الانتخابات الفرنسية: المرشحون الصغار "ينتقمون" من الكبار

05 ابريل 2017
انتقاد حاد لفيون ولوبان (ليون بونافونتيير/فرانس برس)
+ الخط -
حققت المناظرة التلفزيونية المباشرة التي جمعت، ليل أمس الإثنين، بين المرشحين الأحد عشر للرئاسة الفرنسية، وُعودَها، ومنحت صغار المرشحين فرصة ذهبية لتقديم أنفسهم للفرنسيين، ويتعلق الأمر بستة مرشحين هم فيليب بوتو، مرشح الحزب الجديد المناهض للإمبريالية، وجاك شيميناد، السياسي المخضرم ذو النزعة اليمينية، وجان لاسار، وهو نائب وسطي، والمرشح اليميني ذو النزعة السيادية، نيكولا دوبون-اينيان، وناتالي آرتو، مرشحة حزب الكفاح العمالي والمرشح المستقل فرنسوا أسيلينو.

وتمكن هؤلاء، لأول مرة، من خوض نقاش مباشر دام أربع ساعات طويلة مع المرشحين الخمسة الأوائل، حسب تصنيف استطلاعات الرأي، وهم مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، والمرشح الاشتراكي بونوا هامون، والمرشح الوسطي إيمانويل ماكرون، ومرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون، ومرشح اليمين المحافظ فرانسوا فيون. 

ومنذ البداية ظهر جلياً أن العدد الكبير للمشاركين، وضيق الوقت المسموح لكل واحد منهم، سيؤثران على مجريات السجال ويفرضان إيقاعاً سريعاً لا يسمح للمرشحين بشرح أفكارهم وتفصيلها، لأن كل مرشح لا يتوفر سوى على دقيقة ونصف الدقيقة للجواب عن كل سؤال، وحوالي 20 دقيقة في الإجمال لكل تدخلاته خلال المناظرة. ولهذا لم تفسح المناظرة المجال لسجال سياسي حول البرامج الانتخابية للمرشحين، بقدر ما منحتهم فرصة لإبراز أساليبهم الشخصية.

ولم يفلت صغار المرشحين فرصة المناظرة، واختار أغلبهم أسلوب الهجوم المباشر على كبار المرشحين. 

وكان المرشح التروتسكي فيليب بوتو بطل الهجمات الشرسة خلال المناظرة، ووجه سهاماً مسمومة للمرشح اليميني فيون بخصوص اتهامه من طرف القضاء باختلاس أموال عامة، في إطار قضية الوظائف الوهمية لزوجته وأبنائه، إذ قال له دون تردد: "منذ يناير الماضي وكل قصص فيون تفوح منها شبهات الرشوة والارتشاء والغش. هو يطلب من الشعب أن يتقشف ويقتصد في النفقات، بينما هو يسرق من الصندوق والمال العام"

كما خص بوتو مرشحة اليمين المتطرف لوبان بانتقاد لاذع بخصوص رفضها المثول أمام المحققين في قضية التوظيف الوهمية في البرلمان الأوروبي، وصاح في وجهها: "نحن عندما تستدعينا الشرطة للتحقيق نذهب صاغرين، لأننا لا نتوفر على حصانة عمالية". 

وقوبل هذا الهجوم المباشر بوابل من التصفيقات من طرف الجمهور الحاضر، في حين بدا فيون ممتقع الوجه كأنه على شفير الانهيار.   

أيضا، انتهزت المرشحة العمالية ناتالي آرتو الفرصة ولقنت فيون ولوبان درساً في الأخلاق السياسية، وقالت لهما "العمال والموظفون يخضعون للتحقيق والمساءلة المهينة من طرف مؤسسات الدولة حتى عندما يأخذون إجازة مرضية، وأنتما تتهربان من المحاسبة بلا حياء أو أخلاق"

وبسبب هذه الهجمات، خرج فيون من المناظرة بأضرار كبيرة. فقد كان أداؤه باهتا، وأفقدته الانتقادات العنيفة توازنه، واتسمت مداخلاته بقصور واضح في الإقناع. 

ولم يرد فيون بشكل مقنع على انتقادات خصمه اليميني نيكولا دوبون-اينيان، الذي استهدفه بشكل خاص في محاولة لاستقطاب ناخبي اليمين المحافظ. 

أما لوبان، فقد غابت عن محياها الابتسامة المعهودة التي تخفي وراءها عادة الأفكار اليمينية المتطرفة والمواقف العنصرية، وبدت في موقع دفاعي طوال المناظرة وهي المعتادة على انتهاج سياسة الهجومات العنيفة على خصومها. وبقيت على هذه الحال طوال الوقت رغم محاولاتها الهجوم على ماكرون، خصمها الأساسي الذي ترشحه استطلاعات الرأي للفوز في مواجهتها في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية.

ولم يسلم المرشح الوسطي ماكرون بدوره، من هجمات المرشحين الصغار، وقضى لحظات عصيبة عندما اتهمه المرشح اليميني نيكولا دوبون-اينيان بالتواطؤ مع دوائر المال والأعمال وانتقد اشتغاله في "بنك روتشيلد"، قبل أن يلتحق بالرئيس فرانسوا هولاند الذي عيّنه مستشاراً للشؤون الاقتصادية، ثم وزيراً للاقتصاد لاحقا. 

واضطر ماكرون للدفاع عن نفسه والتأكيد أنه ليس مرشح المصارف كما يروج ذلك خصومه منذ بدء الحملة الانتخابية. ولم يحرك ماكرون ساكناً عندما استهزأ المرشح فرانسوا لاسال من وسطيته واعتداله، وصرخ في وجهه: "أنت دائماً متفق مع الجميع!".

وفي المقابل، خرج المرشح اليساري ميلانشون بأقل الخسائر الممكنة من هذه المناظرة، وتراجع إلى الخلف ليفسح المجال لآرتو وبوتو ومواقفهما اليسارية الراديكالية العنيفة التي أظهرت ميلانشون وكأنه مناضل يساري معتدل بالمقارنة معهما. 

ونجح ميلانشون، على الأقل، في إبراز صورته كرجل معتدل، وتفادى استخدام الجمل الاستفزازية الرنانة التي تعود على إطلاقها في المناظرات التلفزيونية. 

أما المرشح الاشتراكي بونوا هامون فقد بدا ضائعاً وسط زحام المناظرة وسجالها الحاد، ولم يتمكن من التألق. وحتى عندما أطلق فكرة جريئة حول نيته تأميم شركة الصناعات البحرية الحربية في ميناء سان نازير إذا فاز في الرئاسيات، فوجئ بردّ فعل فيون الذي قبل الفكرة على الفور وسحب البساط من تحت أقدامه.

ورغم بعض المساوئ التي اعترتها بسبب كثرة المرشحين وضيق الوقت، تبقى الحسنة الأساسية لهذه المناظرة هي فسحها المجال لانتقادات عقلانية للنظام الليبرالي الفرنسي، والتركيز على تدهور العدالة الاجتماعية، وتراجع القدرة الشرائية، وانهيار أخلاقيات النخبة السياسية، وهي قضايا تدخل في صلب اهتمام الناخب الفرنسي الذي تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أنه ما يزال مترددا في حسم خياره في التصويت. 

واللافت أن هذه القضايا المثيرة للاهتمام أثارها، بشكل أساسي، مرشحو اليسار، الذين بلغ عددهم أربعة في هذه الانتخابات التي دخلوها متشرذمين وخاسرين بالضرورة. 







المساهمون