الانتخابات الإسرائيلية المعادة (7): الترهيب والتحريض سلاحا نتنياهو المجربان

05 سبتمبر 2019
لافتة انتخابية لنتنياهو في تل أبيب أمس(جاك كوز/فرانس برس)
+ الخط -


ليس هناك سبب يدعو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لترك أهم سلاحين اعتمدهما في المعارك الانتخابية، التي بدأ خوضها مرشحاً لرئاسة الحكومة منذ عام 1995، عندما نافس شمعون بيريس، بعد اغتيال إسحاق رابين، في الانتخابات المباشرة، وأثبت هذان السلاحان فاعليتهما.

فقد أعلن نتنياهو يومها أن اليسار نسي كيف يكون يهودياً، وسكت على شعار انتخابي لحركة "حاباد" العنصرية "نتنياهو جيد لليهود"، ما ترك رسالة خفية في عقل الناخب اليهودي أن بيريس جيد للعرب. أعطى الشعاران مفعولهما، وتغلب نتنياهو على بيريس بفارق 27 ألف صوت خلافاً لكل التوقعات. الترهيب وزرع الخوف من جهة، والتحريض ضد اليسار والإعلام والعرب من جهة ثانية، هما السلاحان اللذان دأب نتنياهو على امتشاقهما وإشهارهما في المعارك الانتخابية كلما شعر بخطر الفشل، أو بانعدام الحماس في صفوف الناخبين اليهود. وقد عاد نتنياهو، في الانتخابات المعادة، والتي من المقرر أن تجرى بعد 12 يوماً، في 17 سبتمبر/أيلول الحالي، لإشهار هذين السلاحين مجدداً.

التحريض ضد العرب عموماً، وضد "حزب التجمع الوطني الديمقراطي" تحديداً، والادعاء بأن الحزب (رغم أنه كان متحالفاً في قائمة مع الحركة الإسلامية) تمكن من اجتياز نسبة الحسم فقط بفضل التزوير، هو عنوان التحريض الجديد الذي يشنه نتنياهو، منذ الأحد الماضي، عندما منح الشرعية وصادق على منشور وضعه حزب الليكود على صفحة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وجاء فيه "إنهم يسرقون منا الانتخابات. اليوم يتضح أنه لو تم منع عمليات التزييف لما تمكن حزب التجمع من اجتياز نسبة الحسم، ولكان معسكر اليمين بقيادة رئيس الحكومة حصل على 61 مقعداً، ولكان الأمر وفر على إسرائيل انتخابات جديدة". منشور الليكود، الذي قام نتنياهو بمشاركته، يؤجج عند الناخب الإسرائيلي مشاعر العنصرية ضد حزب "التجمع" بشكل مباشر، وضد الفلسطينيين في الداخل، لأنه يتبنى تلقائياً الادعاءات العنصرية بأن الانتخابات لدى العرب في الداخل غير نزيهة ومصحوبة بعمليات تزوير وتزييف، يدفع المواطن الإسرائيلي الآن ثمنها عبر جره لانتخابات جديدة لا لزوم لها.

هذا التحريض يضاف إلى مساعي نتنياهو وحزبه الفاشلة، في الانتخابات السابقة في إبريل/نيسان الماضي، بوضع ونصب كاميرات سرية في مراكز الاقتراع العربية، يشكل "سبباً وجيهاً" وموضوعياً، على الأقل في نظر الناخب الإسرائيلي العادي لتأييد إعلان حزب الليكود أنه يعتزم سن قانون يتيح له نصب كاميرات المراقبة في مراكز الاقتراع، رغم إعلان المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أن هذا الإجراء غير ديمقراطي. مظاهر التحريض العنصري، والشعارات العنصرية لم تقف، بطبيعة الحال، عند التحريض المباشر على العرب، بل تعدت ذلك، في سياق التنافس الانتخابي، إلى توظيف تصريحات بائسة لرئيس القائمة المشتركة أيمن عودة بشأن استعداده للتحالف في حكومة مع حزب "كاحول لفان" مقابل شروط معينة، بينها إنهاء الاحتلال، وتلقف هذه التصريحات لوصم منافسيه، لا سيما الجنرال بني غانتس وأفيغدور ليبرمان بأنهما يعتزمان تشكيل حكومة يسار، بالاعتماد على أصوات العرب، وبالتحالف مع أحزابهم التي لا تعترف بشرعية إسرائيل كدولة الشعب اليهودي.



لكن التحريض ضد العرب لم يكن السمة أو السلاح الحصري الذي استخدمه نتنياهو، إذ لم يتورع حزب الجنرالات، وعلى رأسه بني غانتس، عن رد مقترحات عودة بالجزم أنه لن يشارك في حكومته حزب لا يعترف بإسرائيل دولة الشعب اليهودي. التحريض ضد العرب الفلسطينيين في الداخل، والمسارعة للالتزام بعدم إشراك أحزابهم في أي ائتلاف مقبل، هو سمة هذه الانتخابات، ويكاد يكون "البرنامج" الانتخابي الوحيد المطروح على الساحة. تحريض نتنياهو على العرب من جهة، وتوظيف تُهم "الشراكة المحتملة مع العرب" من قبل خصومه، أثبتت حتى الآن جدواها لجهة ترسيم إجماع في إسرائيل على استبعاد أي حزب عربي من أي حكومة مقبلة، دون اعتبار ذلك إجراء أو موقفاً عنصرياً ضد العرب في الداخل.

