"خلال الأشهر الأخيرة، منحت وزارات الصحة والنقل والإسكان والشباب، وزارة الدفاع المصرية، عقوداً عدة تزيد قيمتها عن مليار دولار، لتنفيذ مشاريع كبيرة للبنى التحتية. وقد برّر مجلس الوزراء المصري تفضيله القوات المسلحة على الشركات الخاصة لتنفيذ هذه المشاريع على أساس كفاءة الجيش وانضباطه في تنفيذ المشاريع بسرعة ومعايير عالية"، هكذا بدأ مركز كارنيجي (تقريره عن "مزاحمة الجيش للمؤسسات الاقتصادية المدنية في مصر".
التقرير الذي أعده الباحث في برنامج الديموقراطية ونُظم القانون أحمد مرسي، أشار إلى أن "تكليف الجيش بتنفيذ مشاريع البنية التحتية في مصر ليس بالأمر الجديد على السلطات المصرية. غير أن تجدّد دور الجيش في الشؤون الداخلية، وخاصة منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد، تثير تساؤلات عديدة وأساسية حول دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري، خصوصاً في ما يتعلّق بعدالة وشفافية ممارساته".
ويطرح التقرير تساؤلات حول عقود كبرى جديدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، "إذ تعزّز هذه الاتفاقيات، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، الاتجاه المثير للجدل نحو تكليف الجيش المصري القيام بدور أكبر في الشؤون الاقتصادية والمدنية في مصر".
الجيش ينفذ 473 مشروعاً
ويفنّد التقرير مشاريع القوات المسلحة الاقتصادية، وهي "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، والهيئة العربية للتصنيع، والهيئة القومية للإنتاج الحربي".
ويشرح التقرير أنه "في أيار/مايو 2014، قال مدير الهيئة الهندسية للقوات المسلحة إن الجيش نفّذ 473 مشروعاً استراتيجياً وخدمياً في العام ونصف العام الماضي".
وتلقي قائمة المشاريع القومية التي ينفّذها الجيش، الضوء على مجموعة واسعة من الصناعات التي تغطيها. وتشمل هذه المشاريع بناء الطرق والجسور والموانئ، وترميم المستشفيات والمدارس ومراكز الشباب، ومدّ أنابيب المياه، وبناء محطات تحلية المياه.
ولا تقتصر الصفقات التجارية التي يعقدها الجيش على المستوى القومي فحسب، بل توسّعت لتشمل أيضاً إقامة شراكات مع بعض الشركات العالمية مثل "جنرال إلكتريك" و"لوكهيد مارتن" و"ميتسوبيشي" وغيرها. وفيما عدا المعدات العسكرية، تشمل هذه المشاريع منتجات غير العسكرية مثل أجهزة التليفزيون وسيارات الجيب وأجهزة الكمبيوتر اللوحي"، بحسب التقرير.
العلاقة مع الإمارات
ونوّه الباحث إلى العلاقات الوطيدة مع الإمارات، حيث تتمتّع مصر تقليدياً بعلاقات اقتصادية قوية مع دولة الإمارات. "لذا ربما ليس من الغريب أن يكون لهذه الدولة الخليجية اهتمام كبير في دعم الاقتصاد المصري في ظل أزمته الحالية. ولكن من غیر المعتاد أن يأتي هذا الدعم عن طريق وزارة الدفاع المصرية".
ويضيف الباحث أنه "في النصف الأول من عام 2014، وقّع الجيش المصري عقداً لإقامة مشروعين إسكانيين مع شركات إماراتية، بمعزل عن المبالغ المالية الكبيرة التي تعهّدت حكومة الإمارات تقديمها لمساعدة مصر. وتم توقيع المشروع الأول في شباط/فبراير الماضي، عندما وقعت شركة إعمار مصر، وهي شركة تابعة لشركة إعمار العقارية في الإمارات، اتفاقاً مع وزارات الدفاع والإسكان والتنمية المحلية لبناء مشروع "إعمار سكوير"، كجزء من المشروع الإسكاني "أب تاون كايرو". وتتضمّن صفقة "إعمار سكوير" نقل معسكرات تابعة للجيش إلى أماكن جديدة وتطوير مستوى البنية التحتية في المنطقة".
ويضيف: "وأعقب هذا الاتفاق توقيع عقد مشروع إسكاني آخر لذوي الدخل المنخفض بقيمة 40 مليار دولار، في آذار/مارس الماضي، مع شركة بناء إماراتية أخرى هي "أرابتك". وتتضمّن الصفقة بناء مليون شقة تغطّي 160 مليون متر مربع (1.722 مليون قدم مربع) في ثلاثة عشر موقعاً في مصر".
ويتابع التقرير "إضافة إلى ذلك، وقّعت الحكومة المصرية مع الإمارات اتفاق منحة في تشرين الأول/أكتوبر 2013، تموِّل بموجبها دولة الإمارات عدة مشروعات تنموية في مصر. ويعهد الاتفاق إلى وزارة الدفاع على وجه التحديد الإشراف على بناء وتنفيذ عدد من هذه المشاريع الحيوية. وتبلغ قيمة المنحة عدة مليارات من الدولارات في شكل مساعدات اقتصادية".
غياب النزاهة والمساءلة
لم يغفل الباحث الحديث عن النزاهة والمساءلة كإحدى القضايا التي يثيرها الدور الكبير الذي يضطلع به الجيش المصري في الشؤون الاقتصادية المحلية.
ذلك لأن الأصول الصناعية والاقتصادية التابعة للجيش لا مثيل لها في أي كيان مصري آخر، وفق التقرير، كما أن الجيش هو أكبر قيّم على الأراضي الحكومية في البلاد، حيث منح قرار
رئاسي صدر في عام 1997 الجيشَ الحقَّ في إدارة جميع الأراضي غير الزراعية وغير المستثمرة، والتي تشير التقديرات إلى أنها تصل إلى 87 في المئة من مساحة البلاد.
ويقول التقرير: "يمتلك الجيش المصري القدرة على استخدام المجنّدين كأيدٍ عاملة رخيصة. كما أن أرباحه معفاة من الضرائب ومتطلّبات الترخيص التجاري وفقاً للمادة 47 من قانون ضريبة الدخل لعام 2005. كل هذه العوامل تعطي مزايا كبيرة للجيش المصري في أنشطته التجارية، ويجعل من الصعب على الشركات المملوكة للدولة والقطاع الخاص منافسته".
ثمّة مصدر آخر للقلق يتحدث عنه الباحث، يتمثّل في "مستوى مساءلة الجيش أمام الجمهور. وبكل ببساطة فإن الحصول على معلومات أساسية حول حجم المجمع العسكري-الصناعي في مصر أمر في غاية الصعوبة".
ويشرح: "تتراوح تقديرات الباحثين المستقلين حول الحصة التي يسيطر عليها الجيش من الاقتصاد الوطني بين 5 و40 في المئة. ففي مقابلة مع وكالة رويترز، جرت في 15 أيار/مايو 2014، حاول السيسي، المرشح الرئاسي آنذاك، التقليل من هذه الأرقام، مؤكّداً أن هناك كلاماً عن أن الجيش يملك 40 في المئة من الاقتصاد. هذا ليس صحيحاً. النسبة لا تتجاوز اثنين في المئة".