الانتخابات العراقية والمليشيات

12 نوفمبر 2017
+ الخط -
حدّد مجلس الوزراء العراقي موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في 15 من مايو/أيار 2018، وفق متغيرين رئيسيين في ماهية الإجراءات الخاصة بوسائل الانتخاب ومن يحق له المشاركة للترشح فيها؛ وهي حصر التصويت في الأسلوب الإلكتروني، ومنع الأحزاب التي تتبع لها فصائل مسلحة من خوض هذه الانتخابات.
وبغضّ النظر عن مشكلاتٍ حقيقيةٍ أخرى، تواجه آلية إجراء الانتخابات النيابية المقبلة وسلامتها، ومنها مشكلة النازحين في المناطق السنيّة في العراق من أهالي محافظات كبيرة، مثل صلاح الدين ونينوى وديالى وأجزاء من الأنبار ومناطق حزام بغداد وغيرها، وتعذر تمكينهم من المشاركة الفعلية والفاعلة في الانتخابات، فإن الأبرز في قرار مجلس الوزراء هو موضوع منع الأحزاب أو الكتل التي لديها مليشيات أو أجنحة مسلحة من خوض هذه الانتخابات. ومعلوم للجميع من يمتلك هذه المليشيات في العراق، وحجم قوتهم على الأرض، قياسا بالأحداث التي مرّت بالعراق وما زالت .
نعم؛ هذا الأمر بالغ الأهمية من حيث النيات والتبعات المترتبة على آليات تنفيذه، والقدرة على فرضه فعلا على تلك القوى السياسية والمسلحة المشمولة بمضمونه؛ وهو أمر قد أثار، منذ الإعلان عنه، جدلا واسعا داخل أروقة البيت السياسي في العراق بكل تفاصيله. وعلى الرغم من أن القرار عامل طمأنة للقوى التي لا تمتلك تنظيماتٍ مسلحة كما يبدو، فإنه بات مصدر قلق وتوتر بين القوى التي يشملها القرار، وكلها تقريبا من داخل التنظيمات ذات التوجه الطائفي المؤيد لإيران ضمنا أو علنا.
توجد القوى الشيعية المسلحة في الساحة العراقية تحت مسميات عدة، وأعداد شتى، تكبر كل
 يوم في ظل الأزمة الاقتصادية المحلية وازدياد البطالة. ونتيجة التمدد الواسع لمليشيا الحشد الشعبي في أجزاء كبيرة من العراق، وكذلك توجه الحكومة العراقية إلى تعزيز الاعتراف بهذه القوات، باعتبارها جزءا رئيسا من الجيش وقوات الأمن العراقية. لكن كم من هذه المليشيات ترتبط بتنظيم سياسي؟ الظاهر أن معظمها يرتبط ويأتمر بشكل مباشر من أحزاب وتنظيمات وتكتلات سياسية، كعصائب أهل الحق وسرايا السلام وقوات أبو الفضل العباس وحزب الله العراقي ومنظمة بدر وغيرها.
على ذلك، لن تتمكن شخصياتٌ تمثل مراكز ثقل رئيسة حاليا من خوض الانتخابات، مثل هادي العامري وقيس الخزعلي وأوس الخفاجي وقيادات من تنظيمات مقتدى الصدر، فهل لدى رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، القدرة والإمكانية لمواجهة ضغوط هذه التنظيمات والشخصيات المؤثرة في موازين القوى السياسية في العراق، أو بالأحرى المدعومة من إيران بشكل مباشر؟ وهل يعقل أن يترك العبادي التنظيم الذي ينتمي إليه من دون غطاء مليشياوي، يعزّز من تسيّده المشهدين، السياسي والأمني، في العراق؟
من الواضح أن العبادي يتحرّك بموجب نصائح وتوجيهات من الولايات المتحدة، ومن الأشقاء العرب في محيط العراق الإقليمي، فواشنطن والرياض والدوحة وعمّان والقاهرة وآخرون حريصون جدا على أن تكون للدولة العراقية سطوتها المطلقة في موضوع الهيبة الوطنية، وأن تكون القوات المسلحة بكل صنوفها بيدها، وفق الصيغ والتقاليد الدولية المتعارف عليها. وعلى هذا الأساس، أيدت الولايات المتحدة قرار العبادي، وأكدت له رسميا دعمها إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرّر. وبدت رغبتها بتقديم الدعم اللوجستي والتقني والمادي أيضا لإنجاح الانتخابات، وفق مقاييس النزاهة والحرية المطابقة للمقاييس الدولية.
قرار منع الأحزاب ذات الأذرع المسلحة سيغير حتما آلية (وخرائط) التحالفات الانتخابية التي 
كان يعمل عليها حتى قبل صدور هذا القرار. ولعل أول المتضرّرين في موضوع التحالفات ذات الاتجاه الواحد هو التحالف الوطني (الشيعي) الذي يسعى قادته إلى المناورة بشأن هذا الموضوع، من خلال تشكيل كتل جديدة سيخوضون الانتخابات بها، وهي كتل، وكما هو السيناريو المعتمد في كل الانتخابات السابقة، ستكون من الناحية الظاهرية ضد التوجهات الطائفية والعرقية، وأنها تمثل نبض الشارع العراقي الذي يراقب عن كثب كل هذه التطورات، من دون أن تكون له القدرة على التمييز الفعلي بين ما هو نابع من قرار وطني عراقي حقا وما هو إملاءات خارجية على الطرف الحكومي، أو الحزبي، لإدارة الصراع الذي بدأ يتصاعد، نتيجة تغيرات كبيرة تحدث، وستحدث، في المحيط المؤثر بالعراق.
بدأ بعض قادة التنظيمات التي لديها مليشيات بتشكيل مثل هذه الكتل (العابرة للطائفية). وبذلك يكونون خارج حسابات قرار المنع الحكومي، وسيعودون من حيث بدأوا قادةً لتنظيمات بمسميات جديدة، وهو ما يجعل القرار ميدانا لصراع بين هؤلاء القادة، (وتنظيماتهم الحالية والمستحدثة) والمليشيات التي ليس لدى قادتها القدرة على تشكيل كتل جديدة ذات طابع سياسي مدني، وفي معظمها مليشيا مندفعة جدا لصالح النفوذ الإيراني في العراق وسواه، ما يعني احتمال الصدام أو التصفيات السياسية، قبيل موعد إجراء الانتخابات بفترة محسوبة.
الصراع الأبرز هو بين حزب الدعوة الذي يترأسه نوري المالكي والقوى الأقل قدرة وتأثيرا في البيت العراقي؛ ذاك أن أهم المليشيات والمنظمات المسلحة في العراق تتبع بولائها لحزب الدعوة، من دون أن يكون في مسماها ما يشير إلى ذلك، مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق وسواهما. وبالتالي، ستكون السطوة والقوة لصالح (الدعوة) في شكلها المتوقع، وهو ما لا ترضاه بقية مكونات البيت الشيعي السياسي، ما يعني طلب مساعدة إيران لحل الأزمة، وهو ما تريده واشنطن والرياض وغيرهما وجها من أوجه الصدام بينهما وبين أذرع إيران في العراق، خلال مرحلة المواجهة المقبلة، لتقطيع أذرع التدخل الإيراني في الإقليم.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن