وتتقاطع معلومات سياسية مع تحليلات لمراقبين تشير إلى أنّ إيران كانت وراء استدراج العبادي وعقد التحالف مع "الحشد"، لتحرجه بعد ذلك بوقت قصير عبر فرط الائتلاف بانسحاب المليشيات منه، وذلك وفقاً لاتفاق مسبق لها مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الأمر الذي يحاول العبادي حالياً الخروج منه بشتى الطرق.
وقال مسؤول قريب من التحالف الوطني لـ"العربي الجديد"، إنّ "العبادي لم يكن يتوقّع انسحاب (تحالف الفتح المبين) الذي يضم مليشيات الحشد الشعبي التي ستشارك في الانتخابات التشريعية المقبلة بعد أن قدّم لهم عروضاً كبيرة، وتصوّر أنه استطاع أن يكسبهم لجانبه"، موضحاً أنّ "الأوراق بدأت تتكشف عن اتفاق مسبق بين المالكي وتحالف الفتح المبين برعاية إيرانية، استدرج العبادي نحو التحالف مع الحشد، ومن ثم الانسحاب منه لضربه انتخابياً".
وأكد المسؤول نفسه أنّ "وسطاء من التحالف الوطني حاولوا التدخّل بين العبادي والمالكي، والتقريب بينهما، لكنّ العبادي رفض الفكرة من الأساس، وأغلق الباب أمام أي وساطات"، مشيراً إلى أنّه "بدأ خطوات جديدة باتجاه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والقوى السنية والتيار المدني، الذين خسرهم حال تحالفه مع المليشيات". وأشار المسؤول إلى أنّ "العبادي يحاول الآن من خلال لقاءات واتصالات يجريها مع تلك الجهات التقرّب منها للتحالف معها في الانتخابات"، مؤكداً أنّ "الموقف ليس سهلاً، خصوصاً أنّ العبادي كان قد ابتعد عنها متجهاً نحو الحشد، واليوم يعود إليها، الأمر الذي يحتّم عليه تقديم تنازلات لها في كل الأحوال". وأضاف المسؤول العراقي أنّ "تلك الجهات لن تتحالف مع المالكي في كل الأحوال، وأنّ تقرّبها من العبادي يصبّ في صالحها، الأمر الذي قد يجعل من فرصة التقارب بينهما أمراً وارداً".
وكان التيار المدني والتيار الصدري وجهات من الكتل السنية يأملون بتشكيل تحالف مع العبادي، قبل أن يتركهم ويتحالف مع مليشيات "الحشد الشعبي"، قبل أن تتطور الأمور بسرعة وينفرط عقد التحالف بين الحشد والمليشيات.
وقال القيادي في التحالف المدني، عدنان العيسى، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "العبادي أقدم على خطوة لم تكن متوقعة عندما تحالف مع الحشد، لقد كنّا نعوّل عليه بشكل كبير بالتوجه نحو الدولة المدنية، لكنّه خيّب الآمال"، مضيفاً أنّ "عودة العبادي اليوم باتجاه التحالفات العابرة للطائفية قد تعترضها بعض الصعوبات، خصوصاً أنّ عدداً من الجهات فقدت الثقة به".
وأكد العيسى أنّ "العبادي سيواجه اليوم شروطاً من أغلب الجهات التي يسعى للتحالف معها، وعليه أن يلتزم بها فعلياً، للحصول على تقارب بينه وبينها. أمّا إذا لم يقدّم شيئاً، فسيواجه الفشل في مساعيه"، مشيراً إلى أنّ "خطوة الفتح المبين وانسحابه من تحالف العبادي، على ما فيها من أبعاد ومكاسب سياسية، لكنّها جاءت بوقت جيّد، عسى أن يعيد العبادي حساباته ويخرج من إطار الطائفية الضيقة". وأضاف أنّ "فرص تقارب العبادي مع تلك الجهات ما زالت قائمة"، وأنّ "المجال لا يزال كافياً، لكن الأهم في هذه المرحلة هو بناء الثقة من جديد، وهذا أصعب ما فيها".
وكان زعيم التيّار الصدري مقتدى الصدر، قد هاجم العبادي بعد تحالفه مع مليشيات "الحشد الشعبي"، عاداً إيّاه تحالفاً "طائفياً بغيضاً"، و"تمهيداً لعودة الفاسدين"، مؤكداً أنّه رفض الانضمام إليه.
ومع تحرّك العبادي نحو الصدر، بدأ تحالف دولة القانون بزعامة المالكي، محاولاته لقطع الطريق عليه، وترغيب الصدر في التحالف مع "دولة القانون". وفي السياق، قال النائب عن دولة القانون محمد الصيهود، في بيان صحافي، إنّ "رؤية الصدر مشابهة لرؤية دولة القانون، فالطرفان يسعيان إلى عراق موحّد ومستقر وآمن وعابر للمحاصصة والطائفية والحزبية والفئوية". وأكد أنّه "لا يمكن التخلص من مشروع المحاصصة إلّا بتبنّي مشروع الأغلبية السياسية، وتوحيد الرؤى بما ينسجم مع تطلعات الشعب، وهذا الشيء هو رغبة المواطن التي باتت أكثر نضوجاً في فرز الفاسدين والفاشلين".
ويقلل مراقبون من إمكانية حدوث تقارب بين المالكي والصدر، بينما يعدّون موقف العبادي بالصعب للغاية، وأنّ صعوبات تعترض طريق محاولته كسب الجهات التي تركها سابقاً. وفي هذا السياق، قال الخبير السياسي عادل الزوبعي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العبادي وضع نفسه في مكان لا يحسد عليه، وخسارته كبيرة وغير متوقعة، فهو يحاول في الوقت الضائع تشكيل تحالف جديد، وهذا يحتاج إلى وقت وإلى تنازلات كبيرة".
وأكد الزوبعي أنّ "الجهات السياسية كلها تبحث عن المصالح، وهي تستغلّ الفرص، وفرصة إحباط العبادي وانكسار تحالفه، ستدفع الجهات التي يحاول التقرّب منها لفرض شروط كبيرة عليه، ولا خيار لديه سوى القبول بالشروط"، موضحاً أنّ "بوصلة الانتخابات انحرفت بشكل كبير، إذ إنّ العبادي كان الورقة الرابحة الذي تسعى الائتلافات للتقرب منها، واليوم أضحى يبحث عن جهات تقبل بالتقرب إليه".
وأشار الزوبعي إلى أنّ "الموقف يحتمل خيارات عدة، أغلبها صعبة ولا تصب في صالح العبادي على أقل تقدير"، لافتاً إلى أنّ "خيارات التقارب بين المالكي والصدر غير واردة، إذ إنّ التقاطعات بينهما لا يمكن تسويتها بسهولة".