الاشتباك البحري في دمياط: رواية مضادّة للقصة الرسمية

15 نوفمبر 2014
تعاملت الأجهزة الرسمية بغموض مع الحادث (فرانس برس)
+ الخط -

روت مصادر ملاحية ومحلية في مدينة دمياط شمالي مصر، لـ "العربي الجديد"، رواية عن الحادث الغامض الذي وقع في عرض البحر المتوسط شمال سواحل المدينة، تختلف تماماً عن الروايات التي أوردتها مصادر عسكرية مصرية للصحف ووسائل الإعلام.

تبدأ الرواية بأن عدداً من الزوارق البحرية، مجهولة الهوية، تواجدت في ساعة مبكرة من صباح يوم الأربعاء الماضي، في منطقة طالما عُرفت بأنها نقطة التقاء وتسليم، بين عصابات تهريب الأسلحة والمخدرات عبر البحر، قبالة ساحل ميناء دمياط، بعيداً عن مسار السفن وحاملات الحاويات.

ووفقاً للرواية، فإنه من الطبيعي أن تحدّد عصابات تهريب السلاح الآتية من ليبيا، نقاطاً للالتقاء بزوارق أخرى آتية من مصر، وتتغير هذه النقاط دورياً لتضليل قوات خفر السواحل، التي ضبطت في الآونة الأخيرة العديد من وقائع تهريب الأسلحة والسولار، وكانت تُعلن عن ذلك بصورة طبيعية، وشددت الإجراءات في الآونة الأخيرة.

وبعد فترة من لقاء الزوارق، علمت وحدة بحرية تابعة للقوات المسلحة في ميناء دمياط بوجود الزوارق، فتحركت منفردة ودون حماية من وحدات أخرى إلى مكان اللقاء، في محاولة لإيقاف عملية التهريب أو السيطرة على الموقف، إلّا أنها فوجئت بإطلاق نار كثيف من الزوارق الأخرى، وبصورة تفوق قدرتها على ردّ الفعل، وعاجلها المهاجمون بإطلاق قذيفة "آر بي جي" لتفقد قدرتها تماماً على المواجهة.

ترك المهاجمون زوارقهم، وانتقلوا إلى الوحدة، حيث دارت معركة يدوية مباشرة بينهم وبين الضباط والجنود، نتج عنها ذبح قائدها وغرق 8 آخرين، كما كانت هناك خسائر بشرية عديدة في صفوف المهاجمين، لم يعرف عددها.

نجح بحارة الوحدة في إرسال إشارة استغاثة لمقر قيادة القوات في بورسعيد، الواقعة شرقي دمياط، واستمرت المعركة الدائرة بين الوحدة والزوارق لنحو ساعة دون أن تتدخل أي أطراف أخرى. في هذه الأثناء ونظراً لوضوح أصوات الاشتباك، حاولت سفن الصيد وناقلات الحاويات المتواجدة قريباً من المنطقة الابتعاد عنها حتى لا يصيبها ضرر.

إلاّ أن طائرات مروحية مقاتلة تابعة للقوات المسلحة ووحدات بحرية مسلحة أخرى وصلت من بورسعيد بعد فترة طويلة، وكانت الاشتباكات قد انتهت فعلياً، وفرّ المهاجمون على متن عدد غير معروف من الزوارق، وتركوا خلفهم أربعة زوارق دمّرها الجيش.

وشنّت الطائرات والوحدات البحرية حملة تمشيط واسعة في محيط المنطقة، ونظراً لعدم وضوح الصورة واستحالة معرفة عدد ومكان المهاجمين، تم إطلاق النار بكثافة على بعض السفن التي كانت في طريقها للابتعاد، ومنها سفينة صيد مملوكة لصيادين في مدينة عزبة البرج، شمال شرق محافظة دمياط.

تلا ذلك عمليات إنزال متكررة من القوات المسلحة على أسطح جميع السفن في المنطقة للتفتيش، بذريعة البحث عن الجناة، وتم اعتقال جميع الصيادين المتواجدين على متن ثلاث سفن صيد كبيرة، بينما عادت السفن فعلياً إلى بوغاز عزبة البرج بنهاية يوم الأربعاء، وفرض الجيش حظراً لخروج السفن ساعات عدة.

تختلف هذه الرواية عن الرواية الرسمية في محاور مختلفة، أولها أنها توضح تحرك الوحدة المصرية للمهاجمين وليس مهاجمتهم لها في البداية، مما يطرح أسئلة عما إذا كان تجمعهم في هذه النقطة البحرية مجرد مصيدة للإيقاع بالوحدة المصرية.

وثاني نقاط الاختلاف، أن الوحدة كانت بمفردها معظم وقت الأحداث وأن القوات انضمت للمشهد بعد انتهاء الاشتباك. والنقطة الثالثة أن القوات التي جاءت لإنقاذ الوحدة لم تقتل أو تأسر أياً من المهاجمين، والرابعة أن جميع من اعتقلوا هم من صيادي وعاملي السفن.

لكن هذه الرواية شأنها شأن الرواية الرسمية، لم تجب عن اللغز الأهم في الواقعة وهو: أين ذهب المهاجمون؟ وماذا كان هدفهم؟ تؤكد المصادر المحلية أن المهاجمين ما هم إلاّ مهربو أسلحة، ويستندون إلى أن مهربي المخدرات والسولار "جبناء بطبيعتهم ولا يرغبون في الصدام مع القوات النظامية"، بينما يشيرون إلى أن "مهربي الأسلحة اعتدوا مراراً على القوات النظامية مستغلين ما بصحبتهم من أسلحة ثقيلة".

بينما تذكر المصادر العسكرية أن المهاجمين إرهابيون، لكنهم يبقون مجهولي الهوية بالنسبة لأي جهاز سيادي مصري حتى الآن. وبُثّ مقطع فيديو على موقع "يوتيوب" في ساعة مبكرة من صباح أمس الجمعة، يظهر فيه خمسة شبان، يتحدث قائدهم اللغة العربية بإتقان وبلهجة مصرية، وأعلنوا فيه أنهم "أسروا وحدة بحرية من القوات المسلّحة"، التي وصفوها بـ "جيش الردة" بكامل طاقمها وأسلحتها من أجل "التفاوض عليهم لتحرير إخوانهم في السجون المصرية"، على حد قولهم.

لم يذكر هؤلاء أي تفاصيل عن واقعة شمال دمياط، ولم يذكروها صراحة أو ضمناً، إلا أن وسائل الإعلام المصرية اعتبرت هذا المقطع إعلاناً للمسؤولية عن الواقعة. لكن ثمة أمرين يزيدان غموض الحادث والمقطع، الأول أن المقطع يتحدث عن أسر وحدة كاملة بينما تحدث بيان القوات المسلحة عن فقدان ثمانية جنود وإصابة خمسة، والأمر الثاني هو أن الإعلام العسكري المصري لم ينشر أي صور للمصابين أو المعتقلين بعد نحو 60 ساعة من انتهاء الواقعة.

كما شهد مساء الخميس في القاهرة حدثا آخر ينم عن الاضطراب في التعامل مع الواقعة، إذ وزع المتحدث العسكري على مندوبي الصحف خبراً عن زيارة وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي للمصابين وتصريحات له، ثم طلب منهم بعد نحو ساعة ونصف عدم نشره وإلغاءه من الصحف، وعلم المندوبون أن الزيارة لم تتم في الأساس.

المساهمون