بعد مرور تسع سنوات على الثورة الليبية، ينتظر المواطن، محمد الشريف، صرف راتب شهر يناير/ كانون الثاني المتأخر أمام أحد المصارف التجارية قائلا لـ"العربي الجديد": "احتفل بثورة فبراير وأنا بدون راتب".
أضاف: "نزحت من منزلي في جنوب طرابلس بسبب الحرب وكل ما أتمناه أن أعود إلى منزلي".
ويعكس حديث الشريف مدى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلد الغني بالنفط بعد 9 سنوات من الاضطرابات الأمنية والصراعات العسكرية والانقسامات المالية.
وتواصل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، هجماتها المسلحة على العاصمة الليبية طرابلس والتي بدأتها في إبريل/ نيسان، بهدف الاستيلاء عليها رغم الهدنة التي تم توقيعها في برلين، ما فاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
وفي هذا السياق، قالت نائبة الممثل الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، ستيفاني وليامز، في مؤتمر صحافي في ميونخ، أمس الأحد، "الهدنة في ليبيا واهية، والوضع الاقتصادي يتدهور".
كل هذا دفع مصرف ليبيا المركزي إلى فرض مزيد من سياسات التقشف وتخفيض الإنفاق العام، الأمر الذي أثر سلبا على المرتبات والدعم، ما فاقم معيشة الليبيين.
وأعلن رئيس وزراء حكومة الوفاق، فايز السراج، أول من أمس، في مؤتمر صحافي، أنّ ليبيا ستواجه أزمة مالية وعجزاً في ميزانية 2020، بسبب استمرار إغلاق المنشآت النفطية من قبل جماعات موالية لحفتر.
وتراجع إنتاج ليبيا من النفط بشكل كبير منذ 18 يناير/ كانون الثاني عندما بدأت عمليات الإغلاق. وقالت المؤسسة الوطنية للنفط، الخميس الماضي، إن إنتاج النفط الخام هبط إلى 163.684 ألف برميل يوميا، وكان الإنتاج قبل الثورة عام 2011 يبلغ نحو 1.6 مليون برميل يوميا.
وقال السراج: باختصار... استمرار إغلاق المنشآت النفطية سيؤدي إلى أزمة مالية وستخفض الى مستوياتها الدنيا". وأكد السراج أن ليبيا خسرت أكثر من 1.4 مليار دولار منذ بدء الإغلاق.
وبسبب الحرب، لم تقر ليبيا حتى الآن موازنة عام 2020، ويتوقع أن يصل العجز لمعدلات قياسية. وفي هذا السياق، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراته، عبد الحميد الفضيل، إن إنتاج ليبيا للنفط لم يصل إلى مرحلة الصفر مند اكتشاف النفط في ستينيات القرن الماضي.
أوضح الفضيل في حديثة لـ"العربي الجديد" أن "استمرار الصرف من الاحتياطي يعني انخفاض قيمة العملة، وقد يكون هناك خيار للاقتراض من الخارج في حالة استمرار قفل الحقول النفطية لفترة طويلة".
وأوضح أن هناك إجراءات عنيفة ستتخذ على صعيد الجوانب المالية والسياسة النقدية في الفترة القادمة إذا استمر توقف تصدير النفط، فعلى الأغلب سيعمل البنك المركزي في طرابلس على إيقاف علاوة الأسرة بالدولار، وسيفرض على الحكومة أن تعدل نفقاتها وتتبع سياسة تقشفية.
وتوقع مدير مكتب محافظ مصرف ليبيا المركزي، عبد اللطيف التونسي، في تصريحات سابقة أن تخفّض الموازنة بنحو 25% بالمقارنة مع الموازنة المقترحة للعام الحالي البالغة 50 مليار دينار.
وامتدت الصراعات إلى المؤسسات الاقتصادية والمالية إذ يوجد في البلاد مصرفان مركزيان الأول معترف به دوليا في طرابلس وأخر مواز في مدينة البيضاء (شرق البلاد) تابع لحفتر، كما توجد مؤسستان للنفط أيضا.
وأكد المحلل الاقتصادي، أبو بكر الهادي، لـ"العربي الجديد" أن البلاد على شفا انهيار اقتصادي لعدة أسباب منها تعطل إنتاج النفط، ما يعني العودة إلى نقطة الصفر وفشل برنامج الإصلاحات الاقتصادية.
وتوقع استنزاف أكبر للاحتياطي النقدي وارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية إلى نحو 9.5 دنانير بدلا من سعره الحالي البالغ 1.4 دينار للدولار.
وبين الهادي، أن المؤشرات الاقتصادية كانت مبشّرة خلال عام 2019، ومنها ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي واستقرار الأسعار في سوق السلع والدواء وانخفاض معدلات التضخم، لكن الحرب غيرت الموازين الاقتصادية الموجودة.
وكان المواطنون الأكثر تضررا من تواصل الاضطرابات والصراعات العسكرية خلال السنوات التسع الماضية.
وشهدت طرابلس والعديد من المدن طوابير أمام محطات الوقود والمخابز، كما شهدت الأسواق موجة غلاء كبيرة لمختلف السلع الضرورية، بالإضافة إلى نزوح مئات الآلاف من المواطنين بسبب الحرب.