الانتخابات العباسية والألمانية

14 ابريل 2017

مسرح مدينة آخن (ويكيبيديا)

+ الخط -
تعرف المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، هارون الرشيد الذي أهدى ملك الإفرنج، شارلمان، الساعة التي تضبط الوقت في زمنٍ كانت فيه أوروبا تضبط وقتها على ساعة الزوال الشمسي، لأنها تعلم أن الدولة الرومانية القديمة التي من بعض ممالكها مدينة آخن، الألمانية الواقعة على الحدود البلجيكية ــ الهولندية، ظلت تحتفظ بالتوأمة مع مدينة بغداد في العلاقات الحضارية والاقتصادية والبلدية منذ ذلك الوقت وحتى العام 2003. 

تعيش آخن، منذ بدأت تنفض عنها ركام الحرب الكونية الثانية، وضعا حضاريا راقيا في تنظيم حياتها المدنية والاجتماعية والسياسية، ومنها انتخابات البلدية والبرلمان (البوندس آمت). ومنح هذا الوضع الحياة في المجتمع الألماني الراحة والهدوء والإنسيابية في الحياة، وتحولت ألمانيا من الهزيمة العسكرية إلى الانتصار الاقتصادي، ولتبقي لوجودها حضارة جديدة في البناء والعمران وتنظيم الحياة. ولتبدأ رؤية الاندماج مع جميع ساكنيها من المهاجرين، وأغلبهم من الأتراك (6 ملايين تركي)، وغيرهم من شتى الأقوام والجنسيات . لا تملك ألمانيا، في انتخاباتها، صمتا وتسقيطا سياسيا واجتماعيا والطوارئ والخوف من نذالة المفخخات وفتاوى "داعش" و"القاعدة" بأن الديمقراطية حرام، وأن الجهاد هو حرب المذاهب، ما يجعل الأمر يبدو معركةً وليس صناديق اقتراع. لهذا، لو نتعلم من انتخابات توأمنا مدينة آخن الألمانية، ولا نذهب إلى الانفعال والتسقيط والحشد الإعلامي والبرنامج الذي يأتي بسموم الحقد والتشهير، وأن نعي من يحبنا ويعمل لأجلنا، ونفرقه عن الدعيّ والسارق والظلامي والطائفي، والذي يترك أبناء جلدته، ويعوم في مسابح العطر في فنادق عمان وبيروت ودبي والشانزلزيه.
هي رؤية تمتد منذ الزمنين، الأموي والعباسي، حيث لا انتخابات ولا برلمان، لأن الدولة كانت الخليفة والوزير الأول وقائد العسس. وعلى الرغم من هذا، راح خليفتها هارون الرشيد، وحمل ساعته وجبروته وغماماته، وذهب إلى أوروبا ليعلمها صنعة الوقت. عاش هذا الخليفة ومات وهو لا يعرف للديمقراطية معنى، ولكن الألمان أخذوا ساعته بدقّاتها إلى قلوبهم، وتجاوزوا محنة حروبهم وتخلفهم، ليصبحوا أعظم أمة معاصرة في صناعة الحديد والأدوية، ولهم تراث فلسفي هائل في حداثته منذ أيام نيتشه وغوته ومارك.
الآن بين زمني هارون الرشيد وصناديق الاقتراع، حلم أكثر من 20 مليون ناخب يتأملون في القادمين ببدلاتهم و(مانشيتاتهم) وأموالهم الانتخابية أن يجعلوا للحال مستقرا، وأن تدار أكثر عجلة البناء، وأن يكنسوا تلك الظلال التي جلست على صدورنا بكآبة وجوهها وامتيازاتها التي لم تقدم لنا شيئا، وإنما في أغلبها يحاول دوما أن يحمل الكارت الأحمر في وجه أي جهد وطني وحكومي لبناء العراق. وأظن أنهم أخطأوا تماما في عدم تمرير مشاريع مهمة كثيرة، منها قانون البنية التحتية والموازنة، وحتى قانون التقاعد لم يزل أسير التجاذب والمحاكم. لو تنظر بغداد إلى تجربة مدينة آخن الألمانية، وتستفيد منها، وأن تكتفي بالقليل من هذا الهوس الملوّن من اليافطات والإعلانات التي لا داعي لها، لأن الناس باتت تعرف تماما من هو نوري المالكي ومن هو أسامة النجيفي ومن هو عمّار الحكيم وإبراهيم الجعفري وصالح المطلك. وعلينا أن نترك الوهم والخداع والضحك على الذقون، فإما أن نعمل من أجل المواطن أو الوطن أو لا نعمل ولا نكذب على الله والناس، كالذي يكتب على يافطته الانتخابية: أقسم لكم أن رسول الله (ص) هو من كلفني لأرشح نفسي.
هذا وغيره لا يصلحون أبدا للمرحلة المقبلة، هو يصلح فقط لانتخابات الخلافة العباسية، فنحن نريد بناء وديمقراطية تشبه في آلياتها وهدفها الإنساني ما عاشته مدينة آخن الألمانية، مع الحفاظ على خصوصيتنا الوطنية والقومية والدينية والعراقية.!
FDE5D34E-87BF-4B5B-B1B4-F9A8536A5B4B
FDE5D34E-87BF-4B5B-B1B4-F9A8536A5B4B
نعيم عبد مهلهل

كاتب وصحفي وروائي عراقي مقيم في ألمانيا، له عدة كتب منشورة، يكتب في السياسة والميثولوجيا.

نعيم عبد مهلهل