انقلبت المعادلة من شبه الثابت إلى المتحرك، وبات كل من كلينتون وترامب قاب قوسين من الفوز أو الهزيمة. الفارق بين الاثنين، الذي كان بحدود تسع نقاط لصالح الأولى قبل أسبوع، تقلّص اليوم إلى ثلاث نقاط فقط، بفعل قنبلة مدير الـ"أف بي آي"، جيمس كوبي، التي كان لها وقع الفضيحة، مع أنه لا ممسَك على كلينتون حتى الآن في قضية المراسلات الإلكترونية.
ونتيجةً لها، هبط رصيدها، وقطف ترامب المردود. الأمر الذي أثار حالة من الهلع في صفوف الديمقراطيين، الذين قاموا بعملية استنفار لوقف انزلاق كلينتون قبل فوات الأوان. قاد الحملة الرئيس أوباما، الذي بدأ جولات انتخابية لا تتوقف حتى يوم الإثنين، وقبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع.
السيناريو الأول المخيف، أن يستمر وضع كلينتون بالانهيار بحيث يتمكن ترامب من خطف الانتخابات التي بدت، ولغاية الأسبوع الماضي، شبه محسومة لمصلحتها. الاحتمال ليس مرجّحاً؛ لكنه صار غير مستبعد. مفاجأة كومي قد تطيح بحظوظ كلينتون، وقد تفجر مشكلة في نهاية المطاف.
حتى الآن ما زالت هي متقدمة، لكنه تقدم محفوف بالخطر. المفاجأة حولت المتبقي من الحملة إلى جدل حول قضية المراسلات، وبالتالي حول الصدقية التي تشكل نقطة ضعف كلينتون الأساسية؛ مع أن صدقية ترامب معدومة. لكنه لم يكن في موقع المسؤولية مثلها، لذلك هي في قلب دائرة الضوء أكثر منه.
السيناريو الثاني، الذي حمل جهات كثيرة على التخوف، هو أن يتسبب التقارب في نتائج التصويت برفض تسليم ترامب بها إذا لم تكن لصالحه، كما سبق وهدد وعمل على تعبئة جماعته للرد بهذه الصورة، بزعم أنها ستكون مزوّرة. والخشية هنا أن يلجأ هؤلاء في بعض الولايات، كما توعّدوا، إلى العنف وإعلان العصيان. خاصة أن بينهم مجموعات من العنصريين البيض في الجنوب، المعروفين بعنفهم، مثل مجموعة "دافيد ديوك"، ومنظمة "الكلو كلاكس كلان"، التي أعلنت أمس تأييدها لترامب.
ذلك السيناريو سيكون خطراً بلا شكّ، لكن ما لا يقل خطورة هو سيناريو "المأزق"، الذي قد تجد أميركا نفسها فيه لو حصل تغيير في تصويت المجمع الانتخابي الذي يمثل الولايات. فهذا الأخير يجتمع حسب الدستور في 19 ديسمبر/كانون الأول للإدلاء بأصوات أعضائه للمرشح الفائز، وبما يشبه دمغ الانتخابات بالخاتم الرسمي.
عادة هو تصويت معروفة نتائجه سلفاً لأن هؤلاء التزموا بالتصويت للمرشح الذي فاز بالعدد الأكبر من أصوات الناخبين في ولاية كل منهم. لكن قوانين بعض الولايات تسمح لأصوات المجمع بتغيير تأييدهم، وبما قد يؤدي إلى أرقام شبه متعادلة للمرشحين تبقى دون العدد المطلوب، وهو 272 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي؛ كأن ينال كل من كلينتون وترامب 269 صوتاً أو أن يحظى أحدهما بـ270 والآخر 268.
عندئذ يحيل الدستور أمر البت بالرئاسة إلى مجلس النواب الجديد المتوقع أن تبقى مسيطرة عليه غالبية من الجمهوريين. كل ولاية لها صوت، وبذلك يقوم 50 نائباً باختيار رئيس جديد. وإذا تعادلت الأصوات؛ يتولى نائب الرئيس، الذي ينتخبه مجلس الشيوخ، مهامَّ الرئيس لغاية إيجاد مخرج للرئاسة. وقد جرى العمل بهذا التدبير مرة لانتخاب الرئيس عام 1825.
كما قد تنشأ مشكلة أخرى لو اعترض الكونغرس على الأرقام، عندما يجتمع، بحسب الدستور، في السابع من يناير/كانون الثاني المقبل للموافقة على الأصوات.
صحيح أن هذه الحالات وحلولها وضعها الدستور كضمانة من باب الاحتياط، ولم يحصل أن جرى اللجوء إليها سوى مرة واحدة. لكن في هذه الانتخابات الموتورة، لا شيء خارج الاحتمال، بل إن هناك تلميحات وتمهيدات للمنازعة فيها.
عمدة نيويورك السابق، رودي جولياني، أحد المقربين جدا من ترامب، وعد، اليوم الجمعة، بـ"مفاجأة" قريبة من شأنها تغيير المشهد، "فنحن لسنا في وارد الكفّ عن المواجهة"، كما قال. وهو، بذلك، يعكس أجواء فريق ترامب، ومعه عتاة المحافظين المصرّين على القيام بكل ما أمكن للحيلولة دون وصول كلينتون إلى البيت الأبيض. ولذلك ليس من المبالغة القول إن واشنطن تعيش الآن على أعصابها، إذ يسود نوع من الخشية بأن هذه الانتخابات قد لا تنتهي، يوم الثلاثاء المقبل.