، ولا يمكن تجاهلها، والمهاجرون الذين قدموا من أوروبا واستوطنوا بلاداً غير بلادهم، وهجروا وقتلوا أهلها وسكانها، ليسوا حالة مستقلة عما يجري وجرى من عنف وكراهية.
وبالطبع، لا يمكن إقناع الناخب الفرنسي الذي لا يتذكّر ولا يعرف تاريخه الاستعماري، ولا يعلم عن سلسلة الكوارث والمآسي التي تسبب بها آباؤه وأجداده، ولم تتوقف بعد، أن القصة لم تبدأ بتفجير صحيفة شارلي إيبدو، أو بسائق الشاحنة الذي يقتحم المدنيين العزّل. ولا يمكن أيضاً تبرير العنف والقسوة والكراهية. لكن، يظل السؤال الذي لا مكان له لشديد الأسف في الجدل الانتخابي هو الفكرة الحاكمة لما جرى ويجري، وما يمكن أن يفعله العالم لأجل نفسه؛ كيف يمكن مواجهة الأخطاء وإصلاحها؟ ما العمل عندما يحدث حدثٌ لا يمكن إرجاعه أو إلغاؤه، أو وقف أثره وتداعياته؟
428F6CFA-FD0F-45C4-8B50-FDE3875CD816
إبراهيم غرايبة

كاتب وباحث وصحفي وروائي أردني، من مؤلفاته "شارع الأردن" و"الخطاب الإسلامي والتحولات الحضارية"، وفي الرواية "السراب" و"الصوت"