لكن هذا السلاح العنصري بأيدي نتنياهو بات اليوم، ربما للمرة الأولى في ظل التغييرات الجارية في إسرائيل وانكماش معسكر اليسار الإسرائيلي، غير كافٍ لتحقيق الغاية المرجوة منه، لأن اليمين ككل في إسرائيل بات يستخدم نفس السلاح، وباتت المنافسة داخل اليمين تبدأ أولاً بالتنصل من أي علاقة أو تنسيق مستقبلي مع الأحزاب العربية أو حتى الرهان على أصوات من الناخبين العرب.

وتبيّن صورة توزيع المقاعد التي تتوقعها الاستطلاعات حالة الأفق المسدود في السياسة الإسرائيلية لجهة عدم تمكن أي من المجموعتين في اليمين (معسكر نتنياهو من جهة ومعسكر غانتس وليبرمان من جهة ثانية) من تشكيل ائتلاف حكومي بمفردها من دون تحالف مع قسم من المجموعة المنافسة. ويحصل معسكر نتنياهو، من دون حزب ليبرمان، في أحسن الأحوال على 57 مقعداً، بينما يحصل معسكر "كاحول لفان" وليبرمان (مع أنهما لا يشكلان بالضرورة معسكراً موحداً) على 42 إلى 49 مقعداً. هذا الوضع جعل نتنياهو يكثف في الأيام الأخيرة من حربه داخل معسكره، في محاولة لجلب أكبر عدد من المقاعد، ولو على حساب شركائه في المعسكر، انطلاقاً من ادعائه بأن خسارة أي من أحزاب اليمين (شاس، يهدوت هتوراة، يمينا) لمقعد من مقاعدها وانتقاله إلى الليكود بما يجعله الحزب الأكبر، يضمن فرص ترشيح نتنياهو لتشكيل الحكومة المقبلة، وإعادة هذه الأحزاب إليها. وفي المقابل فإن زيادة عدد مقاعد أي من هذه الأحزاب على حساب الليكود يعني تكليف غانتس بتشكيل الحكومة المقبلة، التي ستكون في مثل هذه الحالة، من دون أي من أحزاب اليمين الدينية، سواء شاس أو يهدوت هتوراة أو حتى "يمينا".

في المقابل، فقد خرج غانتس عن الخط الذي كان معلناً لحزبه، وأعلن، أمس الأربعاء، أنه يلتزم بعد الانتخابات في حال خرج حزبه، الحزب الأكبر من الانتخابات، بتشكيل حكومة وحدة قومية علمانية وليبرالية. هذه التصريحات زادت من حدة المنافسة داخل اليمين المؤيد لنتنياهو، لكنها أيضاً دفعت بزعيم حركة شاس أريه درعي، إلى التصريح، أن حركته لن تدعم تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة، ما لم يلتزم مسبقاً بتشكيل حكومة مع شاس ويهدوت هتوراة وبدون حزب كاحول لفان.

وفي هذه التعقيدات، وما تتنبأ به الاستطلاعات من حالة الجمود في عدد مقاعد كل من المعسكرين، فإن نتنياهو سيحاول، خلال ما تبقى من أيام للمعركة الانتخابية، خلق أجواء شعبية تزيد من نسبة التصويت في صفوف معسكر اليمين الاستيطاني والديني لصالح حزب الليكود، مع مواصلة الشعارات التحريضية ضد الفلسطينيين في الداخل وأحزابهم ونسبة مشاركتهم في الانتخابات، مع التلويح مجدداً بفرية التزوير في صناديق الاقتراع في البلدات العربية في الداخل، والدعوة لتمكين حزبه من نشر مراقبين وآلات تصوير في مراكز الاقتراع.

في المقابل، سيكون على القائمة المشتركة للأحزاب العربية، في هذه الانتخابات، بذل جهود كبيرة لكسر حالة اللامبالاة السائدة في البلدات العربية، لرفع نسبة المشاركة في عملية الاقتراع، على أمل استعادة نسبة الـ 65 في المائة التي سجلتها البلدات العربية في انتخابات عام 2015 ومنحت القائمة المشتركة 13 نائباً، وبموازاة ذلك محاربة تغلغل الأحزاب الصهيونية، التي فازت في انتخابات 9 إبريل/ نيسان الماضي بنحو 30 في المائة من مجمل أصوات العرب الذين شاركوا في الانتخابات. ومع أن مجمل العرب الذين يمكنهم الاقتراع يقارب 950 ألف صوت، إلا أن 51 في المائة منهم فقط شاركوا في الانتخابات في إبريل الماضي، ما أدى إلى تراجع عدد النواب العرب في الكنيست من 13 نائباً في عام 2015 إلى 10 نواب في الكنيست الحالية.